قد يبدو عنوان هذا الموضوع غريباً لمن يتابع جماعة الإخوان التي اتخذت من القضية الفلسطينية درعاً لحماية مشروعها السياسي والديني في المنطقة العربية على مدار تاريخها، في ضوء متاجرة بحتة كشفتها المواقف المتناقضة التي ظهرت بين حين وآخر فاضحة التعاون الوثيق بين الجماعة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو تعاون تقتضيه مصلحة التنظيم فقط دون اعتبارات أخرى تتعلق بفلسطين أو بغيرها من القضايا العربية.
مؤخراً جاء الكشف عن عمل الإعلامي الإخواني أبو بكر خلاف داخل إحدى القنوات الإسرائيلية، بينما تشتعل حرب الإبادة الجماعية داخل غزة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وهذا دليل جديد على زيف شعارات التنظيم المتعلقة بالقضية الفلسطينية. وفي مواجهة حالة الغضب التي انتشرت ضد الإخوان على مواقع التواصل الاجتماعي اضطرت الجماعة إلى التبرؤ من خلاف ومهاجمته، بالرغم من ذلك ما يزال الإعلامي الإخواني يترأس أكبر شبكة إعلامية لتدريب الباحثين والصحفيين، وهي شبكة محرري الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تنشط من مدينة إسطنبول التركية، حيث تشغل الرابطة مقراً باهظ التكلفة في برج إداري من أغلى الأبراج الإدارية في مدينة إسطنبول بمنطقة جمهوريات.
من هو أبو بكر خلاف؟
الإعلامي الإخواني أبو بكر خلاف، المدير التنفيذي لشبكة "محرري الشرق الأوسط وشمال أفريقيا " (MENA Editors)، يُعدّ من الشخصيات المثيرة للجدل بسبب علاقاته المشبوهة مع الكيان الصهيوني، ويرتبط خلاف باتصالات مباشرة مع باحثين وإعلاميين إسرائيليين، مثل إيدي كوهين، وسبق أن شارك في فعاليات تطبيعية بارزة، منها حضوره مؤتمر "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" في تل أبيب عام 2019.
بالإضافة إلى ذلك استضاف شخصيات إسرائيلية في ندوات وحوارات علنية، مروجاً لما يُعرف بـ"إعلام السلام"، وهو ما اعتبره الكثيرون غطاءً للترويج للتطبيع الإعلامي والثقافي مع إسرائيل. علاوة على ذلك، يواجه خلاف اتهامات بتوجيه أنشطة الشبكة التي يديرها لاستقطاب الشباب العربي والتأثير على قناعاتهم بما يخدم أجندات تخدم التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، مستفيداً من تمويل منظمات دولية متهمة بتغيير الأنظمة العربية، مثل "الصندوق الوطني للديمقراطية " (NED).
خلاف يظهر بشكل متكرر على قنوات الإخوان، مثل (مكملين، والشرق، ووطن)، ومن خلال هذه المنصات يوجه خلاف هجوماً حاداً ضد مصر والدول العربية، متبنياً خطاباً يستهدف تشويه مؤسسات الدولة الوطنية وزعزعة الاستقرار في المنطقة، كذلك يستخدم خلاف وجوده في هذه القنوات لترويج روايات تتماشى مع أجندات التنظيم الدولي للإخوان، مستهدفاً تأليب الرأي العام ضد الأنظمة الحاكمة، خاصة في مصر، بدعوى الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ورغم ادعائه دعم القضايا العربية، تتسم مواقفه بالازدواجية، حيث يقف ضد الحكومات العربية بينما يروج للتطبيع الإعلامي مع إسرائيل، ممّا يعزز الشكوك حول طبيعة دوره الحقيقي ومدى ارتباطه بأجندات خارجية معادية للمنطقة.
وللمفارقة، يعمل خلاف مراسلاً لقناة (آي 24) العبرية، وهي القناة ذاتها التي روجت مصدر الشائعة التي زعمت أنّ حماس قطعت رؤوس (40) طفلاً إسرائيلياً خلال عمليتها التي شنتها ضد مستوطنات غلاف غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وهي الشائعة التي تم نفيها لاحقاً، لكنّ إسرائيل وظفتها في بداية الحرب لشن ضربات واسعة على المدنيين في غزة.
محاولة بائسة لتبرير الموقف
أمام حالة غضب عارمة ضد الجماعة، اضطر الإخوان لمهاجمة خلاف عبر مختلف المنصات وزعموا التبرؤ منه، ومن جهته حاول خلاف تهدئة الهجوم بادعاء إنهاء تعاقده من القناة منذ أيار (مايو) الماضي، وقال في بيان نشره على صفحته عبر (فيس بوك): "أود أن أعلن للجميع، أنا الصحفي أبو بكر إبراهيم أوغلو، محلل الشؤون التركية ومراسل قناة "i24"، أنني قد أنهيت تعاقدي مع هذه القناة منذ أيار (مايو) من العام الجاري، وذلك بعد فترة عمل تجاوزت العام والنصف.
وأضاف: "أؤكد للجميع أنّ مواقفي الداعمة للقضية الفلسطينية لم تتغير طوال عملي في النسخة العربية من القناة الإسرائيلية، عبّرت بوضوح عن موقفي هذا من خلال مفرداتي ومداخلاتي، وقد شملت فترة عملي تغطية شبه يومية لأهم الأحداث التركية، بما في ذلك زلزال عام 2023 والانتخابات الرئاسية.
وتابع: "كانت فترة عملي مع قناة "i24" تجربة غنية بالتفاعل مع الطرف الآخر، تعلمت منها الكثير، واكتسبت معرفة عميقة عن الداخل الإسرائيلي. ورغم مرارتها ستظل هذه التجربة علامة فارقة في مسيرتي المهنية، أشكر كل من تفهموا موقفي ودعموني خلال هذه الفترة الصعبة، ولم يتخلوا عني في أصعب الأوقات، وقدموا لي النصيحة والدعم، كما أعذر كل من تخلوا عني أو قاطعوني بسبب هذه التجربة، وأسأل الله أن يغفر لي ولهم، وأن يهدينا جميعاً إلى الحق والطريق المستقيم."
علاقة الإخوان بإسرائيل: ازدواجية الخطاب والمواقف
رغم ما تدّعيه جماعة الإخوان الإرهابية من عداء تجاه إسرائيل ودعمها المزعوم للقضية الفلسطينية، تكشف الوقائع عن علاقات مشبوهة بين الجماعة والكيان الصهيوني، وعلى مدار أعوام لعبت الجماعة دوراً مزدوجاً، حيث تعتمد خطاباً ظاهره معادٍ لإسرائيل لاستقطاب الدعم الشعبي، بينما تعمل في الخفاء على تقديم تنازلات تخدم مصالح الطرفين. وخلال فترة حكم الإخوان لمصر أظهرت الجماعة مرونة ملحوظة في التعامل مع إسرائيل، بدءاً من التزامها باتفاقية كامب ديفيد، حتى محاولاتها طمأنة الكيان الصهيوني بعدم المساس بالعلاقات بين الطرفين. ويعكس هذا السلوك براغماتية التنظيم التي تضع مصالحه فوق كل اعتبار، حتى لو كان ذلك على حساب مبادئه المعلنة أو القضايا القومية.
إلى جانب ذلك تؤكد الشواهد أنّ جماعة الإخوان استفادت من قنوات خلفية للتواصل مع إسرائيل لتحقيق أجنداتها الخاصة، وقد وثّق مراقبون لقاءات غير معلنة بين قيادات الإخوان ومسؤولين إسرائيليين بهدف التنسيق حول قضايا إقليمية، خاصة فيما يتعلق بالضغط على الأنظمة العربية المناوئة للتنظيم، كما تم الكشف عن دور بارز لقيادات إخوانية مقيمة في الخارج، مثل أبو بكر خلاف وغيره، في الترويج للتطبيع الثقافي والإعلامي تحت ستار "التعايش والسلام". هذه العلاقات تفضح مزاعم الجماعة بمقاومة الاحتلال، وتؤكد أنّها تستخدم القضية الفلسطينية أداة لتحقيق مكاسب سياسية، متجاهلة تأثير ذلك على الأمن القومي العربي.