شيرزاد اليزيدي
لا نكشف مستوراً عند الإشارة إلى أن تركيا، ومنذ سنوات، باتت مرتع الحركات الإخوانية والداعشية على امتداد العالم الإسلامي، من شمال أفريقيا إلى آسيا الوسطى، وهي ما فتئت تعمل على رعاية تلك الحركات وتمويلها وتوظيفها، في سياق تحقيق طموحاتها لتكريس نزعاتها العثمانية الجديدة كواقع على الأرض، وفرض الأخونة على العالمين العربي والإسلامي، وبوصف الرئيس التركي رجب إردوغان عراب هذه التيارات وسلطانها.
من هنا، فإن أحد أهم أهداف العدوان التركي على أكراد سوريا، وشمال شرقي سوريا ككل، هو إقامة جيب إرهابي، يكون ممراً ومستقراً للحركات المتطرفة، وأشبه بدويلة تمثل بؤرة للعنف، وقاعدة لتنظيم وتوحيد المجهود الانقلابي التكفيري ضد مختلف دول المنطقة، من المغرب إلى الخليج.
والحال أن هذا المشروع الخطير لم يعد طي الكتمان والتقية، بل إن أنقرة لا تتورع عن الإفصاح عن حقيقة سياساتها التوسعية والعدوانية الهادفة إلى احتلال واقتطاع الشمال السوري، في خرق فاضح لمبادئ القانون الدولي وسيادة الدول، ومن ثم توطين وإسكان مئات آلاف، بل وملايين، الحركيين الإخوان، وأشباههم وبني عمومتهم الإرهابيين من قاعديين ودواعش.
والواقع أن إردوغان يعلن صراحة، في هذا السياق - صباح مساء - عزمه على إحداث تتريك وتغيير ديموغرافي واسع في المناطق الشمالية من سوريا التي يغزوها الآن، ويرتكب جرائم الحرب والإبادة والتطهير العرقي فيها، على جاري عادته، وليس سراً أن ثمة عشرات آلاف الإخوانيي الهوى وقاعدييه، من مصر وليبيا إلى العراق... المقيمين في تركيا، والمنظمين في سياق التخطيط لتشييد هذه الدويلة المسخ التي ستتحول إلى وبال على رأس دول المنطقة وشعوبها، وبما يهدد الأمن والسلم الدوليين.
فالغزو الإردوغاني المسمى زوراً وبهتاناً «نبع السلام» يهدف، والحال هذه، لإبادة الكرد في سوريا، وإخراجهم من أرضهم، ليحل محلهم رعية السلطان ومريديه من المتطرفين القادمين من كل حدب وصوب، وهلم جراً.
وهكذا، فنحن حيال خطر وجودي داهم لا يستهدف الكرد فقط، ولا وحدة الأراضي السورية فحسب، بل هو خطر يستهدفنا جميعاً، عرباً وكرداً، ومن مختلف الشعوب والمكونات من المحيط إلى الخليج، كون الفاشية الإردوغانية قائمة تعريفاً على الأحادية والكراهية والاستعلاء، وما محاولات احتلال وقضم شمال سوريا سوى البداية لاحتلالات تركية متناسلة.
عن "الشرق الأوسط" اللندنية