دون المغرب وموريتانيا.. ما حدود القمة الثلاثية بين تونس والجزائر وليبيا؟

دون المغرب وموريتانيا.. ما حدود القمة الثلاثية بين تونس والجزائر وليبيا؟

دون المغرب وموريتانيا.. ما حدود القمة الثلاثية بين تونس والجزائر وليبيا؟


25/04/2024

عقد الرئيس التونسي قيس سعيّد مع نظيريه الجزائري والليبي، الإثنين، "الاجتماع التشاوري الأوّل" من أجل بلورة تكتل مغاربي جديد، في ضوء الجمود الذي يشهده اتحاد المغرب العربي الذي يضم أيضا المغرب وموريتانيا.

واجتمع قادة الدول الثلاث، التي تشترك في الحدود، دون تمثيل مغربي أو موريتاني في الاجتماع، وسط تساؤلات عن مستقبل التكتل وما يمكن أن يترتب عليه، بعد تعطل "اتحاد المغرب العربي" بسبب الخلافات بين المغرب والجزائر، فيما تثار أسئلة حول غياب موريتانيا من اللقاء، وهل يتعلق الأمر فقط بسبب جغرافي بحكم أنها لا تشارك حدوداً مع تونس وليبيا، أو سياسي للعلاقة الموريتانية المعقدة مع المغرب.

أبرز نقاط الاجتماع

لكن البيان الختامي للاجتماع التشاوري الأول الذي تلاه وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، نبيل عمار، تضمن اتفاق قادة هذه الدول على "تكوين فرق عمل مشتركة يعهد إليها تنسيق الجهود لحماية أمن الحدود المشتركة من أخطار وتبعات الهجرة غير النظامية، وغيرها من مظاهر الجريمة المنظمة، وفق مقاربة تشاركية".

وشدد البيان الختامي على "الرفض التام للتدخل الأجنبي في الشأن الليبي، وإدانة الجرائم التي ترتكبها (القوات الإسرائيلية) ضد الشعب الفلسطيني والمساندة التامة لحصول دولة فلسطين على العضوية التامة في منظمة الأمم المتحدة".

اجتمع قادة الدول الثلاث، التي تشترك في الحدود، دون تمثيل مغربي أو موريتاني

كما تم الاتفاق على "تكوين فريق عمل مشترك لصياغة آليات لإقامة مشاريع واستثمارات كبرى مشتركة في مجالات وقطاعات ذات أولوية على غرار إنتاج الحبوب والعلف وتحلية مياه البحر وغيرها من المشاريع".

واتفق رؤساء الدول الثلاث على التعجيل بـ"تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين تونس، وليبيا، والجزائر، وتطوير التعاون وتذليل الصعوبات المعيقة لانسياب السلع وتسريع إجراءات تنقل الأفراد وإقامة مناطق تجارية حرة بينها".

 

لا يمكن استبعاد التوتر-المغربي الجزائري من هذه التحركات فعبد المجيد تبون الذي رعى هذا اللقاء الثلاثي كان قد صرّح أن "القطيعة مع المغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة"

 

وفي ختام الاجتماع تقرر "تكوين نقاط اتصال" لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه من قبل قادة هذه الدول تمهيداً لعقد الاجتماع التشاوري القادم.

وكان تبّون قد مهّد لشكل جديد من التعاون مع تونس وليبيا وموريتانيا، في شباط/فبراير 2024، عندما أوفد وزير خارجيته أحمد عطاف إلى المنطقة المغاربية في جولة شملت تونس وطرابلس ونواكشوط. وسلم خلال الزيارة رسائل خطية من تبون لنظرائه المغاربيين، تناولت "مقترحات تخص تنسيق المواقف"، وفق ما أعلن عنه، لكن من دون الخوض في تفاصيل أكثر.

أهمية القمة

ويؤكد أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة التونسية، منتصر الشريف، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "اللقاء يأتي في ظل تحديات جيوسياسية تواجهها المنطقة ككل، إذ تعيش ليبيا على رمال متحركة بصراع نفوذ عسكري روسي - أميركي، بينما تواجه الجزائر عدة إشكاليات أمنية بخاصة مع جيرانها في الحدود الغربية (المغرب)، وفي الجنوب (مالي والنيجر)". 

ويأمل الشريف أن تؤدي مخرجات هذه القمة إلى "تحقيق تكامل اقتصادي بين الدول الثلاث لما تزخر به من إمكانات مهمة ستعود بالنفع على شعوب المنطقة"، واصفاً هذا اللقاء بأنه "محاولة لخلق تكتل جديد بديل عن اتحاد المغرب العربي الذي تعطلت آليات عمله منذ عقود"، ومحذراً من أن "تفهم بقية الدول المكونة لاتحاد المغرب العربي (المغرب وموريتانيا) أن اللقاء هو استهداف لها"، داعياً الحكومة التونسية إلى "درء مخاطر سوء الفهم حول أهداف اللقاء الثلاثي، وبعث رسالة طمأنة لشركاء تونس بأن اللقاء لا يستهدف أحداً". 

 

لا تعيش ليبيا إحدى أطراف هذا "التحالف الجديد" في وضعية تتيح لها استصدار موقف وطني موحد في السياسة الخارجية

 

ويضيف أستاذ العلاقات الدولية أن "العلاقات التونسية - الجزائرية شهدت توتراً نسبياً على رغم ما يربط بين البلدين من روابط استراتيجية، بسبب استمرار تدفق المهاجرين غير الشرعيين بخاصة من دول أفريقيا جنوب الصحراء، الذين يدخلون تونس عبر الحدود الجزائرية"، معتبراً أن الاتفاق وتوحيد الجهود إزاء هذا الملف "خطوة مهمة"، داعياً الجزائر إلى "إحكام سيطرتها على حدودها مع تونس، من أجل التحكم في تدفق المهاجرين"، واصفاً استمرار تدفقهم بـ"تصدير الأزمة من الجزائر نحو تونس".

من جانبه، الخبير الأمني الجزائري، أحمد ميزاب، إن القمة الثلاثية التي تستضيفها تونس، تكتسي أهمية بالغة من حيث السياقات الإقليمية بالغة الخطورة، التي تعرف تطورات متسارعة، مخلفة أنعكاسات عميقة.

وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن التحولات الحاصلة على صعيد المنطقة، والسياق العالمي تؤشر على بوادر نظام عالمي جديد، يبنى على أساس"طقوة التكتلات"، وهو ما يهدف إليه الاجتماع الثلاثي.

وفق ميزاب فإن القمة الثلاثية تبحث التنسيق وتعزيز التعاون بين الدول الثلاث، للحضور بشكل منسجم في مختلف القضايا، بما فيها الاقتصادية والأمنية والسياسية.

ولفت إلى أن ملامح تكتل تكتل مغاربي وخطوطه لم تتضح بعد، لكن الرغبة لدى القادة تتمثل في البحث عن آلية لتنسيق التعاون والشراكة واستثمار قدرات المنطقة والاستفادة من التجارب السابقة.

إنشاء الاتحاد المغاربي

هذا وتعود فكرة إنشاء الاتحاد المغاربي إلى أول مؤتمر للأحزاب المغاربية عقد في مدينة طنجة المغربية عام 1958، وضم ممثلين عن "حزب الاستقلال" المغربي و"الحزب الدستوري" التونسي و"جبهة التحرير الوطني" الجزائرية.

اللقاء يأتي في ظل تحديات جيوسياسية تواجهها المنطقة ككل

بعد استقلال الدول المغاربية أسست اللجنة الاستشارية للمغرب العربي عام 1964، التي كانت تهدف إلى تقوية العلاقات الاقتصادية بين دول المغرب العربي.

جاء بعد ذلك بيان "جربة الوحدوي" بين ليبيا وتونس عام 1974 ومعاهدة "مستغانم" بين ليبيا والجزائر و"معاهدة الإخاء والوفاق" بين الجزائر وتونس وموريتانيا عام 1983، وهي جميعها خطوات مهدت لتأسيس الاتحاد ضمن جملة من الأهداف، أعلن عنها في "بيان زرالدة" في مدينة زرالدة الجزائرية عام 1988، ثم تم الإعلان عن تأسيس الاتحاد عام 1989.

علاقات مغاربية متباينة

ولا يمكن استبعاد التوتر-المغربي الجزائري من هذه التحركات، فعبد المجيد تبون، الذي رعى هذا اللقاء الثلاثي، كان قد صرّح أن "القطيعة مع المغرب وصلت إلى نقطة اللاعودة"، وبالتالي هناك من قد يشير إلى أن الجزائر ترغب في خلق كيان بديل عن اتحاد المغرب العربي الذي يعيش حالة جمود، لكنه كيان دون المغرب، رغم الدور المركزي الذي يلعبه هذا الأخير في المنطقة.

ولا تعيش ليبيا، إحدى أطراف هذا "التحالف الجديد"، في وضعية تتيح لها استصدار موقف وطني موحد في السياسة الخارجية، مع استمرار الأزمة السياسية والمطالبات بتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، بالنظر إلى الوضع المنقسم في ليبيا، فإن المحادثات مع الرئيس محمد المنفي محدودة الفعالية، لأنه يفتقر إلى سلطة تمثيل الحكومتين في طرابلس أو بنغازي.

 

بالنسبة لتونس لا تزال العلاقة باردة بينها وبين المغرب منذ استقبال قيس سعيد لإبراهيم غالي بصفته رئيس "الجمهورية الصحراوية"

 

وحافظت ليبيا على علاقات جيدة مع المغرب، خصوصًا أنه احتضن محادثات مدينة الصخيرات بين تيارات ليبية بوساطة أممية أدت إلى اتفاق عام 2015 بإقرار حكومة الوفاق في طرابلس، ثم محادثات منتجع بوزنيقة عام 2020، ما قد يجعل الأطراف الليبية، خصوصا منها المحسوبة على طرابلس، غير راغبة في فقدان داعم سياسي لها، ممثلاً في الحكومة المغربية، عبر الدخول في تحالف غير مرحب بالرباط.

أما الوضع بالنسبة لتونس مختلف، إذ لا تزال العلاقة باردة بينها وبين المغرب، منذ استقبال قيس سعيد لإبراهيم غالي بصفته رئيس "الجمهورية الصحراوية" (غير معترف بها أمميًا). ورغم بعض الإشارات الإيجابية، إلا أنه لم تتم إعادة السفيرين بين البلدين، وسط تقارب قوي بين قيس سعيد وعبد المجيد تبون.

ويرى المحلل السياسي طارق الكحلاوي في تصريح لـDW عربية أن أسباب الحاجة التونسية لهذا التكتل متعددة حسب الخبير ذاته، منها "حدود طويلة مشتركة مع الجزائر وليبيا، تمثل تحديات اقتصادية وأمنية كبيرة وتحتاج تعاونا مشتركا لضبطها"، وكذلك فيما يتعلق بموضوع الطاقة، إذ يوضح أن "تونس تعوّل على الغاز الجزائري، مع ما يخلقه ذلك من تبعية طاقية خصوصاً تراجع استكشاف وتنقيب الآبار والحقول التونسية، فضلاً عن الحاجة للموارد النفطية الليبية".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية