الإخوان المسلمون بعد 2025... إلى أين تتجه بوصلة التنظيم؟

الإخوان المسلمون بعد 2025... إلى أين تتجه بوصلة التنظيم؟

الإخوان المسلمون بعد 2025... إلى أين تتجه بوصلة التنظيم؟


18/05/2025

منذ الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 2013 دخل التنظيم مرحلة طويلة من الارتباك والتفكك، تصاعدت فيها الأزمات الداخلية وتقلصت فيها قواعد الدعم الشعبي. 

وبرغم محاولات إعادة التمركز في الخارج، بقي التنظيم في حالة من الانسداد الاستراتيجي، غير قادر على تقديم مشروع سياسي بديل أو الحفاظ على تماسكه التنظيمي. وتُجمع تقارير بحثية على أنّ الجماعة فقدت قدرتها على المبادرة، وباتت "تدور في حلقة مفرغة من إعادة إنتاج الأزمة دون مخرج"، بحسب توصيف لمركز المسبار للدراسات في تقريره عن مستقبل التنظيم الدولي للإخوان (2023).

لم يكن إخفاق جماعة الإخوان المسلمين في الاحتفاظ بالسلطة بعد عام 2013 نهاية التنظيم الأقدم في الشرق الأوسط، بل محطة انحدار خطيرة كشفت عورات المشروع كله، ودفعت بالتنظيم إلى متاهات الانقسام والشتات، واليوم يواجه الإخوان أزمة بنيوية لا تتعلق فقط بخسارة الشرعية السياسية، بل بتهالك الفكرة الأصلية التي قامت عليها الجماعة. 

الانقسام التنظيمي: هيكل متصدّع

أبرز ملامح أزمة ما بعد 2015 هو الانقسام التنظيمي العميق بين جبهتي لندن وإسطنبول، فقد دخلت الجماعة في صراع على الشرعية القيادية والتمويل، وهو ما أدى إلى ظهور (3) قيادات متنازعة على تمثيل الجماعة، ويؤكد تقرير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية (2022) أنّ "الانقسام لا يُعدّ خلافًا إداريًا فقط، بل يعكس تآكلًا في المرجعية التنظيمية للجماعة، وعدم قدرتها على إدارة مرحلة ما بعد السقوط، في ظل صراع الأجنحة وغياب الرؤية السياسية."

هذه الانقسامات أعاقت قدرة التنظيم على إعادة التموضع في أيّ ساحة جديدة، ووسّعت الفجوة بين القيادات التاريخية وقواعد الشباب الذين شعروا بالخديعة بعد تجربة الحكم القصيرة.

أبرز ملامح أزمة ما بعد 2015 هو الانقسام التنظيمي العميق بين جبهتي لندن وإسطنبول

الخسارة الإقليمية: انحسار النفوذ في الدول العربية

بعد موجة التطبيع العربي مع الأنظمة الجديدة في مصر والسودان وتونس فقد الإخوان أغلب حواضنهم الإقليمية. وفي تقرير نشره مركز كارنيغي للشرق الأوسط، جاء فيه أنّ "الإخوان خسروا التحالفات التي صنعت صعودهم في 2011، وتحوّلوا من فاعل سياسي إلى عبء تنظيمي على الدول التي تستضيفهم، بما في ذلك تركيا"، وقد أدى التقارب التركي مع مصر والسعودية إلى تقييد مساحة الحركة الإعلامية والتنظيمية للجماعة. 

وهو ما أكده أيضًا تقرير معهد هدسون الذي أشار إلى أنّ "التقارب بين أنقرة والقاهرة أجبر قادة التنظيم في إسطنبول على تقليص نشاطهم الإعلامي والسياسي بشكل غير مسبوق، وهو ما شكّل ضربة موجعة لبنيتهم الخارجية."

الوجود في الغرب: مأوى تكتيكي أم مشروع بديل؟

تحاول الجماعة اليوم تعويض انحسارها العربي بالتمدد داخل أوروبا عبر منظمات مجتمع مدني ومراكز بحثية وجمعيات دينية. ووفقًا لتقرير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب (2023) "يُعدّ الحضور الإخواني في أوروبا محاولة لإعادة التموضع تحت مظلة الشرعية الغربية، لكنّه في الوقت ذاته يثير قلقًا متصاعدًا من احتمال استخدام هذا الغطاء كمنصة لبناء شبكات ضغط سياسي على حكومات الغرب."

ورغم محاولات الجماعة استثمار قيم الديمقراطية الأوروبية، إلا أنّ تقارير أمنية مثل التي صدرت عن European Eye on Radicalization تُحذّر من أنّ "الإخوان في أوروبا يحاولون توظيف لغة الحقوق لبناء خطاب مزدوج، يهادن الغرب علنًا، ويستقطب الجاليات الإسلامية في الخفاء، ممّا يعيد إلى الأذهان تكتيكات التمكين المرحلي."

بعد 2025 يبدو واضحاً أنّ جماعة الإخوان المسلمين فقدت مركزها السياسي، وخسرت حضورها القُطري في أهم دول المنطقة. لكنّها، رغم كل الضربات، ما تزال تحاول البقاء كفكرة أكثر من كونها تنظيمًا، ولعل أخطر ما في الأمر هو أنّ هذه الفكرة نفسها باتت دون جمهور حقيقي، وبلا أدوات فاعلة.

الخطاب السياسي: فقدان البوصلة

يُجمع عدد من المحللين على أنّ الجماعة فشلت في إنتاج خطاب جديد يراعي المتغيرات الإقليمية والعالمية. ووفق تحليل نشره موقع مؤسسة بروكينغز "فشل الإخوان في تجاوز مرحلة الصدمة، وجعلهم أسرى خطابات المظلومية والهروب من المحاسبة، بدلًا من تطوير مشروع إصلاحي يتجاوز ثنائية الضحية والجلاد." وهذا الجمود الخطابي أدى إلى انفضاض العديد من مؤيدي الجماعة التقليديين، وبروز اتجاهات شابة تطالب بمراجعة فكرية جذرية، وهو ما لم تستجب له القيادة بعد.

السيناريوهات المستقبلية: من التآكل إلى التكيّف؟

أمام جماعة الإخوان عدة سيناريوهات: الانكماش الذاتي والانقسام النهائي، أو التماهي الكامل مع منظمات المجتمع المدني في الغرب، أو الدخول في مرحلة "كمون استراتيجي" بانتظار فرصة أخرى في المستقبل.

وتخلص دراسة حديثة لمعهد هدسون إلى أنّ "الجماعة لا تملك اليوم أدوات العودة، لكنّها لم تنتهِ تمامًا؛ بل تحاول التحوّل إلى شبكة غير مركزية تتكئ على الرمزية التاريخية لا الفعل السياسي المباشر."

وفي هذا الإطار، فإنّ خيار "التنظيم الشبكي" يبدو الأقرب، حيث يتراجع العمل الحركي الجماعي لصالح مبادرات فردية أو محلية لا تعلن ارتباطها بالجماعة علنًا، لكنّها تدور في فلكها الإيديولوجي.

بعد 2025 يبدو واضحاً أنّ جماعة الإخوان المسلمين فقدت مركزها السياسي، وخسرت حضورها القُطري في أهم دول المنطقة. لكنّها، رغم كل الضربات، ما تزال تحاول البقاء كفكرة أكثر من كونها تنظيمًا، ولعل أخطر ما في الأمر، هو أنّ هذه الفكرة نفسها باتت دون جمهور حقيقي، وبلا أدوات فاعلة.

بعد 2025 يبدو واضحاً أنّ جماعة الإخوان المسلمين فقدت مركزها السياسي، وخسرت حضورها القُطري في أهم دول المنطقة

ومع غياب المراجعة الفكرية، وانغلاق الأفق السياسي، يبقى مصير الجماعة معلقًا بين التآكل البطيء والتكيف مع الهامش، لا العودة إلى الصدارة.

إرث ثقيل ومستقبل غامض

يواجه تنظيم الإخوان المسلمين اليوم أخطر مراحل وجوده منذ تأسيسه قبل قرابة قرن. إذ لم تعد الأزمة متعلقة بسقوط سياسي أو ملاحقات أمنية، بل بانهيار فعلي للبنية التي قامت عليها الجماعة، سواء من حيث وحدة القيادة أو وضوح المشروع. لقد أثبتت السنوات التي تلت 2013، ثم ما بعد 2020، أنّ التنظيم غير قادر على استيعاب التحولات العميقة في المجتمعات العربية، وأنّه لا يملك أدوات فعّالة للتجدد أو مراجعة الذات. والأخطر من ذلك أنّ حالة الجمود التي يعيشها لم تدفعه إلى المراجعة بقدر ما دفعته إلى التكلّس والانغلاق على سرديات المظلومية والانبعاث.

في المقابل، ما زال التنظيم يحتفظ ببعض أدوات البقاء، وأهمها شبكة العلاقات العابرة للحدود، والخبرة الطويلة في العمل السرّي، وقدرته على التكيف في البيئات الأوروبية تحت لافتات المجتمع المدني. غير أنّ هذه القدرات لم تعد كافية لإعادة بناء مشروع سياسي مؤثر، في ظل غياب الجمهور، وتراجع الجاذبية الفكرية التي ميزت الجماعة لعقود. كما أنّ تآكل ثقة الجيل الجديد في التنظيم، وارتباط الإخوان بذكريات الانقسام والفشل والفوضى في بعض الدول، يُعمّق الفجوة بين الماضي والمستقبل.

إنّ مصير الجماعة سيبقى مرهونًا بعدة متغيرات: موقف الدول التي تستضيف قياداتها، وطبيعة العلاقة بين الغرب والإسلام السياسي في العقود القادمة، ووجود تيارات إصلاحية حقيقية داخل التنظيم قادرة على إحداث قطيعة مع الأدبيات القديمة. لكن حتى الآن لا مؤشرات جدّية على بروز تلك القطيعة، لذلك فإنّ السيناريو الأرجح هو استمرار الجماعة كجسم مريض يحاول البقاء خارج مركز الفعل السياسي، دون أن يمتلك أدوات العودة أو يجرؤ على إعلان نهاية المشروع.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ ما تحتاجه المنطقة ليس فقط تقويض التنظيم سياسيًا، بل تفكيك البنية الفكرية التي يستند إليها، وفضح الازدواجية التي تحكم خطابه، والعمل على تعزيز المناعة الفكرية والمجتمعية في مواجهة كل خطاب شمولي يوظف الدين لتحقيق الهيمنة السياسية. فالمواجهة مع تنظيم مثل الإخوان ليست آنية، بل ممتدة، وتحتاج إلى أدوات أمنية وثقافية ومجتمعية متكاملة، حتى لا تتحول الجماعة إلى شبح يطل برأسه في كل لحظة ضعف تاريخي تمرّ بها الدول.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية