
نجحت جماعة الإخوان على مدار عقود في تكوين بنية اقتصادية موازية للدولة، عملت من خلالها على التمدد بين الطبقات الأكثر احتياجاً، في ظل تراجع دور الدولة، حيث نجح الإخوان في النفاذ عبر هذه الثغرة الناجمة عن الأعباء الاقتصادية، لتظهر الجماعة ككيان اقتصادي يملك أفراده أموالاً طائلة.
كان النشاط الاستثماري للجماعة يمر عبر عدة أوعية اجتماعية وخدمية، حيث ضخ التنظيم أمواله في الداخل في عدة مجالات حيوية أبرزها:
أنشطة الرعاية الاجتماعية المباشرة
اختصت الجماعة الفئات الاجتماعية من الفقراء والمحتاجين، في مناطق الهامش في صعيد مصر وقرى الدلتا والعشوائيات، حيث تحرك التنظيم داخل مصر من خلال عدد من آليات العمل التي يختلط فيها الهدف السياسي بالخدمة الاجتماعية.
وكانت المستوصفات والعيادات الطبية منخفضة التكاليف، والتي يشرف عليها أطباء من كوادر التنظيم وأعضائه، هي أبرز المجالات الخدمية التي نشط فيها الإخوان، سواء الملحق منها بالمساجد والجمعيات الأهلية أو المستقلة عنها، وعبر خدمة الرعاية الطبية جرى تقديم المنح والمساعدات إلى فئات فقيرة، حاولت الجماعة ربطها بأنشطة التنظيم السياسية، خصوصاً في الانتخابات التي يجيد إدارتها تنظيم الإخوان وكوادره منذ أعوام طويلة، بحسب تقرير موثق لـ (العربية نت).
الجمعيات الأهلية والخيرية
انقسمت إلى نوعين؛ منها التابعة للجماعة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة، والتي يزيد عددها على (1200) جمعية أهلية، ثم المساجد غير الملحقة بالجمعيات الأهلية، ويسيطر عليها أعضاء وكوادر التنظيم، وتتولى هذه المساجد تقديم منح مالية أو عينية شهرية، أو في المناسبات الدينية، واستفاد منها الكثير من الأسر الفقيرة. وكانت الجماعة، بحسب الوثائق التي كشف عنها بعد 30 حزيران (يونيو) 2013، تخصص رواتب شهرية ومخصصات كاملة لقياداته وكوادره الكبيرة، وعدد هؤلاء وصل إلى (5) آلاف، وكان يحصل كل منهم على مرتبات شهرية تتراوح بين (6) آلاف جنيه، حتى (25) ألف جنيه.
وهناك مجال اقتصادي آخر برزت ونجحت فيه جماعة الإخوان، وهو إنشاء شبكة واسعة من المطابع الخاصة، والمقدر عددها بأكثر من (350) مطبعة، ومئات دور النشر ذات الصلات الوثيقة بجماعة الإخوان، واتجاهها الفكري، ووفقاً لبعض الدراسات فقد بلغ عدد هذه الدور في منتصف التسعينات أكثر من (500) دار متعددة المستويات، من بين أكثر من (1900) دار للنشر موجودة في مصر في ذلك الوقت، بحسب ما ورد في وثائق تقرير (العربية نت) المشار إليه.
كما حدث غزو جماعة الإخوان لقطاع تكنولوجيا الاتصالات عن بُعد، من خلال أجهزة الحاسبات الإلكترونية، واتساع استخدام شبكات الإنترنت، وزيادة أعداد المستخدمين لشبكات التواصل الاجتماعي مثل (فيسبوك) و(تويتر) وغيرهما، وتفرغ أعداد كبيرة من شباب وفتيات التنظيم لإدارة معاركه فيما عُرف بالكتائب الإلكترونية للإخوان.
وكانت عمليات الاستثمار الخاصة بأموال الجماعة تتم تحت إشراف عدد محدود من قيادات التنظيم، بعضها معلن مثل: خيرت الشاطر وحسن مالك وعبد الرحمن سعودي وأسامة فريد، والبعض الآخر غير معروف للعامة أو الأجهزة الأمنية في مصر، وفقاً للتقرير الموثق المذكور آنفاً.
ضربة قاصمة لبنية التنظيم
بعد 30 حزيران (يونيو) 2013 صادرت الحكومة المصرية نحو (300) مليار جنيه من أموال الإخوان، وشملت عقارات ومشروعات ومدارس وشركات، ومحلات صرافة، وأموال سائلة ومنقولات. فصّلها تقرير موثق للشبكة العربية للأنباء كما يلي:
صادرت لجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية في مصر، برئاسة المستشار محمد ياسر أبو الفتوح، جميع أموال الممتلكات التابعة للأشخاص والجمعيات والشركات المتهمة بتمويل جماعة الإخوان المسلمين، وأعلنت السلطات المصرية مصادرة أموال (1589) شخصاً بينهم الرئيس الراحل محمد مرسي، وأسرته، و(1133) جمعية أهلية، و(118) من الشركات والمستشفيات والمواقع الإخبارية.
وقالت لجنة التحفظ والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية بمصر (لجنة قضائية)، في بيان نقلته وسائل إعلام محلية بينها (الأهرام) المملوكة للدولة: إنّها قامت بـ "التحفظ على (1589) عنصراً من العناصر المنتمية والداعمة لتنظيم الإخوان، و(118) شركة متنوعة النشاط، و(1133) جمعية أهلية، و(104) مدارس، و(69) مستشفى، و(33) موقعاً إلكترونياً وقناة فضائية". وقررت اللجنة "إضافة جميع الأموال المتحفظ عليها إلى الخزانة العامة"، وفق المصدر ذاته.
ومن أبرز الأسماء التي شملها بيان اللجنة، الرئيس الراحل مرسي وأسرته، والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر، ورئيس اتحاد علماء المسلمين يوسف القرضاوي، وقيادات أخرى بينها محمد البلتاجي، ومحمد سعد الكتاتني وغيرهما.
وقد شددت الجماعة على أنّ "لجنة حصر أموال الإخوان غير مختصة ولا تعترف بها، ولم تثبت فساد أحد من الإخوان أو نهبهم لأموال أحد".
وعملت الحكومة بالتعاون مع البرلمان في مصر على وضع تشريعات صارمة، تضمنت استمرار وضع يدها على أموال جماعة الإخوان وأعضائها المتحفظ عليها، منذ مطلع العام 2014 والمنتشرة في أشكال أوعية اقتصادية عديدة، تضخ في مؤسسات خدمية كالمدارس والمستشفيات والمحلات التجارية والعقارات والأراضي الزراعية والصحراوية والشركات الاستثمارية والمواقع الإلكترونية، مع السماح لها باستثمار تلك الأموال بالتصرف فيها بالتأجير أو البيع لحساب الخزانة العامة للدولة، إثر تنبه الحكومة إلى أنّها لا تحقق الأرباح المرجوة من التحفظ على أموال بهذا الحجم.