الميليشيات الحوثية وجماعة الإخوان في اليمن... تحالف مشبوه لتقويض الجمهورية

الميليشيات الحوثية وجماعة الإخوان في اليمن... تحالف مشبوه لتقويض الجمهورية

الميليشيات الحوثية وجماعة الإخوان في اليمن... تحالف مشبوه لتقويض الجمهورية


02/07/2025

ليس ثمّة شك في أنّ التحالف الخفي والمعلن بين حزب (الإصلاح) "الذراع السياسية لجماعة الإخوان في اليمن" وميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، رغم ما يبدو ظاهرياً من تناقضات بينهما، لا سيّما على المستوى الإيديولوجي والعقائدي، بات يكشف عن معضلات عديدة، وأعباء مختلفة تحت وطأة جرائم وانتهاكات يتورط الطرفان فيها، نتيجة سياسة النهب والتوقيف والإخفاء قسراً، فضلاً عن الإتاوات، وغيرها من الخروقات في المناطق الواقعة تحت نفوذهم. والثابت في العلاقة المشبوهة بين الطرفين يتمثل في إدارة النفوذ والثروات.

يفاقم هذا الوضع المشهد الإنساني في اليمن، ويصل به إلى الحدود القصوى، لا سيّما في ظل الانسداد السياسي والتأزم الشديد على عدة مستويات. فليست العداوة التاريخية، ولا التناقضات الإيديولوجية العقائدية، سوى مجرد ستار ضبابي يخفي تقارباً براغماتياً وانتهازياً، على أساس المصالح المشتركة، ومنها مرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، أثناء الانتفاضات في ما عُرف بـ "الربيع العربي". وفي عام 2014 تم توقيع اتفاق سلام وشراكة إثر الاجتياح الحوثي لصنعاء. 

ويمكن القول إنّ السياسة بين الطرفين تتبنّى فكرة اللعب على الحبال، وتبادل المصالح المؤقتة، حيث لا  تنقطع خيوط التواصل الخفية، حتى في لحظات الصراع والتنافس أو النزاع المحتدم على الموارد المنهوبة، وتقاسم الثروات. هذه الازدواجية الفجة والمريرة تكشف عن عقلية انتهازية تضع السلطة في قمة أولويتها، ومجرد آلية لتراكم الثروة. 

تخادم سياسي

مؤخراً، عبر التصريح اللافت للنائب السابق لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، الشيخ هاني بن بريك، الذي شن فيه هجوماً عنيفاً على الذراع السياسية للإخوان باليمن باليمن، عن الدور التخادمي بين الإخوان والحوثي، اتهم حزب (الإصلاح) "الإخوان" بتغذية الإرهاب وتمكين الحوثيين.

"الإخوان هم الجذر لكل تنظيم إرهابي عرفته الساحة اليمنية، وهم من أنجب القاعدة وداعش، بحسب تصريحات هاني بن بريك."

وكتب في تدوينة عبر منصة (إكس): "سينتهي الإرهاب وسينتهي خطر الحوثيين عندما ننتهي من الإخوان"، في إشارة مباشرة إلى أنّ مواصلة الإخوان نفوذهم داخل معسكر الشرعية يتسبب حتماً في إطالة أمد الصراع، بينما يمنح الجماعات المتطرفة فرصة للتغلغل والبقاء، بحسب ما ألمحت صحيفة (الأيام) اليمنية. وقال هاني بن بريك: إنّ "الإخوان هم الجذر لكل تنظيم إرهابي عرفته الساحة اليمنية، وهم من أنجب (القاعدة وداعش)"، مشيراً إلى أنّ دعمهم للجماعات المسلحة، سواء بشكل مباشر أو من خلال التواطؤ، هو ما جعل الحوثي يتمكن من فرض سيطرته على الشمال طوال هذه الأعوام.

كما حذّر من محاولات التجميل السياسي التي تسعى لتقديم الإخوان كجزء من النسيج الوطني، موضحاً أن ّ"أيّ سياسي يداهن الإخوان أو يشرعن وجودهم إنّما يخون الوطن ويبحث عن مكاسب شخصية، فهؤلاء لا يؤمنون بفكرة الدولة، ولا يعرفون للوطن معنى". تصريحات هاني بن بريك تتزامن مع حالة الجدل بشأن الدور الغامض والمشبوه الذي يؤديه الإخوان في اليمن، لا سيّما مع تنامي الحوادث الإرهابية، وانبعاث الانقسامات داخل معسكر الحكومة الشرعية، ممّا يثير تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الإخوان والتنظيمات المتطرفة، وموقفهم الحقيقي من الدولة اليمنية.

تخادم الميليشيات الحوثية مع جماعة الإخوان في اليمن يتسبب في تقويض الجمهورية، وفق المفكر اليمني الدكتور قاسم المحبشي، ويقول لـ (حفريات): "تُعدّ العلاقة بين الميليشيات الحوثية وجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، ممثلة بحزب التجمع اليمني للإصلاح، واحدة من أكثر التحالفات تعقيدًا وإثارة للجدل في المشهد السياسي اليمني. فهما ينتميان إلى الإيديولوجيا الدينية نفسها، ويدّعيان تمثليهما للإسلام؛ أحدهما يدّعي تمثيله لعلي وفاطمة (شيعة)، والآخر يدّعي تمثيله لمعاوية وعائشة (سنّة)، فضلاً عن كون مؤسّسي وقادة الميليشيات الحوثية وجماعة الإخوان ينتمون إلى الجهة الجغرافية والمناطقية نفسها، والعصبية القبلية في حاشد وبكيل (الهضبة الزيدية) في شمال اليمن، إذ إنّ الميليشيات الحوثية من صعدة معقل الزيدية التقليدية منذ مجيء الإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي إلى صعدة". 

ويردف: "الحوثيون هم أحفاد الهادي الرسي، وكذلك هم قيادات حزب (الإصلاح) الإخواني اليمني ومؤسسوه ينتمون إلى حاشد وبكيل قبائل الزيدية التقليدية، ومنهم عبد الله بن حسين الأحمر، رئيس حزب (الإصلاح) وأولاده، وعبد المجيد الزنداني الزعيم الروحي للإخوان في اليمن من قبيلة أرحب البكيلة الزيدية. وهم يستخدمون الدين الإسلامي لأغراض سياسية والاستيلاء على السلطة، فهدفهم مشترك ضد الثورة والجمهورية والدولة اليمنية الحديثة، وهذا هو ما أعلنه أحد شيوخ (الإصلاح) بعد سقوط الجمهورية في صنعاء بأيدي الميليشيات الحوثية في 21 أيلول (سبتمبر) 2015". 

فقد أعلن الشيخ الإخواني عبد الله العديني أنّ هدف جماعة إخوان اليمن منذ تأسيسها كان بناء دولة إسلامية وليس ثورة وجمهورية علمانية شيطانية، وقد أفتى الزنداني بضرورة دفع الجزية للإمام الحوثي الجديد. وهكذا على الرغم من الاختلافات الظاهرة بينهما، إلا أنّ مصالح مشتركة دفعت بهما نحو التخادم والتعاون الاستراتيجي حتى تمكنهما من تدمير الثورة والجمهورية اليمنية، بحسب المحبشي. وعلى الرغم من أنّ الحوثيين والإخوان خاضوا صراعات مسلحة فيما بينهم في الماضي، خاصة في محافظة صعدة وعمران، إلا أنّ العام 2014 شهد تحولاً لافتاً في هذه العلاقة، فقد وجدت الجماعتان نفسيهما في خندق واحد ضد الجمهورية اليمنية ونظام علي عبد الله صالح، واشتركا في ما يُسمّى بـ "ثورة التغيير" في صنعاء عام 2011 في المليونيات والدعوة إلى إسقاط النظام. كما سهّل الإخوان تمدد الحوثيين في الشمال ومنحهم فرصة السيطرة على العاصمة صنعاء في بضعة أيام وبأقلّ الخسائر الممكنة. 

أجندات فوق بقايا وطن

كان الهدف المشترك لكلا الطرفين هو إضعاف مؤسسات الدولة الجمهورية وتقويضها، فالحوثيون يسعون لاستعادة مجد أجدادهم في حكم اليمن، والإخوان يسعون للسيطرة على السلطة السياسية باسم المؤسسة الدينية التقليدية، وكلاهما يخدم أجندة إسقاط الجمهورية الحديثة. ولم يقتصر تخادم الميليشيات الحوثية والإخوانية على الداخل اليمني، بل شهدناه فيما بينهم خارج الحدود اليمنية. 

"ليست العداوة التاريخية، ولا التناقضات الإيديولوجية العقائدية، سوى مجرد ستار ضبابي يخفي تقارباً براغماتياً وانتهازياً، على أساس المصالح المشتركة."

ويشير المفكر اليمني الدكتور قاسم المحبشي إلى أنّه في أزمة غزة والبحر الأحمر وتهديد طرق الملاحة الدولية، وظّف عناصر حزب (الإصلاح) الذين فرّوا إلى تركيا، وعددهم أكثر من (60) ألف إخواني، وظفوا أكثر من (75) منصة في (يوتيوب)، و(5) بودكاست، و(10) قاعات أعراس، وعشرات المطاعم والفنادق ومراكز الاستشارات لصالح الميليشيات الحوثية، وهذا ما أكده القيادي البارز بحزب (الإصلاح) اليمني "إخوان اليمن" الشيخ محمد عبد المجيد الزنداني الذي قال بالحرف الواحد في لقاء أجرته معه قناة (بودكاست عربي بوست): "رغم اختلافنا مع الحوثيين إلا أننا معهم في معركتهم مع إسرائيل وأمريكا في البحر الأحمر وباب المندب، المعركة هي معركة اليمنيين جميعاً"، مرجحاً أنّه لا يوجد يمني لم يفرح لما يحدث لإسرائيل في باب المندب وفي البحر الأحمر، وإن كان يختلف سياسياً مع الحوثي أو كان يرى أنّ الحوثي يجيرها سياسياً لصالحه لسبب أو لآخر. ولفت إلى أنّ الكثير من أبناء الشعب اليمني متعاطفون مع القضية الفلسطينية ومع ما يقوم به الحوثي في إطار مساندته للشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أنّ هناك من أعلن تعاطفه رسمياً، وهناك من تعاطف معه بشكل سرّي، خوفاً من انقلاب الحكومة التي وصفها بـ "الشرعية" عليهم، أو خوفهم من الوقوع في المشاكل.

ويظل التخادم بين الميليشيات الحوثية وجماعة الإخوان في اليمن ملفاً معقداً يتطلب فهماً عميقاً لديناميكياته. إنّه يعكس واقعاً مريراً لمصالح متقاطعة تغلبت على الاختلافات الإيديولوجية، لتزيد من تعقيدات الأزمة اليمنية وتعمّق من معاناة شعبها. إنّ فهم هذه التحالفات السرّية والعلنية خطوة أساسية نحو بناء حلول مستدامة تعيد إلى اليمن استقراره ومؤسساته.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية