إيران الحضارة والجغرافيا في مواجهة إيران الملالي... لمن ينتصر التاريخ؟

إيران الحضارة والجغرافيا في مواجهة إيران الملالي... لمن ينتصر التاريخ؟

إيران الحضارة والجغرافيا في مواجهة إيران الملالي... لمن ينتصر التاريخ؟


30/06/2025

بعد (12) يومًا من المواجهات بين إيران وإسرائيل فرضت الولايات المتحدة كلمتها الأخيرة وأعلنت وقف إطلاق النار، بعد أن سبقتها بضرب المفاعلات النووية الثلاثة: (فوردوـ نطنزـ أصفهان)، وردّت إيران على هذه الضربات بقصف قاعدة "العديد" الأمريكية في الأراضي القطرية، ضربة خرج ترامب بعدها ليصفها بالـ "ضعيفة" و"المتفق عليها"، ويشكر إيران على التنبيه المُسبق قبلها؛ وهكذا بدأ وقف إطلاق النار. 

استطاعت إسرائيل أن تؤذي بشدة البنية العسكرية الإيرانية، ووجهت ضربات موجعة للمشروع النووي الإيراني، وأثبتت إسرائيل أداءً خرافيًا لسلاح الجو إلى جانب أداء معجز ودرامي لجهاز استخباراتها، وعرض مسرحي محترف في المسكنة والمظلوميّة أمام العالم، وإظهار نفسها كما هي دائمًا؛ الدولة التي تحمي العالم من إرهاب هذه البقعة التي تمثل خطرًا عليه، وتتولى إسرائيل نيابة عن الإنسانية القيام بـ "الأعمال القذرة" لتحمي وجه الحضارة والقيم والمبادئ.

قطع الأذرع الإيرانية

نظرت إيران فوجدت نفسها وحيدة، بعد أن شلت إسرائيل أذرعتها العسكرية في العالم العربي، ومحيط شعبي عربي يؤيدها ويهلل لها مع كل صاروخ تنزله على الكيان المحتل، ويحزن لكل ضربة لأراضيها، هذا المحيط الشعبي نفسه الذي رفض تدخلاتها العسكرية في أراضيه والزج بأوطانه وأبنائه في حروبها، هو المحيط نفسه الذي نبذ الخلافات العقدية وقت الجد، وتناسى كلّ ما كان.  

"إيران واجهت إسرائيل فقط عندما دُمّرت مفاعلاتها، لا من أجل غزة، بل من أجل النظام، والهدنة جاءت لإنقاذه لا لإنقاذ أحد."

وفي الوقت نفسه، ومع الأحداث المتسارعة، وصل كثيرٌ من العرب "المتأرينين" سنّ النضج، بعد أن رأوا أنّ النظام الإيراني الذي يبرز نفسه كمدافع عن القضية الفلسطينية وداعم للمقاومة، لم يتدخل لأجل الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة لما يقرب من عامين، وإنّما واجه إسرائيل فقط عندما أصابت الضربات أرضه، وهذا ما لم يفهمه كثير من العرب سابقًا.

 زعمت إيران أنّها تحارب من أجل فلسطين ودفاعها عن قضيتها والتغني بالقضية الأم، وتملقت الشارع العربي والمسلم الذي تهدمت روحه وعيل صبره أمام الشاشات المفتوحة على غزة، ولكنّها لم تستمر في الأخير وقبلت الهدنة، وتوقفت إنقاذًا للنظام من السقوط ولمقدّراتها من التدمير، حتى أنّها حين اتفقت في السرّ على مشهد الخروج الأخير، لم تربط وقف إطلاق النار مع إسرائيل بوقفه في غزة، بل فكرت في نفسها فقط.

أتمنى أن يكون هذا قد بلغ الجميع  

وعلى الجانب الآخر كان العرب لا صوت لهم ولا صدى، هؤلاء كانوا متفرجين، لا ثِقل هناك للعرب إطلاقًا، لا كلمة ولا اعتبار، إسرائيل تعربد في كل الأرض، وكان من الممكن جدًا ومن المرشح أيضًا أن ينهار وقف إطلاق النار الهش وتتحول الأراضي العربية إلى ساحة اقتتال.

مخرجات الحرب

من مخرجات هذه الحرب أننا عرفنا أنّ إسرائيل كيان قوي جدًا، وأنّ أمريكا نموذج جبار للقوة، ومن يقول غير ذلك كاذب ويعيش في الأوهام، وأنّ هذين النموذجين من القوة والجبروت لا يخضعهما غير القوة والعلم. 

إسرائيل اغتالت العلماء ولم تغتل رجال الدين، بغضّ النظر عن تهديدها بقتل خامنئي، فالرجل حاكم دولة وليس برجل دين تقليدي، ما يزعج إسرائيل هو العلم. وأمريكا حين وجهت ضرباتها وجهتها للبرنامج النووي الإيراني، تاج التحدي والسعي والمعرفة الإيرانية. وما جعل إسرائيل تهتز من الداخل هو ترسانة الصواريخ التي عملت إيران على تطويرها، فلا يوجد شيء يردع الشرّ الإسرائيلي غير القوة والعلم.

"الديكتاتورية والفقر لا يسقطان فقط الدول، بل يسقطان جدرانها أمام الموساد، ويحوّلان أبناءها إلى أدوات في يد عدوها الأول."

ما أضعف إيران ليس عزلتها ولا العقوبات المفروضة وحدهما، بل الحكم الديكتاتوري والفقر الذي جعل الكثير من أبناء البلد يبيعون بلادهم بأثمان بخسة، ولتتفاجأ البلد، في عزّ حاجتها لأبنائها، بأنّ الموساد استخدمهم، فالديكتاتورية والفقر، وما ترتب عليهما من تغلغل الموساد في أعماق الدولة، كان أحد أسباب الأداء المتوسط لإيران وفجيعة صفعة الضربة الأولى.

لقد حرص كلا الطرفين على أداء هادئ، فإيران كان بوسعها أن تدمر أكثر وبالطبع إسرائيل، لكنّ الحرب أديرت بعدة اعتبارات؛ أوّلها أنّ كلا الطرفين لم يريدا تحويلها إلى حرب شاملة، فإيران ستفقد مع حرب كهذه النظام ذاته، وإسرائيل ستخسر اقتصاديًا، وسيترتب على ذلك اندلاع حريق في منطقة يحتاج الغرب أن يحافظ على موازين القوى فيها، بما يجعل هناك طريقًا آمنًا لتمرير ثروات الشرق الأوسط.

هل هذه هي النهاية؟

لا أعتقد، فإسرائيل يعنيها أيضًا النظام ذاته، العقلية التي تهدد وجودها وتمدّ أعداءها (حزب الله اللبناني، والحوثيين، وحماس) بالدعم والسلاح، ولن تستطيع أن تقضي على مخاطر هؤلاء دون تجفيف المنبع، وهذا لن يكون إلا بإسقاط نظام الملالي، فبوجود هذا النظام، إن ظل على ثوابته، سيعيد ترميم البرنامج النووي وخاصة مع تسريبات إذاعة C.N.N عن وكالة الاستخبارات الأمريكية التي تفيد بأنّ الضربات لم تقضِ تمامًا على البرنامج النووي الإيراني وتأكيد عدة صفحات إسرائيلية على ذلك أيضًا؛ وعليه سيظل الخطر قائمًا، وأظنّ أنّ إسرائيل لن تسمح بهذا وستسعى لإسقاط النظام، وأعتقد أنّها ستوجه له ضربات واسعة مستقبلًا متى تمكنت من ذلك، وستفاوضه على بقائه كنظام مقابل اجتثاث جذوره في المنطقة وتسليم اليورانيوم المخصب الذي هرّبه وقت الضربات وإيقاف طموحه النووي إلى الأبد.

"إسرائيل لم تغتل رجال الدين، بل العلماء؛ لأنّ ما يهددها فعلاً ليس العمامة، بل المعرفة. وما يردعها ليس الغضب، بل العلم والقوة."

الشاهد أيضًا في هذه الحرب أنّ الصراع بين السنّة والشيعة في غالب الأراضي الإسلامية طارئ تاريخي، وأنّ العرب والمسلمين السنّة يعتبرون إيران جزءًا من الجغرافيا الإسلامية، أيّ مساس بها هو مساس بالمسلمين جميعًا، هذه النظرة تكفل لنا كثيرًا من الأمل للبحث عمّا يجمعنا ولا يفرقنا، وبالنظر إلى إيران كدولة مسلمة فالاعتداء عليها هو اعتداء على حاضرة إسلامية خرج منها عشرات العلماء المسلمين، الذين مثلوا دررًا في تاج الحضارة الإسلامية أوان عزها؛ الإمام الغزالي وعمر الخيام والسهروردي وابن سينا والفارابي وغيرهم الكثير... هذه إيران التاريخ والجغرافيا والروابط العميقة، بغضّ النظر عن إيران النظام، وما ارتكبه من حماقات على الأرض العربية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية