ربيع الانشقاقات: كيف أسقطت الانتهازية الإخوانية أحزاب الإسلام السياسي في المغرب العربي؟

ربيع الانشقاقات: كيف أسقطت الانتهازية الإخوانية أحزاب الإسلام السياسي في المغرب العربي؟

ربيع الانشقاقات: كيف أسقطت الانتهازية الإخوانية أحزاب الإسلام السياسي في المغرب العربي؟


30/06/2025

على مدى العقد الماضي، روّجت الأحزاب الإخوانية في دول المغرب العربي لنفسها باعتبارها "البديل الأخلاقي" عن النخب التقليدية. لكن سرعان ما تكشّف زيف مشروعها في نظر الرأي العام بعد سنوات قليلة من الشعارات الجوفاء والتحالفات الانتهازية والتمويل الغامض، وبدلًا من إحداث تحول ديمقراطي حقيقي، كرّست هذه الأحزاب منطق الهيمنة والتلاعب بالمؤسسات والدولة.

اليوم، يواجه الإسلام السياسي في تونس والمغرب والجزائر مأزقًا وجوديًا. فالانقسامات الداخلية، والفضائح السياسية والمالية، وسقوط الأقنعة عن "النموذج الأخلاقي"، دفعت شعبيتها إلى الانهيار. ولم تعد ادعاءات "الاعتدال" قادرة على إنقاذها من رفض الشارع وسخطه.

إخوان تونس يحولون خطاب المظلومية إلى عباءة للتسلّط

في تونس، صنعت حركة النهضة أسطورة "الضحية التاريخية" لتبرير تغلغلها في مؤسسات الدولة بعد 2011، لكنها لم تلبث أن أظهرت وجهًا سلطويًا انتهازيًا، إذ دخلت في تحالفات هجينة وراوغت في استحقاقات العدالة الانتقالية.

وعلى مدى عقد كامل، عجزت النهضة عن تقديم نموذج حكم كفء أو إصلاحي، فقد أشار الباحث طارق الكحلاوي في دراسة لـCarnegie Middle East Center، إلى أن الحركة "جمعت بين العجز والهيمنة، فدمّرت الاقتصاد وتلاعبت بالمؤسسات تحت غطاء التوافق."

الانقسامات الداخلية والفضائح السياسية والمالية دفعت شعبيتها إلى الانهيار ولم تعد ادعاءات "الاعتدال" قادرة على إنقاذها من رفض الشارع

كما مثلت الاتهامات بالفساد وتمويل الإرهاب بمثابة الضربة القاضية لصورتها. ففي 2024، اعتُقل العجمي الوريمي ضمن قضايا دعم جمعيات مشبوهة، كما وُضعت 80 جمعية موالية تحت الرقابة المالية.

هذه الحقائق كشفت، بحسب France24، أن "الخطاب الدعوي لم يكن سوى واجهة لاستغلال موارد الدولة وترسيخ الولاءات". ومع الإجراءات الاستثنائية التي شلّت نفوذها، تراجعت الحركة إلى حالة كمون إجباري، فيما تتسع دائرة رفضها شعبيًا.

ولم يقتصر إخفاق النهضة على المجالين الاقتصادي والسياسي، بل امتد إلى فشلها في بناء مؤسسات حزبية حديثة قادرة على النقد الذاتي. فخلال الأزمات، فضلت قيادتها الترويج لنظرية المؤامرة الخارجية بدلاً من الاعتراف بالتقصير. هذا الهروب المستمر من المسؤولية عمّق حالة القطيعة مع فئات واسعة من المجتمع المدني، بما في ذلك نخب شبابية كانت ترى فيها يوماً مشروعًا للإصلاح.

كما ساهمت سياسات التغلغل داخل مفاصل الدولة، لا سيما في وزارات التعليم والعدل والشؤون الدينية، في إثارة قلق شرائح كبيرة من التونسيين، الذين رأوا في النهضة تنظيماً يسعى إلى أسلمة الدولة والمجتمع بصيغة ملتوية. ووفق تقرير International Crisis Group، أفضت هذه الاستراتيجية إلى تآكل الثقة الشعبية وارتفاع منسوب الرفض، ما جعل عزل الحركة سياسيًا أقل كلفة للسلطة من أي وقت مضى.

العدالة والتنمية في المغرب: سقوط "الاستثناء" وانكشاف الشعبوية

وفي المغرب، استفاد حزب العدالة والتنمية من موجة الاحتجاجات ليصعد إلى الحكم، مقدّمًا نفسه كحزب نظيف اليدين. لكنه ما إن تمكّن من المناصب حتى تخلى عن وعوده وتبنّى سياسات أرهقت المواطنين.

تحرير أسعار الوقود، وإضعاف برامج الدعم، وغضّ الطرف عن الفساد داخل الجهاز الإداري، كلها عوامل عجّلت بانكشاف خطابه الشعبوي، إذ يرى المحلل عبد الرحيم منار اسليمي، في Le360، أن الحزب "حوّل شعاراته الأخلاقية إلى أدوات لتبرير فشله".

ساهمت سياسات التغلغل داخل مفاصل الدولة لا سيما في وزارات التعليم والعدل والشؤون الدينية في إثارة قلق شرائح كبيرة من التونسيين

ولم تكن الهزيمة الانتخابية المهينة عام 2021، حين فقد الحزب نحو 90% من مقاعده، مجرد تعثر بل سقوط مشروع كامل، فقد وأكدت تقارير Jeune Afrique أن ما حدث يعبّر عن رفض شعبي جارف لنموذج استغل الخطاب الديني للتموقع في السلطة ثم تماهى مع نخبة المصالح.

اليوم، ورغم محاولات الترميم، لم يعد الحزب قادرًا على إقناع الناس بأنه البديل النزيه. فصورته كحركة إصلاحية انهارت تحت وطأة سياسات لا تختلف عن خصومه الذين طالما شتمهم.

إلى جانب الانتقادات الاقتصادية، لم يسلم الحزب من اتهامات بابتعاد كوادره عن قواعدهم الاجتماعية. فبعد سنوات من الوعود بمحاربة الفساد وتكريس العدالة الاجتماعية، وجد المواطنون أنفسهم أمام نخب حزبية تستفيد من الامتيازات وتعيد إنتاج نماذج الزبونية ذاتها التي لطالما أدانتها. هذا التناقض الفج بين الخطاب والممارسة ساهم في ترسيخ صورة الحزب ككيان يركب الموجة لا غير.

وتشير دراسة صادرة عن مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية بالمغرب إلى أن العدالة والتنمية فشل أيضًا في تطوير خطابه السياسي ليتماشى مع تطلعات الشباب الحضري الذي بات يعتبره مجرد حزب إداري فقد قدرته على التعبئة. ومع تمدد الفجوة بين القيادة والقاعدة، أصبح الحزب يفتقر للشرعية التي بنى عليها رصيده في العقدين الماضيين.

مجتمع السلم في الجزائر: التناقض والشلل التنظيمي

أما في الجزائر، لم يختلف المشهد كثيرًا، حيث حافظت حركة مجتمع السلم (حمس) لعقود على خطاب مزدوج: تارة تنتقد النظام، وتارة تنصاع له بحثًا عن مكاسب.

ومنذ رحيل مؤسسها محفوظ نحناح، غرقت الحركة في صراعات أجنحة بين عبد الرزاق مقري وعبد العالي حساني شريف. وبحسب Le Monde Afrique، فإن هذه الانقسامات مزقت الحركة وحرمتها من القدرة على صياغة مشروع سياسي متماسك.

عانت الحركة من محدودية رؤيتها الاقتصادية والاجتماعية، إذ لم تتمكن من تقديم برامج بديلة تقنع المواطن الجزائري

 

وحين قررت خوض الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لم يتجاوز مرشحها 3% من الأصوات، في مؤشر صارخ على تراجع شعبيتها. ويرى مراقبون أن قواعدها التاريخية لم تعد تؤمن بخطابها التوفيقي الممل، ولا برغبتها المزمنة في اقتسام الغنائم.

اليوم، يقتصر نفوذ حمس على حضور إعلامي ووجاهة شكلية، مشروعها السياسي، الذي ادعى “الإصلاح من الداخل”، أثبت فشله في استقطاب الشباب وتقديم بدائل حقيقية.

ويُجمع مراقبون على أن الحركة أخفقت في حسم خياراتها التاريخية بين المعارضة الفعلية والمشاركة الشكلية، فبينما حاولت تمييز نفسها عن التيارات الأكثر تشددًا، ظلت في الوقت نفسه أسيرة اعتبارات المصالح والتقرب من السلطة. ووفق تقرير El Watan الجزائري، هذا التردد حرمها من بناء رصيد نضالي متماسك يتيح لها منافسة القوى العلمانية والقومية.

كما عانت الحركة من محدودية رؤيتها الاقتصادية والاجتماعية، إذ لم تتمكن من تقديم برامج بديلة تقنع المواطن الجزائري، لا سيما في قضايا البطالة والتنمية المحلية. 

وقد أدى ذلك إلى تراجع الحماس الشعبي تجاهها، ما انعكس في ضعف نتائجها الانتخابية وانكماش حضورها في الشارع.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية