لماذا تصر إسرائيل على إبعاد الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم خارج قطاع غزة؟

لماذا تصر إسرائيل على إبعاد الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم خارج قطاع غزة؟

لماذا تصر إسرائيل على إبعاد الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم خارج قطاع غزة؟


30/06/2025

يعيش الأسير المحرر إسماعيل الردايدة (45) عامًا، من بلدة العبيدية قرب بيت لحم في الضفة الغربية، فرحة منقوصة بعد أن قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ترحيله إلى قطاع غزة بشكل مؤقت، على أن يتم تحديد وجهته القادمة خارجها، عقب الإفراج عنه في 30 كانون الثاني (يناير) 2025.

وكان الردايدة قد اعتُقل في 19 حزيران (يونيو) 2001، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد مضافًا إليه (20) عامًا، وقد أمضى (24) عامًا في الأسر بسبب مقاومته للاحتلال.

وفي خطوة متوقعة، أعلنت إسرائيل أنّ بعض الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم ضمن صفقة تبادل الأسرى واتفاق وقف إطلاق النار، سيتم ترحيلهم خارج البلاد بحجة "تقليل المخاطر الأمنية". وقال نتنياهو: إنّ "القتلة" لن يُعادوا إلى الضفة الغربية، بل سيتم ترحيلهم إلى غزة أو إلى الخارج.

وفي 19 كانون الثاني (يناير) 2025 أفرج الاحتلال عن الدفعة الأولى من الأسرى ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وشملت الإفراج عن (90) أسيرةً وطفلًا،  (69) امرأة و(21) طفلًا.

ووفقًا لمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، يوجد حاليًا (10) آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، من بينهم (398) محكومًا بالسجن المؤبد، و(365) طفلًا، و(15) أسيرة، و(1932) معتقلًا من قطاع غزة. وبلغ عدد حالات الاعتقال منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 حوالي (14500) حالة.

تجربة صعبة وقاسية

يضيف الردايدة: "كانت تجربتي في الأسر صعبة وقاسية، وزادت صعوبتها وألمها بعد أن فقدت والديّ أثناء وجودي في المعتقل، ولم أتمكن من رؤيتهما لفترات طويلة بسبب الإجراءات القمعية للاحتلال التي جعلت الحياة أكثر قسوة على الأسرى وعائلاتهم".

أعلنت إسرائيل أنّ بعض الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم ضمن صفقة تبادل الأسرى واتفاق وقف إطلاق النار، سيتم ترحيلهم خارج البلاد بحجة "تقليل المخاطر الأمنية"

ويوضح: "النفي إلى غزة هو عقوبة إضافية لي، لأنني أُجبرت على ترك محيطي الاجتماعي والعائلي، ومع ذلك أشعر بالفخر لأنني نُفيت إلى غزة، فهي جزء من وطني فلسطين".

ويؤكد الردايدة: "السجن مجتمع صغير، والعلاقة بين الأسرى عادةً ما تكون قوية وقائمة على التضامن والدعم، حيث نتشارك الألم والصعوبات والصمود أمام الضغوط النفسية والجسدية".

تعذيب ممنهج

يقول الردايدة: "التعذيب في السجون الإسرائيلية ممارسة شائعة، سواء أثناء التحقيق أو داخل المعتقلات، وخلال فترة اعتقالي تعرضت للضرب والشبح والعزل الانفرادي والحرمان من النوم وضغوط نفسية أخرى مثل المنع من الزيارات".

ويضيف: "كانت الحرب على غزة مؤلمة جدًا بالنسبة إليّ؛ بسبب الجرائم المروعة التي ارتُكبت ضد النساء والأطفال والمدنيين العزّل"، وقد شعرت بالعجز عن مساندتهم، كما أنّ الأخبار الواردة كانت محدودة بسبب قيود الاحتلال على الأسرى، فمشاهدة التلفاز كانت ممنوعة غالبًا، والصحف لا تصل إلا نادرًا".

وعن رسالته للأسرى القابعين خلف القضبان، قال الردايدة: "السجن محطة مؤقتة، وإرادة الإنسان أقوى من الجدران، ويجب على الأسرى التمسك بالأمل والإيمان بقضيتهم، فهم رموز الصمود الفلسطيني".

النفي عقوبة مزدوجة

ولا يختلف الوضع بالنسبة إلى الأسير حمدي التعمري من بيت لحم، الذي نُفي إلى غزة بعد الإفراج عنه في 30 كانون الثاني (يناير) 2025، بعد قضائه (12) عامًا في الأسر.

وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت التعمري (32) عامًا في 28 كانون الأول (ديسمبر) 2013، وأصدرت محكمة عوفر العسكرية حكمًا بسجنه (18) عامًا ونصف عام.

"النفي إلى غزة كان عقوبة إضافية، لأنني أُجبرت على ترك محيطي العائلي، لكنني فخور، فهي جزء من وطني فلسطين."

يقول التعمري: "قرار نفيي القسري إلى غزة كان صدمة لي ولعائلتي التي كانت تنتظرني بشوق، وبات النفي عقوبة مزدوجة، وما زلت أعيش حالة من الترقب والقلق على مستقبلي بعيدًا عن عائلتي والأرض التي نشأت فيها".

التشبث بأمل العودة

ويضيف: "الإبعاد كان صعبًا جدًا عليّ من الناحية الشخصية والعائلية، فقد حرمني من العيش بين أهلي وأحبتي، وأصبحت علاقتي معهم تقتصر على المكالمات الهاتفية عندما تتوفر، ولم أعد أشاركهم لحظات الفرح أو الحزن، وكان هذا أكثر ما يؤلمني".

وخلال الأيام الأولى من الإبعاد شعر التعمري بالوحدة العميقة، وذلك حين وجد نفسه في بيئة جديدة تمامًا بعيدًا عن عائلته، لكنّه مع الوقت بدأ ببناء حياة جديدة مع رفاقه الأسرى رغم كل التحديات.

"السجن محطة مؤقتة، وإرادة الإنسان أقوى من الجدران. على الأسرى التمسك بالأمل، فهم رموز الصمود الفلسطيني في وجه الاحتلال."

ويؤكد التعمري: "ما زلت متمسكًا بأمل العودة إلى بيت لحم في المستقبل، ولن يضعف الإبعاد رغبتي في العودة، بل زادها قوة، فلا أحد يستطيع التخلي عن أرضه وشعبه بسهولة، حتى لو بدا الأمر صعبًا في البداية، لكنني أؤمن بأنّ الظروف قد تتغير يومًا ما، وأنّ الاحتلال لن يدوم إلى الأبد".

عقاب الأسير

فوجئ الأسير عيسى الدرابيع (54) عامًا من بلدة دورا جنوب الخليل بقرار ترحيله إلى غزة مؤقتًا ليعيش بعيدًا عن أسرته.

وكان الدرابيع قد اعتُقل في 14 كانون الأول (ديسمبر) 2001 بتهمة مقاومة الاحتلال، وصدر بحقه حكم بالسجن (200) عام، قضى منها (24) عامًا في المعتقل.

يقول الدرابيع: "قرار الترحيل لم يؤثر على حياتي الشخصية والعائلية رغم حرماني من رؤية أبنائي وأسرتي، لأنّ غزة جزء من وطني فلسطين، ومع ذلك، لم أفقد الأمل يومًا في العودة إلى بلدتي دورا في الضفة الغربية".

ويضيف: "هدف الاحتلال من ترحيلي هو معاقبتي والضغط النفسي عليّ كأسير محرر، في محاولة لإيجاد نوع من العزلة كي أعيش قلقًا دائمًا على مصير أطفالي وعائلتي، وفق اعتقادهم".

"الاحتلال يستخدم الترحيل كأداة عقاب جماعي لتفريغ الأرض من الكوادر الفاعلة، رغم أنّ هذه السياسة تُعدّ جريمة حرب وفق القانون الدولي."

ويؤكد الدرابيع: "أنّ الظروف داخل السجون صعبة للغاية وسيئة جدًا، خاصة بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، الكثير من الأسرى تعرضوا للتعذيب بأشكال متعددة، وبعضهم يعاني أمراضًا وحرمانًا من العلاج، وسوء الطعام، والبرد الشديد".

ويرى الدرابيع أنّ "الترحيل مؤلم، لكنّه ليس النهاية، والحرية الحقيقية هي الاستمرار في النضال من أجل العودة إلى أرضك مهما طال الزمن".

عقوبة جماعية

من جانبه، قال رئيس لجنة الأسرى والمحررين في غزة حسن قنيطة: إنّ "(24) أسيرًا من الضفة الغربية تم الإفراج عنهم حتى الآن وترحيلهم إلى قطاع غزة"، مشيرًا إلى أنّ "سياسة الترحيل نهج إسرائيلي متواصل منذ سنوات، وتهدف لمعاقبة الأسرى وتفريغ الأرض الفلسطينية من الكوادر الفاعلة والحدّ من نشاطهم السياسي والعسكري".

ويضيف: "الترحيل يسبب أيضًا ضغطًا نفسيًا كبيرًا على عائلات الأسرى المبعدين، ويوجه رسائل تهديد لباقي الأسرى، ومع ذلك، "أثبتت هذه العقوبة فشلها".

ويبين أنّ "سلطات الاحتلال تبرر عمليات الترحيل بأوامر عسكرية وأنظمة داخلية تتيح لها اتخاذ إجراءات بدعوى 'ضمان الأمن'، لكنّ هذه الممارسات تُعدّ انتهاكًا للقوانين والمواثيق الدولية التي يتجاهلها الاحتلال باستمرار".

"الترحيل لا يُنهي الحكاية، والحرية الحقيقية هي في مواصلة النضال من أجل العودة، حتى لو طال الزمان وتكاثف الظلام."

ويشرح: "تستخدم سلطات الاحتلال سياسة الترحيل كورقة مساومة في صفقات تبادل الأسرى، حيث يُفرج أحيانًا عن الأسرى الفلسطينيين بشرط نفيهم إلى غزة أو إلى دول أخرى ضمن الاتفاقيات، بهدف ضمان عدم عودتهم إلى العمل المقاوم في مناطق نشاطهم السابقة".

ويؤكد قنيطة أنّ "سياسة الترحيل جزء من استراتيجية العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين، وهي شكل من أشكال العقوبة الجماعية التي تفرضها سلطات الاحتلال على الشعب الفلسطيني".

ويرى أنّ "الترحيل جزء من صراع مستمر لن ينتهي إلا بزوال الاحتلال، لذلك على المجتمع الدولي أن يتحلى بالشجاعة لمحاكمة الاحتلال على جريمة الترحيل بحق الأسرى، فهي لا تقلّ خطورة عن جرائم القتل وسرقة الأراضي وإعدام الأسرى وحرمانهم من العلاج وغيرها من الممارسات القمعية".

جريمة حرب

من جهته، قال الخبير القانوني ورئيس اللجنة الشعبية لدعم حقوق الفلسطينيين (حشد) الدكتور صلاح عبد العاطي: "لا أساس قانونيًا لترحيل الأسرى الفلسطينيين، وهذه جريمة وفق القانون الإنساني الدولي، وخاصة اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة ونظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية الذي يعتبر ترحيل الأسرى جريمة حرب وفعلًا غير مشروع، وشكلًا من أشكال العقاب الجماعي المحظور دوليًا لأنّه يمنع التواصل بين المدنيين ويحظر نقل السكان خارج أراضيهم".

"غزة لم تكن منفى، بل كانت ساحة اختبارٍ للإرادة. فيها اكتشفت أنّ الوطن ليس مكانًا، بل فكرة نحملها في قلوبنا."

ويضيف عبد العاطي: "اتفاقية جنيف الرابعة تحظر النقل والترحيل القسري، سواء الفردي أو الجماعي، للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو أيّ دولة أخرى، وهو ما يتجاهله الاحتلال عمدًا".

ويوضح: "للإبعاد أثر خطير على الوضع القانوني للأسرى، إذ يهدف إلى فصل الأسير عن أسرته ومنع التواصل الإنساني بينهم، ويهدف الاحتلال بهذه الطريقة لمعاقبة الأسير وعائلته".

ويؤكد عبد العاطي أنّ "هناك إدانات دولية واسعة لهذه الجريمة من الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية والفلسطينية والإسرائيلية، فهي جريمة يستخدمها الاحتلال لمعاقبة الأسرى الفلسطينيين".

ملاحقة الاحتلال دوليًا

يشير عبد العاطي إلى أنّ "المقاومة الفلسطينية اضطرت أحيانًا لقبول هذه السياسة، رغم أنّها ترقى إلى جريمة حرب، نتيجة انعدام الخيارات خلال عملية التفاوض، واضطرارها أحيانًا لقبول هذا الخيار باعتباره أقلّ ضررًا من بقاء الأسير في السجن".

"لا يملك السجّان مفاتيح الروح، وإن أوصد الأبواب. الحرية تنبع من الإيمان بالحق، والحق لا يُسجن ولا يُنفى."

ويرى أنّ "هذه الجريمة تستوجب محاكمة الاحتلال أمام المحاكم الدولية سواء بمبدأ الولاية القضائية العالمية أو المحكمة الجنائية الدولية، وتقع على عاتق المؤسسات المحلية والدولية مسؤولية توثيق هذه الجريمة وملاحقتها قانونيًا لضمان محاسبة الاحتلال عليها".

ودعا الناشط الحقوقي الفلسطيني إلى "ضرورة تسجيل شهادات الأسرى المبعدين، وجمع الأدلة والوثائق التي تثبت مخالفة هذه الممارسات للقوانين الدولية، ومن ثم تقديم شكاوى ودعاوى قضائية ضد سلطات الاحتلال، والمطالبة بفرض العقوبات واتخاذ إجراءات دولية لوقف هذه الانتهاكات".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية