استعرض كاتب صحفي سوداني كيف عرقلت الحركة الإسلامية (جماعة الإخوان المسلمين في السودان) مسار الديمقراطية والتنمية في البلاد منذ عام 1956 إلى يومنا هذا.
وقال الكاتب الصحفي زهير عثمان حمد: إنّ السودان شهد منذ استقلاله في 1956 عدة تجارب ديمقراطية قصيرة، أجهضت جميعها عبر انقلابات عسكرية، كان آخرها انقلاب الحركة الإسلامية السودانية في 1989، الذي مثّل نقطة تحول في تاريخ السودان السياسي، وأثار تساؤلات عديدة حول التزام الحركة الإسلامية بمبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، فضلاً عن انتهاجها أساليب قمعية واقتصادية وسياسية أضرت بالسودان. وتخوض الجماعة حرباً جديدة من أجل العودة إلى السلطة، ممّا يفتح المجال لنقد شامل لتجربتها في الحكم وسلوكها السياسي.
وأضاف حمد، في مقالة نشرها موقع (سودانايل)، إنّه مع سقوط نظام الرئيس السابق جعفر نميري في 1985 اتفقت القوى السياسية على تجنب التدخل العسكري في الشأن السياسي من أجل تمهيد الطريق أمام نظام ديمقراطي يعيد الاستقرار للسودان. ولكنّ الحركة الإسلامية السودانية، بقيادة حسن الترابي، خالفت هذا التوافق، وقادت انقلاباً عسكرياً في 1989 بالتعاون مع ضباط في الجيش، وهو ما مثّل تجاوزاً للميثاق الوطني وتحطيماً للتجربة الديمقراطية الوليدة.
إجهاض الديمقراطية الوليدة
وأوضح أنّ الحركية الإسلامية أطلقت سياسة "التمكين"، التي استهدفت إحكام السيطرة على مؤسسات الدولة وأجهزتها من خلال تعيين كوادر موالية في المناصب العليا في الجيش والأمن والقضاء والخدمة المدنية. وقامت بإقصاء الأصوات المعارضة، حتى تحوّلت الدولة إلى آلية تدعم الحزب الإسلامي الحاكم وتنفّذ سياساته، وهذا التمكين حول أجهزة الدولة إلى مؤسسات تابعة تخدم أجندة الإخوان.
وأشار حمد إلى التسييس الكامل للجيش والأمن من قبل الحركة الإسلامية، وسعيها إلى تعزيز هيمنتها عبر إدخال كوادرها ضمن صفوف الجيش والأجهزة الأمنية، فضلاً عن إنشاء قوات موازية خارج الجيش النظامي، مثل "الدفاع الشعبي". وهذا التسييس أدى إلى تراجع الروح الوطنية داخل الجيش، وأصبح الجيش أداة لتحقيق مصالح الحزب الحاكم بدلاً من الدفاع عن مصالح الشعب السوداني.
ولفت الكاتب الصحفي في مقالته إلى التلاعب بالانتخابات والقمع السياسي، مؤكداً أنّ الحركة الإسلامية قدّمت نفسها كقوة شعبية، إلا أنّها لم تعتمد على الانتخابات الحرة كوسيلة لتثبيت شرعيتها، بل استخدمت موارد الدولة وأجهزتها للتلاعب بالانتخابات.
وتابع حمد: "عمدت الحركة الإسلامية إلى خصخصة أصول الدولة لصالح كوادرها، ممّا أدى إلى تحويل جزء كبير من الثروات الوطنية إلى أيدي نخبة ضيقة موالية. وهذه السياسة أضرت بالنظام الاقتصادي، وأضعفت قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية للسودانيين".
وأكد أنّ الإخوان قاموا بإذكاء الصراعات القبلية وإضعاف النسيج الاجتماعي، واستغلوا التعدد القبلي والعرقي في السودان لأغراض سياسية، ودعموا بعض القبائل وحرّضوها ضد أخرى بهدف إضعاف الحركات الثورية التي واجهتهم، وقد أدى هذا الاستغلال إلى تمزيق النسيج الاجتماعي.
وبيّن حمد أنّه مع سقوط نظام الحركة الإسلامية في 2019 إثر ثورة شعبية عارمة، تحوّل صراع الحركة إلى مسعى جديد لاستعادة السلطة عبر الحرب والتحالفات، وتقديم نفسها كبديل للسلطة المدنية التي تعاني من ضعف بسبب التدخلات العسكرية. وقد لجأت الحركة في هذا الصراع إلى تجنيد أنصارها في المناطق الريفية وتفعيل خطاب ديني وسياسي يدّعي حماية الهوية الإسلامية للسودان لتأجيج النزاعات وإضعاف فرص الاستقرار.
وتستغل الحركة الإسلامية التوترات بين الجيش والقوى المدنية لبناء تحالفات تمكنها من التأثير على القرارات السياسية، مستخدمةً شبكاتها القديمة في الجيش والمؤسسات الأمنية.
وختم حمد مقالته بالقول: "لقد أثبتت التجربة الطويلة للحركة الإسلامية السودانية في السلطة أنّها عرقلت مسار الديمقراطية والتنمية في السودان، وقوّضت فرص بناء نظام سياسي قائم على التداول السلمي للسلطة واحترام التعددية.