
تواصل الولايات المتحدة الأمريكية تصعيد هجماتها على العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات الخاضعة لهيمنة ميليشيات الحوثي الإرهابية، وقد أثار الفيديو الذي نشره أول من أمس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة (إكس)، لغارة أمريكية على تمركزات الميليشيات المدعومة من إيران وتعليقه بأنّه تم القضاء على الإرهابيين جراء الضربات التي لا هوادة فيها على مدار الأسبوعين الماضيين، أثار الكثير من التساؤلات حول جدوى تلك الضربات.
وبينما أكد مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، في تصريح صحفي نقلته شبكة (بي بي سي) أمس، مصرع عدد من قادة ميليشيات الحوثي الإرهابية "وكلاء إيران"، وتدمير مواقع عسكرية تابعة للميليشيات، قال مستشار وزير الدفاع اليمني العميد الركن محمد عبد الله الكميم: إنّ "الضربات الأمريكية الأخيرة تختلف عن سابقتها، إذ توزعت على مختلف مناطق سيطرة الحوثيين، وتركزت على استهداف مواقع استراتيجية تشمل الكهوف والتحصينات المختلفة، والمعاقل الرئيسة، ومراكز التحشيد".
وكشف الكميم، في حوار مع (إرم نيوز)، عن أنّ الغارات الجوية تستهدف مناطق تُضرب لأول مرة، بما في ذلك الجبهات الأمامية"، لكنّه أشار إلى أن التركيز بات أكثر على معاقل الميليشيات الرئيسة في محافظة صعدة.
وبيّن الكميم أنّ "واشنطن حرصت على استخدام أسلحة متطورة مثل قاذفات B-52 والطائرات الشبحية F36؛ ممّا يعكس استعدادها لعمليات أكثر حدّة، إضافة إلى توجيه رسائل ردع مباشرة لإيران، خصوصًا مع وصول حاملات عسكرية إضافية إلى المنطقة".
ولفت مستشار وزير الدفاع اليمني إلى أنّ "هناك تصاعدًا تدريجيًا في بنك الأهداف من قبل القوات الأمريكية، من خلال اتباع نسق تصاعدي، مثلما حدث في لبنان، فقد بدأ الاستهداف بالمخازن والبُنية التحتية، ثم انتقل إلى القيادات على مراحل حتى الوصول إلى قيادات الصف الأول".
وأكد أنّه "لا يمكن حسم المعركة جوًا فقط، بل يجب أن ترافق الضربات الجوية عمليات برية، خاصة في ظل التضاريس الوعرة لليمن"، مُشدّدًا على ضرورة "دعم القوات اليمنية بأسلحة متطورة وتنسيق دولي، والذي سيؤدي ذلك بدوره إلى حسم المعركة في غضون أسابيع فقط، والقضاء نهائيًا على الحوثيين".
وفي السياق أكد مراقبون ومحللون عسكريون أنّ الضربات الجوية الأمريكية المكثفة على مواقع عصابة الحوثي، رغم أهميتها في إضعاف القدرات العسكرية للعصابة، إلا أنّها ليست كافية لإنهاء وجودها أو استعادة الدولة اليمنية، ما لم يُستكمل ذلك بتحرك ميداني من قوة يمنية مسلحة قادرة على ملء الفراغ والسيطرة على العاصمة صنعاء.
وأشاروا إلى أنّ القصف الأمريكي المستمر منذ أكثر من (20) يوماً استهدف منظومات صواريخ وطائرات مسيّرة ومخازن أسلحة ومواقع تدريب، والأماكن المفترضة لتواجد قيادات العصابة في صنعاء وعدد من المحافظات، ممّا جعل الحوثيين في وضع عسكري حرج قد يدفعهم إلى تقديم تنازلات لإنقاذ ما تبقى من نفوذهم، وفق ما نقلت صحيفة (الأمناء).
مراقبون ومحللون عسكريون: الضربات الجوية الأمريكية المكثفة على مواقع عصابة الحوثي أضعفت القدرات العسكرية للعصابة، إلا أنّها ليست كافية لإنهاء وجودها.
هذا، وحذّر المحللون من أنّ بقاء الحوثي في صنعاء بعد توقف الضربات سيُعدّ انتصاراً له، شبيهًا بما جرى مع "حزب الله" في لبنان، مشددين على أنّ ميليشيات كهذه لا تنتهي بمجرد تدمير قدراتها، فهي قادرة على إعادة التموضع والتجنيد والتحالف، ما لم تُستأصل سياسياً وعسكرياً، كما جرى مع نظام بشار الأسد في سوريا.
واعتبروا أنّ نجاح الحملة العسكرية الأمريكية يتطلب على أقلّ تقدير استثمار هذا الضغط الكبير من خلال فرض حل سياسي جديد، محذّرين من ضياع فرصة قد لا تتكرر لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة اليمنية.
واعتبروا أنّ القوى العسكرية التابعة لمجلس القيادة الرئاسي لم تستطع استثمار هذه الفرصة الاستراتيجية لتحقيق اختراق حاسم على الأرض ضد عصابة الحوثي، ويرجع ذلك إلى حالة التمزق والانقسام داخل هذه القوى التي تعاني من غياب غرفة قيادة موحدة، وتضارب في الولاءات بين مكونات المجلس، فضلاً عن ضعف التنسيق بين المناطق العسكرية المنتشرة في المحافظات المحررة، خاصة في مناطق سيطرة حزب (الإصلاح) "ذراع الإخوان المسلمين في اليمن".
وأشاروا إلى أنّه في الوقت الذي كانت فيه الحاجة ملحّة لوجود قوة يمنية فاعلة تتقدم نحو صنعاء، وتستغل الانهيار التدريجي لقدرات الحوثيين، انشغل عدد من القيادات العسكرية والسياسية بصراعات جانبية ومصالح شخصية، وسط اتهامات متزايدة بالفساد المالي والإداري، وغيابهم عن الجبهات وتمركزهم في فنادق العواصم الخارجية.
وأكدوا أنّ هذا الواقع المؤسف جعل من الضربات الأمريكية مجرد ضغط تكتيكي على الحوثيين دون دعم برّي فعّال، وهو ما قد يسمح للعصابة بإعادة ترتيب صفوفها واستعادة جزء من قوتها في حال توقفت الحملة الجوية.
وحول موقف إيران من الهجمات، ومن الميليشيات الحوثية الإرهابية، نقلت صحيفة (تلغراف) البريطانية عن "مصدر في النظام الإيراني" قوله: إنّ الحوثيين "يعيشون أشهرهم وربما أيامهم الأخيرة"، لافتًا إلى أنّ طهران تخلت عنهم في غمرة الضربات الأمريكية العنيفة على مواقعهم.
المصدر، الذي لم تسمّه الصحيفة، قال: "الرؤية هنا ـ في إيران ـ أنّ الحوثيين لن يصمدوا، وهم يعيشون أشهرهم وربما أيامهم الأخيرة، لذلك لا جدوى من إبقائهم على قائمتنا."
وأضاف: "كانوا جزءًا من سلسلة تعتمد على نصر الله وبشار الأسد، والإبقاء على جزء واحد فقط منها للمستقبل لا معنى له."
وحسب الصحيفة، فإنّ إيران أمرت بسحب عسكريين من اليمن، متخلية عن حلفائها الحوثيين مع تصعيد الولايات المتحدة لحملتها الجوية ضد الجماعة المتمردة المدعومة من إيران.
وفسّر مسؤول إيراني رفيع هذه الخطوة بأنّها تهدف إلى تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال مقتل جندي إيراني، وأوضح أنّ طهران تُقلّص من استراتيجيتها في دعم شبكة من الوكلاء الإقليميين للتركيز بدلاً من ذلك على التهديدات المباشرة من واشنطن.
وقال المصدر: "القلق الأساسي الآن هو ترامب وكيفية التعامل معه. كل الاجتماعات تهيمن عليها مناقشات حوله، ولا يتم الحديث عن أيّ من الجماعات الإقليمية التي كنا ندعمها سابقًا."
وبدأت الولايات المتحدة في منتصف آذار (مارس) الماضي ضربات جوية على مواقع الحوثيين في اليمن، بعد مئات الهجمات التي شنّوها على السفن التجارية في البحر الأحمر.
وأكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنّ الهجمات على الحوثيين ستستمر حتى يزول خطرهم على حرية الملاحة.