
منذ عام 2007، لا تزال حركة حماس تحاول تبرير ما ارتكبته من عنف دموي وسيطرة بالقوة على قطاع غزة، مستخدمةً مصطلح "الحسم العسكري" بدلاً من "الانقلاب". ويستند خطابها إلى فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، في محاولة لإضفاء شرعية ديمقراطية على ما فعلته لاحقًا من اجتثاث عنيف للمؤسسات الأمنية والسياسية الرسمية في القطاع.
لكن الحقيقة التي لا تُذكَر كثيرًا، هي أن فوز حماس بالانتخابات التشريعية لم يكن فوزًا بالقرار الفلسطيني الكامل، ولا يُعطيها الحق القانوني في السيطرة على الأجهزة الأمنية أو احتكار السلطة التنفيذية.
أولًا: النظام السياسي الفلسطيني مزدوج السلطة
ينص الدستور الفلسطيني (القانون الأساسي المعدّل لعام 2003) بوضوح على توزيع الصلاحيات بين:
الرئيس: وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، والمسؤول الأول عن السياسة الخارجية، ويملك صلاحيات تنفيذية واسعة.
رئيس الوزراء: وهو المسؤول عن تسيير شؤون الحكومة وتقديمها للمجلس التشريعي، لكن ضمن إطار النظام السياسي وتحت مظلة السلطة الشرعية التي يُمثلها الرئيس المنتخب.
وبالتالي، فإن الأجهزة الأمنية – وفقًا للقانون – لا تتبع رئيس الوزراء، بل القائد الأعلى للقوات المسلحة، أي الرئيس محمود عباس، الذي فاز بالانتخابات الرئاسية عام 2005. وهذا يعني أن هذه الأجهزة لم تكن خارجة عن القانون حين رفضت تلقي التعليمات من حكومة حماس، بل كانت ملتزمة بالتسلسل القيادي المنصوص عليه في الدستور.
ثانيًا: فوز جزئي لا يمنح تفويضًا كاملاً
فوز حماس بالمجلس التشريعي لا يمنحها تفويضًا فوق الدستور، فقد كانت هناك مؤسسات أخرى منتخبة، أبرزها الرئاسة، التي تمثل الشرعية العليا في النظام السياسي الفلسطيني. لذلك، لم يكن ممكنًا – لا قانونيًا ولا سياسيًا – أن تنفرد حماس بالقرار وتفرض رؤيتها على مؤسسات الدولة، وخصوصًا الأمنية منها.
ثالثًا: الانقلاب المسلح لا يمكن تبريره بديمقراطية انتخابية
ما حدث في غزة لم يكن حوارًا سياسيًا، ولا حتى خلافًا دستوريًا يُحلّ في البرلمان أو المحاكم، بل كان اقتحامًا للمقار الأمنية، واغتيالًا للعناصر، وجرًّا لجثثهم في الشوارع. كان انقلابًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا "حسمًا" كما تسميه حماس، بل حسمًا للدم الفلسطيني على أرصفة غزة.
أسفر انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية عن استشهاد أكثر من 700 عنصر من الأجهزة الأمنية والمدنيين، بعضهم تم إعدامه ميدانيًا، وآخرون قُتلوا داخل المستشفيات أو تحت التعذيب في مقارّ حماس
وحتى لو افترضنا – جدلاً – أن هناك خللًا في التعاون بين الأجهزة الأمنية وحكومة حماس، فالحل لا يكون بالدم، بل عبر المسارات القانونية والدستورية التي يُفترض أن تؤمن بها أي جهة تعتبر نفسها فائزة في "انتخابات ديمقراطية".
الديمقراطية لا تُجزَّأ، والانقلاب لا يُشرعن. إن ما فعلته حماس في صيف 2007 كان انقلابًا دمويًا على المؤسسات الشرعية، لا تفعيلًا لنتائج صندوق الاقتراع. والدليل الأكبر على ذلك، أن حماس لم تتوجه إلى المحكمة الدستورية لحسم الخلاف، بل توجهت إلى السلاح، وهذا وحده كافٍ لنزع أي شرعية تدّعيها.
الانقلاب كان انهيارًا وطنيًا
أسفر انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية عن استشهاد أكثر من 700 عنصر من الأجهزة الأمنية والمدنيين، بعضهم تم إعدامه ميدانيًا، وآخرون قُتلوا داخل المستشفيات أو تحت التعذيب في مقارّ حماس.
تم تفجير مقار الشرطة، وإحراق المؤسسات الرسمية، ونهب مقار حركة فتح بالكامل، بما في ذلك منازل القيادات والمكاتب الإعلامية.
وتحوّل قطاع غزة إلى كيان سياسي معزول، تسيطر عليه ميليشيا واحدة، بينما تمزّق النظام السياسي الفلسطيني، وتكرّس الانقسام الذي لا يزال ينهش في وحدة الشعب الفلسطيني حتى اليوم.
من هنا، فإن استمرار حماس في تسويق ما حدث باعتباره "حسمًا مشروعًا" هو تزوير للتاريخ، وتلاعب بالقانون، وتبرير لواحدة من أبشع الجرائم السياسية التي عرفها الشعب الفلسطيني في تاريخه المعاصر.
عن صفحة الكاتب الشخصية في فيسبوك