خطاب المظلومية لدى الإخوان المسلمين..محمد قطب نموذجاً

خطاب المظلومية لدى الإخوان المسلمين..محمد قطب نموذجاً

خطاب المظلومية لدى الإخوان المسلمين..محمد قطب نموذجاً


27/10/2024

كان سيد قطب؛ عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين (1906-1966)، الاسم الأشهر في تنظيم الجماعة، لم تقلّ سيرته الذاتية جدلاً عن مسيرته ومراجعاته الفكرية؛ فهو الأديب المرهف الذي تحوّل إلى صاحب النظريات التكفيرية، وصاغ فلسفة الانقلاب الإسلامي على المجتمع الجاهلي في العصر الحديث، وهي الفلسفة ذاتها التي تبنّاها المنظر الإسلامي، أبو الأعلى المودودي (1903-1979) في الهند، من خلال كتاب "الجهاد في الإسلام"، ومن خلال محاضرته في جامعة عليكرة في الهند، عام 1941، تحت عنوان "منهاج الانقلاب الإسلامي".

وتوافق المودودي مع أطروحة سيد قطب في الحكم على المجتمعات المعاصرة بالجاهلية، كما توافق معه في أنّ مناهضة الجاهلية لا تتأتى إلا بفرض الحاكمية؛ أي إنّ الحاكمية لله وحده على الأرض، ويقول سيد قطب في كتابه "في ظلال القرآن"، ص 1433: "لا مفرّ  من  تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله في الأرض".

الشقيق الأصغر محمد قطب

عُرف عن سيد قطب أنّه صدامي، لربما قال عنه البعض إنّه يتعجل السلطة من أجل إقامة الحاكمية الإسلامية والخلافة الآلهية، إلا أنّ اسم "قطب" كان له وجه آخر، وهو وجه محمد قطب، الشقيق الأصغر لسيد (1919-2014)، ومحمد لم يختلف على مضمون الحاكمية لله، الذي نادى به سيد، إنما كان يميل إلى عدم تعجل الصدام مع السلطة.

فلسفة محمد قطب اعتمدت على أن يتمتع "الإخوان" بمؤيدين من خارج التنظيم حتى يستطيع تنظيمهم مواجهة السلطة

سافر محمد قطب إلى السعودية، بعد سلسلة اعتقالات، ما بين عامي 1965-1972 ليكمل الدعوة، وقد تبنّى خطاباً فلسفياً في تجنيد أبناء الأمة الإسلامية لإقامة الخلافة رويداً رويداً.

وكان هذا الخطاب سابقاً لاعتقاله، أو اعتقال شقيقه، في ستينيات القرن الماضي، في مصر، فأصدر محمد قطب، عام 1959، كتاباً بعنوان "هل نحن مسلمون؟"، وأعيد نشره عام 1993، وكان خطابه في هذا الكتاب خالياً من نبرة التحدي، ومائلاً إلى المظلومية.    

نواة الديمقراطية الإلهية في فلسفة محمد قطب

كان محمد قطب يرى ضرورة التأثير على أبناء الأمة أولاً، وإقناعهم بحتمية حكم البلاد الإسلامية بشرع الله وشريعته؛ أي إنّه كان يعوّل على استقطاب ظهير شعبي ينادي بتطبيق الشريعة، فيصبح الانقلاب على الجاهلية مهيّأً بإرادة الجماهير، فيتحقق مبدأ الديمقراطية الإلهية، وهو ما سيحدث بعد عقود من الزمان؛ حين تبنى بعض الدعاة شعار (قالت الصناديق لله نعم) في إشارة إلى صناديق الانتخابات، في مرحلة ما بعد ثورات 2011، وصعود التيارت إلى الحكم في بعض البلاد، أو إلى مشارف الحكم في بلاد أخرى.

أكبر انتصار لجماعة الإخوان المسلمين؛ هو تبنّي العامة، غير المؤيدين لتنظيم الإخوان، شعارات التنظيم

فلسفة محمد قطب اعتمدت على أن يتمتع "الإخوان" بمؤيدين لهم ولمشروعهم من خارج التنظيم، حتى يستطيع التنظيم الإخواني مواجهة السلطة، ومفاوضتها، ومعه طوفان من المؤيدين، الذين تحسب لهم ألف حساب، ولم تكن السلطة التي يواجهها الإخوان تارة، ويفاوضونها تارة أخرى، علمانية، إنما كانت بمرجعية دينية، حتّى إن لم تكن دينية كاملة، فمعظم البلاد العربية التي لقبها الغرب والتيارات الإسلامية، على حدّ سواء، بسلطة علمانية كانت في أصلها سلطة تحتكم إلى الشريعة الإسلامية في كثير من أحوالها، فكان الفرق بين السلطة الحاكمة وتيارات الإسلام السياسي؛ أنّ الأخيرة أرادتها ثيوقراطية كاملة، لا نصف ثيوقراطية.

ولعلّ أكبر انتصار لجماعة الإخوان المسلمين؛ هو تبنّي العامة، غير المؤيدين لتنظيم الإخوان، شعارات التنظيم؛ فنجد بعض من يعادون الإخوان تنظيمياً يرفعون شعار "الإسلام هو الحل"، ونجد البعض ممّن انقلبوا على الإخوان يتبنون شعار "القرآن دستورنا"، وهو شعار صاغه مؤسس الجماعة حسن البنا.

هل نحن مسلمون؟!

أكثر ما يلفت الانتباه في الصفحات الأولى من كتاب "هل نحن مسلمون؟!"؛ هو اللغة والعبارات غير العدائية؛ بل كانت اللغة تعبّر عن المظلومية التامة، فيكتب محمد قطب بروح المسلم الغيور على دينه، ومن ثمّ يبدأ في التحسّر على الإسلام، ويأخذ القارئ إلى منطقة تأنيب الضمير؛ بل ضمّ عنوان الكتاب نفسه سؤالاً بنكهة التأنيب، فيتساءل محمد قطب في طيات الكتاب عن موقف الفرد المسلم في محاربة الطاغوت وانحراف المجتمع، ومن ثم يشحذ الهمم لتغيير الحال والانقلاب على المدنية، فينتقل لنبرة أعلى، لكن دون التخلي عن خطاب المظلومية والتضحية، فيقول في ص 217 من الكتاب: 

نجد البعض ممّن انقلبوا على الإخوان يتبنون شعار "القرآن دستورنا"، وهو شعار صاغه مؤسس الجماعة حسن البنا

"ماذا تساوي كلّ التضحيات والآلام التي تحملها أجيال من المسلمين ليعقدوا الجسر فوق الهوة الحالية بين الـكفر الملحد والإسلام، لا شيء، تضحيات مضمونة في السماء والأرض، ولينصرن الله من ينصره، إن الله قوي عزيز".

ويتّضح هذا التدرج الذي بدأ به محمد قطب كتاب "هل نحن مسلمون؟!"، حيث بدأ بخطاب المظلومية، وانتهى بخطاب غزو العالم الملحد الكافر.

ورغم أنّ الكتاب كان يداعب المشاعر الدينية بهدوء في كثير من فقراته، إلّا أنّه ما لبث أن تبنّى في فقرات أخرى خطاباً داعشياً، والداعشية لم تكن قد تبلورت كتنظيم آنذاك، لكنها كانت موجودة كفكرة؛ إذ يحمل مفهوم نتظيم الدولة الإسلامية (داعش)، حين يقول محمد قطب: إنّ "التشريع الجنائي له نصوص محدودة واضحة، تلتزم الجماعة المسلمة بتنفيذها، في حدّ القتل والزنا والسرقة والخمر والردة والإفساد في الأرض". 

تدرّج محمد قطب في كتابه "هل نحن مسلمون؟!" من خطاب المظلومية إلى بخطاب غزو العالم الملحد الكافر

كما أكّد محمد قطب أنّ المسلم والمسلمة، اللذين ينسلخان من دينهما، يجب (سحقهما) لتنهض الأمة وتخطو إلى الأمام، والملاحظ هنا أنّ محمد قطب استخدم لفظ (الجماعة المسلمة) وليس الإسلامية؛ لأنّه كان يعوّل على إقامة مجتمع مسلم يطالب بتطبيق الحدود، أيّاً كانت الظروف، وليس مجتمعاً تحكمه مجرد جماعة إسلامية؛ أي إنّه رغب أن يكون المجتمع مدافعاً عن الحدود، راغباً في تنفيذها، مثله مثل الحاكم، وهنا أصبح خطاب المظلومية خطاباً هجومياً في تدرّج ناعم.

تجنيد أبناء الأمة لقضية "لا إله إلا الله"

أراد محمد قطب، من خلال عباراته المنتقاة، أن يوعز بأنّ السحق ليس تجبراً، إنّما إقامة للعدل، فلربما كان محمد قطب أكثر دهاءً في كتاباته من غيره من الإخوان المسلمين، لكن هذا لم يكن لكونه مسالماً، وإنما مدرك أنّ سحق المعارضين يحتاج إلى قوة وسلطة هو لا يملكها، ولا جماعته، في ذلك الوقت.

أكّد محمد قطب أنّ المسلم والمسلمة اللذين ينسلخان من دينهما يجب سحقهما لتنهض الأمة وتخطو إلى الأمام

وتتأكد رؤيته في كتاب لاحق، نشر تحت عنوان "هلمّ نخرج من ظلمات التيه"، وجاء في فصله الأخير، الذي حمل عنوان "الغد المأمول": أنّه "لا يجوز تعجّل الصدام مع السلطة، وطلب الحكم في فترة الاستضعاف، وأنّ التركيز في لحظات الاستضعاف والشتات لا بدّ من أن ينصبّ على قضية "لا إله إلا الله"؛ لأنّ الجماهير هي نواة الحاكمية الإلهية".

فلسفة محمد قطب لم ترحل معه؛ بل قد تكون أفكاره ورؤيته ملموسة على الأرض في هذه الآونة؛ إذ يميل كثير من الباحثين والكتّاب إلى تبنّي نظرية انتهاء التنظيمات الدينية في مصر نهائياً، أو تحجيمها في بلاد أخرى، دون النظر والتمعّن في فكرة العمل غير الصدامي لتلك التيارات بشكل عام (السلفيون أنموذجاً) في فترات الاستضعاف.

الصفحة الرئيسية