
في تحرك صارم يعكس التزامها بمحاربة التطرف ومواجهة الضغوط الدولية، أطلقت دولة الكويت حملة تنظيمية غير مسبوقة لإعادة هيكلة جمع التبرعات الخيرية، في خطوة تهدف إلى قطع الطريق أمام تمويل جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المتطرفة، التي لطالما وُجّهت إليها اتهامات باستغلال العمل الخيري غطاءً لأنشطتها السياسية والمالية المريبة.
في نيسان (أبريل) 2025 قررت وزارة الشؤون الاجتماعية تعليق جميع حملات التبرعات داخل البلاد، بهدف مراجعة آليات الرقابة والشفافية. هذا القرار جاء على خلفية تقارير محلية ودولية حذرت من إساءة استخدام التبرعات لأغراض سياسية أو إيديولوجية، وارتباط بعض الجهات بتمويل جماعات محظورة كجماعة الإخوان.
وبعد أكثر من شهرين، عادت الوزارة إلى السماح بجمع التبرعات، ولكن وفق شروط صارمة تتضمن: حظر جمع التبرعات عبر وسائل التواصل أو من شخصيات غير مرخصة، واشتراط تنفيذ الحملة عبر جهة خيرية معتمدة وبوثائق تفصيلية، ومنع الإعلانات العشوائية إلا بموافقة مسبقة، وفرض رقابة صارمة على أوجه الصرف والمصروفات الإدارية، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (كونا).
مراقبون: الحملة التنظيمية لا تستهدف فقط التجاوزات المالية، بل تمثل أيضًا ضربة مباشرة لتنظيم الإخوان المتهم باستخدام جمعيات خيرية كواجهة لتمويل أنشطته.
وبحسب ما نقل موقع (ميدل إيست أون لاين) عن مراقبين، فإنّ الحملة التنظيمية لا تستهدف فقط التجاوزات المالية، بل تمثل أيضًا ضربة مباشرة لتنظيم الإخوان المسلمين، الذي يُتهم محليًا ودوليًا باستخدام جمعيات خيرية كواجهة لتمويل أنشطته الدعوية والسياسية.
وأشار الموقع إلى أنّ هذه التدابير جاءت بعد تراكم الشكوك حول تخادم خفي بين جمعيات محسوبة على الإخوان وأجندات خارجية.
تسعى الحكومة الكويتية لمجاراة معايير "مجموعة العمل المالي الدولية"، التي أدرجتها في قائمة المراقبة، مطالبة بـ "نتائج فعلية" لمكافحة تمويل الإرهاب.
ولم تتوقف الإجراءات عند وزارة الشؤون الاجتماعية، بل صدر مرسوم بقانون عدّل قانون مكافحة غسل الأموال، مانحًا الحكومة صلاحيات فورية لتجميد أموال وأصول مشبوهة دون حكم قضائي، وفرض غرامات تصل إلى (500) ألف دينار كويتي (1.6) مليون دولار، وتمكين لجنة وطنية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بالإرهاب وتمويله، ونشر قائمة الإرهاب المحلية على موقع اللجنة لتحقيق الشفافية.
وتأتي هذه الخطوات ضمن خطة إصلاح يقودها أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، تهدف إلى وقف التلاعب بالمال العام ومواجهة الفساد المالي. ووفق مصادر سياسية، فإنّ "المرونة السابقة" في التعامل مع أنشطة جماعات إسلامية أفسحت المجال لتكوين شبكات تمويل شبه موازية خارج نطاق الرقابة الرسمية، وهو ما جعل الكويت "وجهة تمويل أساسية" لبعض منظمات الإخوان والقاعدة وداعش، وفق (العرب) اللندنية.
التدابير الكويتية المتعلقة بجمع التبرعات جاءت بعد تراكم الشكوك حول تخادم خفي بين جمعيات محسوبة على الإخوان وأجندات خارجية.
وأكد المحامي فواز الخطيب، في تصريح نقلته وكالة (رويترز)، أنّ التعديلات عالجت ثغرات قانونية كانت تعيق تدخل الحكومة في حالات الخطر المالي، مشيرًا إلى أنّ الدولة أصبحت اليوم تملك آليات قانونية حديثة تمنع إساءة استخدام الأموال المجمدة وتتيح إدارتها بفعالية.
وقال الخطيب: "إنّ القانون الجديد أعطى الحكومة صلاحيات مباشرة لتجميد الأموال والممتلكات المشتبه بارتباطها بجرائم غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب، حتى من دون حكم قضائي، وذلك بناء على قرارات تصدر من وزيري المالية والخارجية، وفق ضوابط رسمية".
وسبق أن تعرضت الكويت لإحراج دولي حين اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية في 2014 وزير الأوقاف السابق نايف العجمي بتمويل الإرهاب، ممّا أجبر الحكومة على إقالته. ومنذ ذلك الحين تُحذر الدولة من تكرار التجربة.
وتسعى الحكومة الحالية إلى وقف التراخي في هذا الشأن، ومجاراة معايير "مجموعة العمل المالي الدولية" (FATF) التي أدرجت الكويت في قائمة المراقبة، مطالبة بـ "نتائج فعلية" لمكافحة تمويل الإرهاب.
"المرونة السابقة" في التعامل مع أنشطة جماعات إسلامية جعل الكويت "وجهة تمويل أساسية" لبعض منظمات الإخوان والقاعدة وداعش.
وفي السياق قالت وزيرة الشؤون الاجتماعية الدكتورة أمثال الحويلة في تصريح صحفي سابق لصحيفة (القبس): "إنّ الملاحظات الواردة في بعض التقارير الدولية بشأن العمل الخيري الكويتي، على غرار تقارير صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية، تستوجب وقفة جادة وتعاونية من جميع الجهات المعنية لتصحيح المسار وضمان التزام العمل الخيري بالمعايير الدولية والضوابط الوطنية.
من جهتها قالت وزيرة المالية نورة الفصام: إنّ الإجراءات تعكس التزام الكويت الصارم بـ "مكافحة الجرائم المالية والإرهابية" وتعزيز الأمن المالي للبلاد.
وتدخل الكويت اليوم مرحلة جديدة من الرقابة المالية، بعد أعوام من التساهل النسبي، لتضمن ألّا يُستغل العمل الخيري مطية لتمويل الإخوان أو غيرهم من التنظيمات المتطرفة. وبينما يُنظر إلى هذه الخطوات كضرورة إصلاحية داخلية، فإنّها تمثل في جوهرها رسالة إلى الخارج بأنّ الكويت تتحرك بجدية لتصحيح المسار واستعادة الثقة الدولية.
الخطيب: "القانون الجديد أعطى الحكومة صلاحيات مباشرة لتجميد الأموال والممتلكات المشتبه بارتباطها بجرائم غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب، حتى من دون حكم قضائي".
وقد سلّمت دولة الكويت منتصف تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019 للسلطات المصرية خلية إخوانية ألقت القبض عليها على أراضيها، وأظهرت التحقيقات أنّ المتهمين شكلوا شبكة لتحويل الأموال إلى مصر و"بؤر الإرهاب" في المنطقة.
وكشفت التحريات أنّ المتهمين منضمّون إلى إحدى التنظيمات الإرهابية، وأنّهم مطلوبون أمنيًا، وقد سافروا إلى الكويت بأسماء مزورة بمساعدة أفراد جماعة الإخوان الهاربين خارج مصر، واعترف المتهمون بتسليم مبالغ مالية ضخمة لزعيم الخلية على مدى (6) أعوام، وكان بدوره يرسلها إلى مصر.
كما أقرّ المتهمون أنّ الخلية عملت من خلال شبكة تحويلات مالية على تمويل عدة أنشطة إرهابية خارج الكويت، واعترفوا بأنّهم اعتمدوا بالدرجة الأولى على أموال التبرعات التي تُجمع على الأراضي الكويتية، والتي كانت تشكّل عصب التحويلات الضخمة عن طريق شركات صرافة تابعة لهم في الكويت وخارجها، وقد قررت السلطات الكويتية بعد هذه الحادثة وضع حدٍّ لاستخدام التبرعات في نشاطات جماعة الإخوان المسلمين في الداخل والخارج.