
جاءت زيارة رئيس أركان القوات البرية للجيش الوطني الليبي، الفريق أول ركن صدام خليفة حفتر، إلى مدينة سبها جنوب ليبيا، في سياق يتسم بتصاعد التوترات وعدم الاستقرار في منطقة فزان الاستراتيجية، التي تُعدّ مفترق طرق للاتجار غير المشروع بجميع أنواعه، بما في ذلك البشر والأسلحة والمخدرات، كما أنّها غنية بالموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والذهب.
وذكرت مصادر محلية لوكالة (نوفا) أنّ الفريق أول ركن صدام حفتر وصل إلى سبها ليلة عيد الفطر حوالي الساعة الواحدة صباحًا، في ظل تطورات أمنية عاجلة.
وخلال زيارته ترأس حفتر الابن اجتماعًا استثنائيًا مع القيادات العسكرية والأمنية العاملة في الجنوب، بحضور قادة الألوية ورؤساء غرف العمليات ورؤساء الأجهزة الأمنية، وفقًا لبيان هيئة الأركان العامة للقوات البرية التابعة للجيش الوطني الليبي.
في هذا السياق، قال المحلل السياسي خالد محمد الحجازي: إنّ الزيارة يجب فهمها من الناحية السياسية في ضوء التقارير التي قدمها المبروك سحبان، آمر قوة عمليات الجنوب، والتي أفادت بأنّ الوضع الأمني في المنطقة الجنوبية غير مستقر، ممّا استدعى حضور صدام حفتر لمناقشة التطورات مع القيادات العسكرية والأمنية.
وتابع المحلل الليبي خالد الحجازي حديثه لـ (حفريات) موضحًا أنّ الفريق صدام حفتر عقد اجتماعًا داخل المطار حضره عدد من المسؤولين، دون مشاركة شخصيات من أهل الجنوب.
وخلال الاجتماع قام صدام حفتر بطرد رئيس جهاز الأمن الخارجي في سبها، بعدما واجهه بتبعيته لطرابلس، في خطوة تعكس توترًا متزايدًا بين القوى الأمنية في المنطقة، وفقًا للمصدر ذاته.
وبعد مغادرة صدام حفتر المدينة، توقفت الطائرة التي أقلّته لمدة ساعة، بينما تم إطفاء جميع الأضواء داخل المطار.
الأهمية العسكرية لجنوب ليبيا (فزان)
يلفت الحجازي إلى أنّه من الناحية العسكرية تُعدّ زيارة الفريق أول صدام حفتر إلى فزان، في توقيت حساس مثل عيد الفطر، إشارة واضحة إلى أنّ الجنوب الليبي يشهد تحركات استراتيجية قد تغيّر موازين القوى في المنطقة، وعلى خلفية ذلك يحدد المصدر ذاته العوامل التي تعزز أهمية الجنوب الليبي عسكريًا من خلال:
مسرح عمليات متحرك وغير مستقر: حيث تمتد المنطقة على مساحة شاسعة (تشكل نحو ثلث مساحة ليبيا)، وتتمتع بتضاريس صحراوية مفتوحة، ممّا يجعلها مناسبة للمناورات العسكرية الخاطفة، لكنّها صعبة على السيطرة الدائمة.
وتعتمد السيطرة عليها من خلال القدرة على حسم المعارك السريعة، وليس على تحصين مواقع ثابتة.
ممر استراتيجي للقوات والمؤن: الجنوب الليبي متاخم لدول تشاد والنيجر والجزائر والسودان، ممّا يجعله معبرًا محتملًا للجماعات المسلحة والأسلحة بين أفريقيا شمال الصحراء وليبيا.
وجود قواعد ومطارات حيوية: إنّ مطار سبها الدولي وقاعدة الوطية الجوية (جنوب سرت) يمكن استخدامهما كنقاط انطلاق لعمليات جوية. إذ أنّ القبائل المحلية تسيطر على العديد من المنافذ البرية، ممّا يجعل التحالفات القبلية جزءًا من المعادلة الدائمة لحسابات القوة والنفوذ في ليبيا على حد تعبير الحجازي.
في سياق التحليل الجيوسياسي، يمكن قراءة وفهم زيارة صدام حفتر إلى سبها من خلال زوايا متعددة تتجاوز مجرد التحركات العسكرية التقليدية، لتكشف عن تفاعلات مركبة بين الجغرافيا، والموارد، والفاعلين السياسيين والعسكريين في الجنوب الليبي. فالمنطقة، التي تشكل قلب إقليم فزان، ليست فقط ساحة لتقاطع المصالح المحلية، بل أيضًا ساحة مرجحة لصراع بين القوى الإقليمية والدولية التي تسعى لتثبيت نفوذها عبر فاعلين محليين، مستغلة هشاشة الوضع الأمني وفراغ السلطة.
في السياق ذاته تعكس الزيارة ديناميكيات السلطة المتغيرة في ليبيا، حيث تتداخل الولاءات القبلية مع التحالفات العسكرية، ضمن صراع مستمر على النفوذ في الجنوب الغني بالموارد، والذي يُعدّ نقطة مركزية لشبكات التهريب والهجرة غير النظامية.
من جانبه، يرى الناشط والكاتب السياسي عبد الله الغرياني أنّ رئاسة أركان القوات البرية تعمل بشكل ملحوظ جدًا في الجنوب الليبي.
واستطرد الناشط الليبي الغرياني في تصريحاته لـ (حفريات) قائلًا: "هناك استقرار واضح في مركز الجنوب، مدينة سبها، وكذلك في القرى والمدن الواقعة جنوبها وشمالها. أمّا التوترات التي تحدث من وقت إلى آخر، فما هي إلا مخاض طبيعي تواجهه وحدات الجيش هناك، والمتمثلة في القوات التابعة لرئاسة أركان القوات البرية. ولكي أكون دقيقًا، فإنّ وجود الجيش في الجنوب جديد نسبيًا، فقد تمّت السيطرة على هذه المدن والمناطق قبل (4) أعوام وسط تعقيدات جغرافية ومجتمعية واجهها الجيش هناك. وكان هناك تصادم قبلي ومناطقي نتج عن تراكمات سبّبتها السلطات في الجنوب، من خلال تقوية أطراف ضد أخرى، إلى جانب خلافات تاريخية عمّقها نظام القذافي. وكانت المعالجات سيئة لمعظم الأزمات في الجنوب، لكنّ وجود الجيش هناك أدى إلى انخفاض حدة هذه التصادمات، وقاد إلى مصالحة أهلية بين سكان مرزق، وكان من أبرز نتائجها إعادة إعمار المنازل والمناطق المتضررة جراء الصراع الأهلي هناك، فضلًا عن تنفيذ مشاريع إعمار وإصلاحات في البنية التحتية شهدتها سبها ومناطق أخرى".
الجنوب الليبي: تحديات الاستقرار
وأضاف الغرياني: "لكن رغم ذلك، ما تزال هناك تدخلات سلبية تقوم بها حكومة طرابلس لزعزعة الاستقرار في الجنوب، وتحريض مستمر ضد الهدوء الذي تشهده مدن ومناطق فزان. من جهة أخرى واجهت القوات البرية عددًا من العصابات المرتزقة القادمة من تشاد والنيجر، والتي كان لها تواجد طويل داخل الأراضي الليبية، حيث نشطت بسلاحها وجعلت من الجنوب مركزًا للأنشطة الإرهابية وتهريب البشر والمخدرات، وأسست شبكة علاقات ببعض الفصائل المسلحة الليبية. وقد تكبدت هذه الميليشيات خسائر فادحة على يد وحدات القوات البرية، حيث استشهد نحو (7) عسكريين أثناء المواجهات التي انتهت بطرد المرتزقة حتى عمق الأراضي التشادية والنيجرية".
وأشار الغرياني إلى أنّ "الجنوب الليبي يمثل الآن إحدى أولويات رئيس أركان القوات البرية، حيث تم تكليف غرفة عمليات للحد من الأنشطة المسلحة وعمليات التهريب، مع التشديد على ضرورة قيام الأجهزة التنموية بإصلاح الطرق والمباني الحكومية، وتوفير الوقود والسلع الأساسية التي يحتاجها المواطنون في الجنوب. كما تم إنشاء غرفة عمليات عسكرية تغطي كافة مناطق الجنوب، لضمان تأمينه ضد أيّ تهديدات قد تخلق حالة من الفوضى، وهي مهمة صعبة تتطلب جهودًا ليبية وإقليمية، بل حتى دولية".
القذافي الابن وتحركات العودة
وفي سياق آخر، تطرق الغرياني إلى ملف سيف الإسلام القذافي، مشيرًا إلى أنّه "يحاول منذ فترة طويلة ضرب كل جهود الاستقرار في ليبيا، من خلال مساهمته في إفساد الانتخابات، ومحاولاته لاستغلال الانتخابات المحلية وتسييسها، بالإضافة إلى محاولاته تشكيل مجموعات مسلحة موالية له لإظهار قوته، التي لن تنجح نظرًا لضعف ظهوره وانهزام نظام والده السياسي قبل أكثر من عقد. حتى شعبيته التي يدّعي امتلاكها، هي شعبية افتراضية لا وجود لها على أرض الواقع، التي تحميها وتعمرها الحكومة الليبية والقيادة العامة للجيش من خلال الجهاز الوطني للتنمية وصندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا".
الجنوب الليبي: نقطة ساخنة محليًا وإقليميًا
يختتم الناشط الليبي عبد الله الغرياني حديثه لـ (حفريات) بقوله: إنّ الجنوب الليبي يُعدّ نقطة ساخنة على المستوى المحلي، حيث يرتبط أمن الساحل الليبي بأمن الجنوب. فإذا كان الجنوب مستقرًا، فيمكن ضمان أمن الساحل الليبي وآبار النفط والغاز، أمّا إذا كان الوضع غير مستقر، فسيؤدي ذلك إلى استمرار التصادمات المسلحة، باعتبار أنّ الجنوب نقطة انطلاق لشبكات التهريب والجماعات الإرهابية. كذلك فإنّ أمن الجنوب هو مهمة محلية تقع على عاتق الجيش الليبي، لكنّه في الوقت ذاته يحتاج إلى دعم إقليمي ودولي، نظرًا لأهمية أمن الجنوب لدول الجوار، وللدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط التي تواجه تهديدات ناجمة عن العصابات الإجرامية والجماعات الإرهابية المنتشرة في المنطقة.