الإخوان في موريتانيا.. براغماتية المكاسب

الإخوان في موريتانيا.. براغماتية المكاسب

الإخوان في موريتانيا.. براغماتية المكاسب


17/01/2024

على غرار باقي شعوب المنطقة العربية، لم تسلم الساحة الموريتانية من المشروع الإخواني، وإن كان ثانوياً تنظيمياً مقارنة مع التيار السلفي والتدين الصوفي، إلا أنّ الهاجس السياسي لإخوان موريتانيا، وارتباطاتهم الفكرية والتنظيمية بالخارج، تجعلهم في صلب اهتمامات متتبعي الظاهرة الإسلاموية في المنطقة، خاصة بعد التطورات التي كشفت عنها أحداث "الفوضى الخلاقة" [2011 ــ 2013].

اقرأ أيضاً: تعرف إلى الخريطة الإسلاموية في تونس

وبخلاف التعددية التنظيمية وكثرة الرموز والقيادات والمدارس التي تميز التيار السلفي في موريتانيا، فإنّ الأمر مختلف مع المشروع الإخواني، والذي يُمكن حصره في تنظيمين اثنين، مع الأخذ بعين الاعتبار تقاطعات العمل السياسي والعمل الاجتماعي والعمل الديني والعمل البحثي للمؤسستين، على غرار ما عاينا في الساحة المغربية مثلاً، وإن كان الحضور الإخواني الموريتاني لا يزال في بداياته التنظيمية مقارنة مع نظيريه المغربي أو التونسي.

يتعلق الأمر هنا بحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، والذي يسمى إعلامياً بحزب "تواصل" [تشير تقديرات المتتبعين إلى أنّ الحزب يضم عضوية 100 ألف شخص]، وهو الذراع السياسي للمشروع الإخواني في موريتانيا؛ والذراع الدعوي، والمجسد في "مركز تكوين العلماء"، بل للحزب صلات مباشرة مع هذه المؤسسة، والتي تعتبر المنبر الأبرز الذي يطل منه قيادات الصف الأول من الإخوان في موريتانيا، فأغلبهم يتبادلون الخطابة، ويحتكرون الوصاية على أمر مسجد المركز، كما يعدّ المأوى الأكثر جاذبية لكل برامجهم وأنشطتهم، حيث تعقد به اللقاءات والدورات الدورية لرسم السياسات ووضع الخطط التي تساعد في تمدد وانتشار التنظيم وبسط نفوذه على عقول ومشاعر الناس.

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ واقع العمل الإخواني في الجزائر في الأعوام الأخيرة؟

وكما نعاين في أغلب دول المنطقة العربية التي يتواجد فيها المشروع الإخواني، وخاصة في الدول التي ترسخ فيها المشروع، ويشتغل إما بشكل علني معترف به أو بشكل غير مباشر، أو عبر بوابة التقية والتغلغل في مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني، فإنّ إحدى خصائص المشروع، أنّه يشتغل بعقلية "المَجرة"، أو الشبكة، لأننا نتحدث عن مشروع يشتغل على عدة جبهات.

في الحالة الموريتانية، نعاين حضور المشروع الإخواني عبر البوابة السياسية سالفة الذكر، والبوابة الاقتصادية والخيرية والدعوية، ونبدأ بأهم الأبواب، أي الباب السياسي:

ــ بدأت التيارات الإسلامية في موريتانيا مع تأسيس حركة الإصلاحيين الوسطيين في منتصف السبعينيات، وظهرت الجماعة الإسلامية كأول تنظيم للتيار الإسلامي العام 1978؛ حيث خرجت من رحم المساجد، وتطور التنظيم حتى تم تأسيس تنظيم حاسم العام 1990، ثم حزب "الأمة"، وأخيراً حزب تواصل الذي تم إشهاره في العام 2007. وتأسّس الحزب بعد فشل تيار الإسلام السياسي في العقود الماضية في الحصول على الشرعية الحزبية، ليصبح بذلك حزباً معترفاً به من طرف الدولة في ضوء التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد مطلع القرن الحادي والعشرين.

ويستند الحزب في عمله السياسي على المساجد، واستغلال التوجه الديني والصوفي الغالب في مناطق وولايات موريتانيا بالإضافة إلى الاستفادة من أخطاء النظام في مجالات السياسة والاقتصاد والتي تتعلق بمعايش واحتياجات الشعب الموريتاني اليومية.

مما يُلاحظ في أداء فرع تنظيم الإخوان في موريتانيا، أنه يحذو السياق التاريخي الذي مضى فيه التنظيم "الأم" في مصر، بل تشبه ممارسات فرع الجماعة في موريتانيا ما قامت به نظيرتها في مصر قبل 25 كانون الثاني (يناير) 2011، ليس فقط في خططها التي منيت عملياً بالفشل، بل في الممارسة والسلوك السياسي والديني؛ ففي الانتخابات الأخيرة (التشريعية والجهوية والبلدية) التي شهدتها موريتانيا [انتخابات أيلول (سبتمبر) 2018 وحزيران (يونيو) 2019]، بالغت الجماعة في استعراض قوتها، عبر سلاسل بشرية حاشدة، لم تظهر قوة الجماعة بقدر ما كشفت القدرة المالية التي تتمتع بها في ظل بلد ذي إمكانية وموارد محدودة.

الهاجس السياسي لإخوان موريتانيا وارتباطاتهم الفكرية والتنظيمية بالخارج تجعلهم في صلب اهتمامات متتبعي الظاهرة الإسلاموية بالمنطقة

ولكن إجمالاً، في قراءة للأداء السياسي لإخوان موريتانيا، وخاصة في فترة 2019-2020، اتضح أن الاستحقاقات الانتخابية، والمناسبات السياسية اللاحقة، رسمت حداً فاصلاً بين واقعين للإخوان في البلاد، أولهما لعب حزب الإخوان قبل الانتخابات، دور الحزب الذي يشهد تماسكاً ويحوز بعض التعاطف في صفوف المنخدعين ببعض الشعارات وفتات المساعدات التي يوزعها على بعض الأوساط الفقيرة. أما الواقع الآخر، فكان بعد الانتخابات، إذ انكشفت دعاية التنظيم وظهرت التناقضات والصراعات والانشقاقات، إثر فشله في تمرير خطاب جديد قادر على استقطاب الأتباع الجدد، أو إقناع منتسبين مغرر بهم بالبقاء في هيكله السياسي.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن الخريطة الإخوانية في المغرب؟

وتزامن الفشل السياسي والانتخابي مع حملة قوية بدأت في 2018 واستمرت حتى منتصف 2019، تتعلق بمصادر تمويل الإخوان وخاصة نشاط المنظمات "الخيرية" التابعة له داخلياً وخارجياً، والضغط الضريبي على بعض المؤسسات التجارية التابعة للجماعة.

ــ بالنسبة للأداء الاقتصادي للمشروع الإخواني، فإنّ الدوائر الحكومية تتهمه بالحصول على تمويلات خارجية تحت مسميات دعم النشاط الأهلي وعمل المجتمع المدني. ويسيطر التنظيم على ميزانيات ضخمة ترتبط بالعديد من المجالات التجارية مثل الاستثمار في إنتاج وبيع الأدوية، ومحطات البنزين، ومحلات بيع الملابس والمواد الغذائية ووكالات بيع وتأجير السيارات إضافة إلى مراكز بيع العملات الأجنبية.

وفي المجال الاقتصادي، المرتبط بالشق الديني والاجتماعي تحديداً، أصبحت زكاة المنتسبين، خصوصاً من كبار التجار، توجه إلى تمويل الحزب بدل صرفها على الفقراء، إضافة إلى أن زعيم الإخوان في موريتانيا يحمل رتبة قيادية، مستعيناً بقيادات أخرى في هذا السياق، من قبيل: "أمين سر الحركة"، و"رئيس لجنة الاكتتاب"، و"مسؤول الهيكلة"، و"رئيس لجنة المناسبات"، و"المسؤول المالي"، و"رئيس لجنة استقبال الضيوف"، كما أنّ رئيس الحزب الإخواني الموريتاني يباشر تسيير المنظمات النقابية التابعة للتنظيم، منها نقابات طلابية وعمالية، إضافة إلى هيئات موازية، منها "مركز شنقيط للمالية الإسلامية".

خلافاً للتعددية المرجعية للتيار السلفي في موريتانيا يُمكن حصر المشروع الإخواني في تنظيمين

ــ نأتي للجناح الديني، حيث يعتمد الإخوان في موريتانيا على مركز تكوين العلماء لإعداد الكوادر من العلماء الدينيين [رابط موقعه الإلكتروني http://cforim.org]، وتأسس المركز في سنة 2007، وسبق للداعية يوسف القرضاوي، أن زار المركز في العام 2010. وتتهم الحكومة الموريتانية المركز الذي يترأسه القيادي الإخواني محمد الحسن ولد الددو عضو ما يُسمى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، ببث خطابات الكراهية والفكر المتطرف، وتعتبر الحكومة أن الإخوان يقومون بتوظيفه لاستقطاب أعضاء جدد والترويج لأفكار الحركة بين الجماهير.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن التعامل مع الظاهرة الإخوانية في أفريقيا؟

إضافة إلى ذلك، فإنّ رموز التيار الإخواني الذين يزورون موريتانيا، يحرصون على زيارة هذا المركز، ومن بين الأمثلة في هذا السياق، الزيارة التي قام نائب مرشد التنظيم الإخواني، جمعة أمين، عند أول لحظة وصوله إلى البلاد.

ومحمد الحسن ولد الددو، للتذكير، هو الذي انتُخب رئيساً منذ سنوات لـ"منتدى لمنظمات وجمعيات العمل الإسلامي الوسطي في غرب وشمال أفريقيا"، الذي نظم أول دورة له بموريتانيا تحديداً، وهذه إشارة تحيل وتذكر المتتبع بطبيعة المشروع الإخواني، رغم أنه لا أحد من الأعضاء المؤسسين والمشاركين [وأغلبهم إخوان أساساً] يتحدث عن مرجعية إخوانية، حيث اتضح حينها أنّ هذا المنتدى الإخواني، يتألف من عشر حركات وجمعيات إسلامية، وهي: حركة مجتمع السلم الجزائرية، وحركة التوحيد والإصلاح المغربية، وجمعية المستقبل الموريتانية، وجماعة عباد الرحمن السنغالية، والتجمع الإسلامي بالسنغال، المجلس الإسلامي الأعلى بغامبيا، وجمعية مالي للشباب المسلم، وجمعية الشباب المسلم بساحل العاج، والمنتدى الإسلامي في بنين، ورابطة الدعاة البنينيين.

يمتلك المشروع الإخواني في موريتانيا، جامعة عبد الله بن ياسين التي يديرها محمد الحسن الددو، في سياق الاشتغال على الواجهة البحثية، وقد تم إغلاق مركز تكوين العلماء، كما قررت الحكومة سحب ترخيص الجامعة، كما رفضت منح التراخيص لأنشطة التنظيم الدعائية، ومن ذلك رفض طلب حصول التنظيم للحصول على ترخيص بتأسيس إذاعة للقرآن الكريم. كما أغلقت السلطات الموريتانية جمعية "الخير"، وفرع الندوة العالمية للشباب الإسلامي، المحسوبتين على تنظيم "الإخوان"، معلنة أنّ سبب الإغلاق خرق قانون تسيير الجمعيات في جوانب التمويل، وتسيير أموال الجمعية، واستخدامها، وغياب التصريح بمصادر التمويل، وكيفية صرف الأموال.

بدأت التيارات الإسلامية في موريتانيا مع تأسيس حركة الإصلاحيين الوسطيين في منتصف السبعينيات

وفي سياق التضامن الإخواني الإقليمي، أعلن الفرع المغربي للمشروع الإخواني في المنطقة، والمجسد بالتحديد في حركة "التوحيد والإصلاح" الإخوانية (رئيسها السابق، أحمد الريسوني، هو الرئيس الحالي "للاتحاد العالمي لعلماء الإخوان")، عن تضامنه مع المركز، مناشداً السلطات الموريتانية المبادرة إلى وقف هذه الإجراءات وتمكين المركز من "كافة الحقوق المشروعة لاستكمال مسيرته التربوية والعلمية والإصلاحية".

في المجال البحثي أيضاً، يعتمد التنظيم الخاص على وجوه قد تكون مقبولة جماهيرياً؛ بحجة أنّها ليست تابعة للتنظيم، على سبيل المثال: محمد مختار الشنقيطي، الذي ينفي عن نفسه كونه إخوانياً، رغم انتمائه لجماعة الإخوان تنظيمياً، منذ فترة وجوده في موريتانيا، كما أنّه كان من أعضاء التنظيم السري؛ حيث كان يوكل إليه التواصل مع بعض العناصر المتشددة في السودان، فيما يتولى حالياً النشاط الإعلامي، ويدير خلية "حركيو الإخوان"، ويعتبر من أهم الرموز الإخوانية التي تشتغل في التدوين الرقمي، ضد أنظمة المنطقة، باستثناء قطر، لأنه يقيم هناك.

ــ أما النشاط الخيري والاجتماعي، للإخوان هناك، فإن الذراع الحزبي للمشروع، يعتمد في دعم هذه الأنشطة على جمعية "المستقبل للدعوة والتربية والثقافة"، والتي تمثل الذراع الاجتماعي والخيري للحزب. وقد صدرت اتهامات متكررة، ورسمية عن الحكومة الموريتانية ضد إخوان موريتانيا، بمحاولة استغلال التراخيص الممنوحة للجمعيات والتنظيمات الخيرية التابعة لحزب "تواصل" لتسهيل الحصول على المساعدات والتمويلات الخارجية بهدف دعم أجندته السياسية. وبسبب ارتباطات الجمعية بالمشروع الإخواني، ووجود علامات استفهام حول مآل تلك الارتباطات، أغلقت الحكومة الموريتانية جمعية "المستقبل"، وصادرت ممتلكاتها، كما أغلقت الجهات الأمنية مستشفى "النور"، ومعهد "تكوين البنات"، التابعَين للجمعية.

بعد الاستحقاقات الانتخابية انكشفت تناقضات الدعاية الإخوانية مع الفشل بتمرير خطاب جديد قادر على استقطاب أتباع جدد

ــ وأخيراً، هناك المنظومة الدعائية، حيث يعتبر التنظيم المنظومة الإعلامية أحد أهم الأسلحة التي يمكن أن يتكئ عليها لمواجهة السياسات الحكومية المضادة لأنشطته، ويسيطر الحزب على عددٍ كبير من المنصات الإلكترونية والصحف مثل "الأخبار"، و"السراج". وتتبنى هذه المنصات الإعلامية سياسة معادية للنظام الموريتاني، خاصة في معرض التفاعل مع قضايا المنطقة، وفي مقدمتها القضايا الدينية والسياسية التي تتميز بحضور الورقة الإسلاموية. ويمتلك المشروع قناة تليفزيونية لتسويق برامجه.

من القواسم المشتركة بين إخوان موريتانيا، وإخوان المنطقة، تبني "البراغماتية"، حيث تقوم سياساتهم على عقد الصفقات، وتوظيف الدعاية السياسية بغرض الضغط على النظام السياسي للحصول على مزيد من المكاسب السياسية. ومن بين الأمثلة في هذا الصدد، مشاركة حزب "تواصل" في الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية فيما يقاطعون الانتخابات الرئاسية على الرغم من تشابه البيئة السياسية، ترجمة لاستراتيجية تقوم على مقاربة الفرص المتاحة التي تعتمد على أخذ ما هو متاح بدلاً من تركه، وكذلك التحلي بالصبر لتحقيق ما لم يدركوه في الوقت الحالي للحصول عليه مستقبلًا.

اقرأ أيضاً: مضاعفات التحرر من السياج الإسلامي الحركي

في سياق تبني هذه البراغماتية، تناغم الإسلاميون في موريتانيا مع موجة "الفوضى الخلاقة" شكَّلوا رأس حربة هذه الفوضى في موريتانيا ضمن تحالف واسع من المعارضة، وسرعان ما باء مسار الثورة بالفشل نتيجة عوامل، منها تصدي السلطة، وانعدام الثقة بين أطراف المعارضة فيما بينها، وتصارعها على تقاسم الثمرة المستقبلية لثورة لم تنجح، وتوجس الشارع من خيار الفوضى والعنف بسبب المشاهد العنيفة والنهايات المروعة لأحداث ليبيا ومصر وسوريا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية