خطوات متسارعة في لحظة استثنائية من عمر الشرق الأوسط

خطوات متسارعة في لحظة استثنائية من عمر الشرق الأوسط

خطوات متسارعة في لحظة استثنائية من عمر الشرق الأوسط


10/07/2025

في إجابة سؤال وُجّه أساسًا إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأحاله إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي أثناء اللقاء بالعاصمة واشنطن، حول حلّ الدولتين الذي يخلق دولة مستقلة، قال نتنياهو: "أعتقد أنّ من حق الفلسطينيين التمتع بكافة صلاحيات الحكم الذاتي"، بيد أنّه أوضح أنّ الصلاحيات التي تحفظ الأمن وتدرأ الخطر عن بلاده، "الأمن الشامل"، ينبغي أن تظل بيده وحده، كونهم لا يريدون الانتحار ويحبون الحياة، وكذلك دول الجوار، في إشارة واضحة إلى "الخطر الواحد" الذي يهدد المنطقة من الأذرع العقائدية لإيران، على حدّ قوله.

وتابع في الإجابة نفسها أنّ بلاده تترقب عقد اتفاقيات سلام مع دول الجوار في الشرق الأوسط، وقدرة بلاده على تحقيق ذلك مع كافة الجيران من خلال رعاية خاصة لإدارة الرئيس ترامب.

تفاهمات بين واشنطن ودمشق

وفي سياق متصل، تتواتر الأنباء حول اقتراب عقد لقاء يجمع الرئيس السوري أحمد الشرع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، برعاية الرئيس ترامب، لتوقيع اتفاقيات أمنية بين بلديهما.

واشنطن تسعى لعقد لقاء تاريخي بين الشرع ونتنياهو، في إطار تفاهمات أوسع تعيد ترتيب المشهد السوري وفق مصالحها ومصالح إسرائيل.

 

إلى ذلك، بيّن المبعوث الأمريكي توماس باراك في العاصمة اللبنانية بيروت أنّ الحكومة السورية الجديدة بدأت أولى خطواتها نحو فتح قنوات الحوار مع إسرائيل.

يأتي ذلك في وقت تتقدم فيه واشنطن بخطوات منتظمة لدعم السلطة الجديدة في دمشق، من خلال قرارات رفع العقوبات الاقتصادية، وكذلك رفع تنظيم هيئة تحرير الشام من قوائم التنظيمات الإرهابية، بهدف تثبيت أركان النظام وإدماج سوريا الجديدة في النظام الدولي.

في المقابل، تتحرك دمشق داخليًا من خلال تهدئة الأوضاع وإعادة تأسيس مؤسسات الدولة، غير أنّ ثمة ملفات ما زالت عالقة وساخنة، لا سيّما الأوضاع في شمال شرق سوريا، والمضي قُدمًا في تطبيع العلاقات بين "قسد" ودمشق، والاتفاق حول صيغة منطقية لتعويم القدرات العسكرية لقوات شمال شرق سوريا ضمن الجيش السوري، وكذلك الأوضاع في السويداء جنوب سوريا.

توماس باراك يصرّح من بيروت: دمشق بدأت فتح قنوات اتصال مع تل أبيب، والهدف تثبيت نظام جديد يتجاوز العقوبات والعزلة.

 

يقينًا، كان لافتًا هذا الزخم الذي بدا مطلع الأسبوع، مع نشاط مكثف في (3) عواصم مؤثرة وفعّالة في السياق السياسي المرتبط بواقع ومستقبل الشرق الأوسط، حيث شهدت أبو ظبي وبيروت وواشنطن زيارات سياسية تشترك جميعها في رسم ملامح مستقبل "سوريا الجديدة"، وديناميات الفعل السياسي خلال الأفقين المتوسط والبعيد اللذين يرتبطان بحدود التنافس والصراع في الشرق الأوسط.

خطوات متسارعة

كانت زيارة المبعوث الأمريكي إلى العاصمة اللبنانية بيروت تتصل مباشرة بورقة نزع سلاح حزب الله وتحييد قدراته العسكرية والميدانية بعيدًا عن مواجهة تل أبيب، وكيفية دمجه داخل قدرات الدولة اللبنانية بعيدًا عن الارتباطات الإيديولوجية والعقائدية لإيران.

إعادة تأهيل النظام السوري تمر عبر رفع العقوبات، وتحييد هيئة تحرير الشام، ودمج قسد في مؤسسات الدولة العسكرية تدريجيًا.

 

كما أنّ اللقاء الذي جمع نتنياهو بترامب في العاصمة واشنطن جاء متممًا لذلك التعاون النموذجي بين الإدارتين لتحقيق نفوذ تل أبيب في الشرق الأوسط كقوة رئيسية على حساب الخطر الإيراني، وربما في مواجهة لاحقة مع النفوذ التركي الذي يبسط هيمنته في شرق المتوسط عبر سوريا وليبيا.

كما أنّ ذلك كله يترقب محادثات الوساطة المصرية القطرية مع الجانب الإسرائيلي بشأن هدنة في قطاع غزة، إذ تتواصل المشاورات في الدوحة بين حركة حماس وتل أبيب دون نتائج حقيقية ملموسة.

بيروت، واشنطن، وأبو ظبي شهدت حراكًا دبلوماسيًا متزامنًا لرسم مستقبل سوريا الجديدة ضمن توازنات الشرق الأوسط المتغيرة.

 

الأمر الذي يتسق مع تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، الذي قال: إنّ المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل تتركز حاليًا على "إطار تفاوضي" للاتفاق، مشيرًا إلى أنّ المفاوضات "ستحتاج إلى وقت".

وأوضح الأنصاري، خلال مؤتمر صحافي في الدوحة، أنّ "ما يجري حاليًا هو أنّ الوفدين لا يتفاوضان بشكل مباشر بعد، بل نحن نجري محادثات منفصلة مع كل طرف حول إطار تفاوضي للمباحثات، لذا لم تبدأ المفاوضات بعد، لكننا نعمل مع الجانبين على تحديد ذلك الإطار".

يأتي مسار هذا التفاوض غير المباشر برعاية ووساطة مصرية قطرية، ينصبّ في الأساس حول كيفية الانسحاب العسكري الإسرائيلي من قطاع غزة ووقف إطلاق النار وتسهيل إجراءات دخول المساعدات، وبالطبع الإفراج عن الرهائن، بحسب المقترح الذي قدّمه مبعوث الرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف، بينما ينظر الجانب الإسرائيلي إلى هذه الخطوة باعتبارها الممر الذي يمكن من خلاله الحديث عن الحكم الذاتي بعد عزل قوة حماس العسكرية وفصل تهديداتها الأمنية عبر ضمانات محددة.

المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل في الدوحة تسعى لصياغة إطار تفاوضي، دون لقاءات مباشرة حتى اللحظة، وفقًا لقطر.

 

إذاً، ينبغي النظر إلى تفاعل الدول العربية في المنطقة، خاصة القاهرة والدول الخليجية، كونها تنخرط في قضايا وإشكاليات المنطقة عبر لحظة استثنائية من عمر الشرق الأوسط.

لكن من الصعوبة النظر إلى هذا الانخراط والاشتباك عبر الوساطات والتحركات السياسية المباشرة التي تسعى للمشاركة في صياغة ملامح المرحلة المقبلة وتشكيل القوى المؤثرة في الشرق الأوسط، خاصة في الدول المتاخمة لإسرائيل والمرتبطة سلفًا بالنظام الإيراني، لا سيّما غزة وسوريا ولبنان، من منظور واحد وأهداف واحدة.

انخراط الدول العربية يختلف باختلاف مقارباتها؛ فليست القاهرة كالدوحة، ولا أبو ظبي كبيروت، رغم تشابه الملفات والأهداف.

 

بالرغم من حضور اهتمام عربي مشترك بصياغة ملامح الغد في غزة وبيروت ودمشق، فإنّ الحقيقة الكاملة تشير إلى أنّ هذا الاهتمام والإدراك لا يأتيان من منظور واحد، ولا يمرّان عبر عتبة واحدة؛ إذ إنّ مقاربات العواصم العربية تختلف فيما بينها بقدر، وربما تتوزع بين ملفات المنطقة بحسب درجة التواصل والارتباط المباشر، لكن ربما دون تنسيق كامل فيما بينها.

سطوة الجغرافيا السياسية

في هذا السياق، تمارس الجغرافيا والأولويات الأمنية تأثيرها المباشر على مواقف الدول العربية، خاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر، صوب تلك الملفات العالقة التي ترتبط جميعًا بكون الطرف الآخر فيها إسرائيل، فضلًا عن كونه يحدد لاحقًا وفي أفق قادم منظور شكل التنافس والصراع على الهيمنة والحضور في الشرق الأوسط من خلال الجغرافيا الساخنة وبؤر التوتر التاريخية.

الجغرافيا السياسية تفرض أولوياتها؛ فدول الخليج ومصر لا تريد سوريا ساحة مفتوحة لإيران أو تركيا، بل دولة ذات سيادة.

 

ويبدو نحو ذلك أنّ الجميع يولي اهتمامًا رئيسًا بممارسة دور فاعل ومباشر لإعادة تعويم الدولة السورية وإعادة دمجها تدريجيًا في النظام الإقليمي، وعدم تركها داخل الحضور التركي، ومقاومة كافة العناصر التي عملت سابقًا لصالح النفوذ الإيراني، ممّا يعني أنّ جهودًا تتحرك صوب أن لا تقع سوريا في خندق الدولة الساحة التي يمر من خلالها التهديد وتصبح منصة عمل وهجمات.

إذاً، ثمّة مقاربة تسعى نحو دعم النظام الجديد لاستعادة بنية الدولة السورية ومؤسساتها العسكرية والأمنية، باعتبار ذلك شرطًا ضروريًا للاستمرار في سياق الدعم السياسي والمالي، وتحقق مستوى آمن لحالة التوازن الداخلي بين جميع المكونات السورية، وأن تدعم مؤسسات الدولة كافة هذا الهدف.

في المحصلة، تبدو كافة التحركات على خارطة  الأنشطة السياسية والدبلوماسية في القاهرة والدوحة وبيروت ودمشق ترتبط بشكل رئيس نحو مستقبل الشرق الأوسط.

المنطقة أمام مفترق طرق، حيث تختلط الملفات العالقة، وتتقاطع مصالح القوى، بينما يبقى الأمن الإقليمي هو القاسم المشترك.

لذا يبدو الأمر أكثر تعقيدًا وتشابكًا من أيّ وقت مضى، حيث تتقاطع مصالح القوى الإقليمية والدولية على هامش صراعات النفوذ وأولويات التوازن. 

وبينما تتحرك المبادرات والزيارات واللقاءات الرسمية والمفاوضات غير المباشرة والاتصالات  الرامية إلى إعادة صياغة ملامح النظام الإقليمي، تظل ثمة ملفات عالقة على تخوم بؤر التوتر من غزة إلى دمشق مرورًا ببيروت وصنعاء مرتبطة مرة  بمقاربات متباينة وأخرى عبر مصالح متعارضة، ومع ذلك كله فإنّ مشتركات الأمن  الإقليمي تعكس إرادة بينية لدى أطراف عديدة لتجاوز خطر هيمنة قوة واحدة على الجغرافيا الفاعلة في الشرق الأوسط.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية