
خلال منتصف عام 2025 شهدت بعض الدول تمدداً كبيراً لتنظيم داعش، حيث توسعت العمليات الإرهابية التي قام بها، وأجبرت الخصائص الجغرافية والاجتماعية والسياسية التنظيم على تطوير قدراته واستراتيجيته، التي تهدف لتقويض بعض الحكومات وإقامة خلافة إسلامية.
الانتشار والجغرافيا
من ناحية الانتشار والجغرافيا والعمليات وقدرة داعش، فإنّ عمليات داعش العراق وسوريا خلال نهاية النصف الأول لهذا العام زادت إلى ضعف ما كانت عليه في العام الماضي، وتزامن هذا مع إصدار الإدارة الذاتية في شمال سوريا مرسوم عفو عن المحكومين بجرائم إرهابية، وأفرج عن (1500) معتقل على دفعات. وقد طرح داعش استراتيجية جديدة للعمل في العراق وسوريا من خلال ما يعرف بالمديرية العامة للمحافظات، التي ضمت داخلها مجموعة من المحافظات باتجاه كامل المدينة والبلد وما يحيط بها، سواء ضمن سيطرته أم لا، التي يمتلك فيها التنظيم شبكات نشطة تحت مفهوم المحافظة "الولاية"، وتوسعت صلاحيات المحافظة لتشمل كامل المنطقة (البلد) بعد أن كانت مقتصرة على المناطق الداخلية ضمن نطاق سيطرته (محافظة بغداد، محافظة نينوى باتجاه كامل محافظة العراق)، وتعمل الولاية بالتنسيق مع عدد من المكاتب الإقليمية المترابطة مع بعضها البعض وهي: مكتب "الأرض المباركة، الكرار، الفرقان، الفاروق، أم القرى، ذو النورين، الصادق)، وهو هنا دمج ما بين المركزية واللامركزية.
شهد منتصف 2025 تصاعدًا خطيرًا في نشاط داعش، حيث أعاد التنظيم هيكلة نفسه، مستفيدًا من الانسحابات العسكرية والفوضى الإقليمية في العراق وسوريا.
وفق مصدر أمني عراقي خاص، حدد داعش من خلال هيكليته الجديدة استراتيجية طويلة الأمد من أجل النهوض من جديد، مستغلاً الاضطرابات التي تعيشها المنطقة، وكذلك انسحاب القوات الأمريكية المتوقع من العراق، الذي سيفقد القوات العراقية وكذلك قوات قسد في سوريا منظومة ISR للمراقبة والاستطلاع، وكذلك يفقدهم الغطاء الجوي، في وقت يعاني فيه الجيش من وضع سيّئ من حيث التجهيز والتسليح حتى بعد التدريبات الأمريكية، إضافة إلى السيطرة التي تملكها جماعات اللّا دولة، نافياً أن يكون عبد القادر مؤمن هو الزعيم الفعلي لداعش، مستنداً لمعلومات أمنية بأنّ زعيم التنظيم عراقي، وما زال على قيد الحياة.
وينتظر داعش خروج التحالف الدولي، ويدخر الجهود لتلك اللحظة، في الوقت الذي تتعاون مكاتبه الإقليمية لمنح تسهيلات للحركة والتدريب مع جماعات اللّادولة في العراق، لذا فهو في وضع خامل بعد العمليات التي تبعت حكم الإعدام على زوجة البغدادي، رغم أنّ عدد مقاتليه يتراوح بين (1000-1500)، وهذا عدد كبير جداً، سيواجه القوات العراقية في مجموعات متصلة ومنفصلة، لذا فقوات قسد في سوريا قلقة جداً من الانسحاب الأمريكي الذي سيتركها فريسة للأتراك وداعش والنظام السوري.
أطلقت داعش استراتيجية جديدة من خلال المديرية العامة للمحافظات، لدمج المركزية باللامركزية، وتوسيع نطاق عملياتها في المدن والضواحي المحيطة بها.
كما يعمل داعش الآن في منطقة الشام والعراق تحت اسم (سرايا الشام) التي ظهرت في أوائل شباط (فبراير) الماضي. وحسب بيانات التنظيم يُعرف "أبو عائشة الشامي" كقائد للتنظيم، و"أبو الفتح الشامي" مسؤول الإعلام الشرعي والتواصل، وهما غير معروفي الهوية.
وما تزال هوية "أبو عائشة الشامي" الحقيقية وغيره غير معروفة. وحسب المتابعة فإنّه قد يكون التنظيم من عناصر سابقة في هيئة تحرير الشام أو منشقة عنها. ومن قراءة بياناته، يعارض التنظيم بشدة إدماج أعضاء سابقين في حزب البعث بالوظائف الحكومية أو إعادة جنود وضباط الجيش السابق إلى وحدات الجيش الجديد. ويدعو إلى محاربة الحكومة الجديدة ويعلن "كفر" الرئيس السوري أحمد الشرع وكل من يعاونه من حكومته. ويتوعد الحكومة بالمواجهة العسكرية التي يصفها بأنّها قادمة و"حتمية". ومن العوامل التي تعزز وجود التنظيم وتسهم في انضمام المزيد من العناصر إلى صفوفه، تردي الأوضاع المعيشية وضعف الجهاز الأمني الحكومي إضافة إلى عدم إيفاء الحكومة بتعهداتها في تحقيق "العدالة الانتقالية"، وكذلك تخلي الحكومة عن تعهداتها في تحكيم الشريعة التطبيق الحرفي المتشدد عندما كانت تنظيماً.
التمدد في وسط آسيا وأفريقيا
وأمّا داعش خراسان، فهو يتمدد في إقليم زابول جنوبي أفغانستان حيث استقر الملا داد الله ومعه مئات من مقاتلي التنظيم، وأقاموا تحالفاً مع مسلحين من الحركة الإسلامية في أوزبكستان، وهي جماعة متطرفة أخرى تعهدت أيضاً بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، وحوّل التحالف زابول إلى أحد معاقل داعش، ويستوعب قيادات أجنبية، على رأسها زعيمه العراقي ثناء الله غفاري (30 عاماً)، ويستغل الجغرافيا الوعرة، والجريمة وأنشطة التهريب، والمزايدة على طالبان، وجذب المنشقين عن طالبان، وسوء الأوضاع المعيشية في التمدد، حتى وصل أعضاؤه إلى ما بين (4-6) آلاف مقاتل يتوزعون في (13) إقليماً، إضافة إلى شبكة -غير معروفة-من الخلايا النائمة التي قد تنشط في أيّ وقت.

و"داعش خراسان" وفق هيكلة التنظيم الجديدة يضم ولايات الاتحاد السوفييتي السابق وروسيا، ويظل نشاطه في إطار قوى اللّادول، داخل هذه الدول، والسيولة الحدودية، للاستمرار والتمدد وتشكيل الخطورة، على اعتبار أنّه أحد ولايات فرع الولايات البعيدة للتنظيم.
وبالنسبة إلى فرع داعش شرق أفريقيا، فقد سُلطت الأضواء عليه في حزيران (يونيو)، 2024، بعد تصريحات مسؤولين أمريكيين لشبكة (NBC News)، حول تنصيب عبد القادر مؤمن، قائد التنظيم في الصومال زعيماً (خليفة) للتنظيم العالمي، خلفاً للزعيم الرابع، أبو الحسن الحسيني القرشي الذي قُتل بإدلب في سوريا، في اشتباك مع هيئة تحرير الشام، في آذار (مارس)، 2023، ثم حول استهدافه بطائرة دون طيار، في ولاية بونتلاند، شمال شرق الصومال، في 31 أيار (مايو) الماضي، في محيط بلدة طادار (Dhaardaar)، في موقع يُبعد (81) كم تقريباً عن مدينة بوصاصو الساحلية، رغم أنّ هذه الرواية مشكوك في صحتها.
مع انسحاب أمريكي مرتقب، تستعد داعش لملء الفراغ، مستفيدة من انهيار قدرات ISR وغياب الغطاء الجوي عن القوات العراقية والسورية.
وينتشر داعش في بونتلاند بعد انتقال قيادات كبيرة في التنظيم العالمي ممّن يتواجدون في سوريا والعراق بحثًا عن ملاذ آمن، وفي قرية طادار، وضمن مجموعة أودية منها "سحن" و"جعيل" و"عرار"، في جبال علمسكاد، إلى الجنوب من مدينة بوصاصو التجارية في إقليم "بري"، في ولاية بونتلاند، في دولة الصومال الفيدرالية، كما يصل نفوذ التنظيم إلى مناطق الساحل في إقليم بري، ومنها مدينة قاندالا (Qandala) التي سيطر عليها التنظيم عدة أشهر في عام 2016، وهناك عدة أسباب لزيادة التواجد: الأزمة السياسية التي ما تزال تشهدها الصومال، وتزايد نشاط التهريب البحري الذي زود داعش بالأسلحة، وذلك عبر اليمن، ضمن شبكة تعمل في الصيد غير الشرعي وتهريب السلاح من اليمن، وتُعرف باسم "هافون ـ قاندالا". وتنشط في مناطق ساحلية تصلها أودية جبلية بمعاقل داعش، في شرق جبال علمسكاد، وكذلك وصول قيادات أجنبية من التنظيم العالمي، مطلع عام 2022، لحضور اجتماعات بشأن إعادة هيكلة قيادة داعش في الصومال، وذلك على متن قارب شراعي يملكه المُهرب سهل يوسف، وفق بيان وزارة الخزانة الأمريكية، ممّا أدخل تغيرات على تكتيكات التنظيم، مكنته من إيقاع الهزيمة بحركة الشباب في المعارك التي اندلعت بينهما، والعامل القبلي، حيث ينشط داعش في مناطق قبيلة "علي سليمان" التي ينحدر منها زعيمه عبد القادر مؤمن، وتوفر الأنشطة الاقتصادية التي تمكنه من تجنيد أفراد من جنسيات أخرى، خاصة الإثيوبية، حيث يقوم التنظيم باختطاف اللاجئين غير الشرعيين، القادمين من إقليم أوروميا في إثيوبيا، والذين يسعون لعبور خليج عدن إلى اليمن، ثم الانتقال إلى السعودية، ويدفع بهم إلى معسكراته في المناطق الجبلية، ويُقدم إليهم مغريات مثل التزويج والمال لإقناعهم بالانضمام إلى التنظيم وعدم الهروب.
تحت اسم "سرايا الشام"، ظهر فرع جديد لداعش يقوده "أبو عائشة الشامي"، ويتوعد الحكومة السورية بمواجهة مسلّحة ورفض "العدالة الانتقالية".
ومن المتوقع أن يتوسع التنظيم في عملياته ويصل إلى مدينة مقديشو لإثبات حضوره على الساحة الصومالية، وللترويج لقدراته على التواجد والعمل في مناطق تنشط فيها حركة الشباب، كما سيعمل على بناء قدراته وخلاياه في مدينة بوصاصو، لابتزاز مجتمع الأعمال في المدينة التجارية.
وهناك (3) فروع تقع في وسط وغرب أفريقيا: وهي ولاية أفريقيا الوسطى، وفرع موزمبيق، وفرع غرب أفريقيا، وهي تعتبر من أكبر مسارح عمليات تنظيم داعش في أفريقيا الآن، بعد أن نجح في تكوين وتشكيل شبكات له، باتت قادرة على تنفيذ عمليات إرهابية واسعة النطاق، وتحالف مع حركة الشباب الموزمبيقية، ولأنّه يقوم بعمليات شبه يومية الآن، ويستخدم طائرات مسيّرة كانت تستخدم أنظمة RF Technologies MCTECH الإسرائيلية، وكان الغرض من تلك الطائرات جمع المعلومات الاستخباراتية.
مع تصاعد عمليات التنظيم في 2025، يُتوقع أن تبلغ المخاطر ذروتها خلال عامين، خاصة مع استغلال أحداث غزة وتبنّي قضايا محلية.
وبالنسبة إلى داعش في الساحل والمغرب العربي، فهو ينشط في دول الساحل، ويعتبر هذا الفرع من أقوى فروع التنظيم. وتوجد مجموعة من المؤشرات الدالة على اهتمامه باستهداف منطقة المغرب العربي، وتشكيله بعض الخلايا الإرهابية النائمة داخل هذه الدول، مثل تفكيك خلايا نائمة في المغرب في 14 أيار (مايو) 2024، وتسلل عناصر إرهابية إلى الجزائر في 16 أيار (مايو) 2024، وتمكن السلطات التونسية من إلقاء القبض على عدد من العناصر الإرهابية المنتمين إلى تنظيم "جند الخلافة" الموالي لداعش في تونس، وانتشار المئات من العناصر المسلحة لداعش في مناطق البوليساريو.
مستقبل التنظيم والتمدد
يمكن من خلال سير العمليات في عام 2025 أن يتبين لنا التالي: نجح التنظيم بالسيطرة على بعض البلدات المُهمة، مثل بلدة موكوجو في موزمبيق. ومن الملاحظ أنّ التنظيم يحاول طوال الوقت توسيع عملياته والتمدد إلى دول أخرى مثل الكاميرون أو رواندا أو تنزانيا، كما أنّ داعش نجح في تشكيل روابط وشبكة علاقات مع جماعات محلية أبرزها: تحالف القوى الديمقراطية الذي ينشط في أوغندا والكونغو، ومع حركة الشباب الموزمبيقية، كما تبنّى التنظيم سياسة العمل مع البيئة الحاضنة والسكان المحليين، في مُحاولة لاستمالتهم.
خلايا داعش غرب أفريقيا باتت أكثر قدرة على تنفيذ عمليات واسعة، مستخدمة طائرات مسيّرة وأسلحة مهربة وتحالفات مع جماعات مثل "الشباب الموزمبيقية".
ومن المرجح أنّ مخاطر داعش خلال العامين المقبلين ستبلغ ذروتها، بعد أن بدأ التنظيم اختبار فُرص التمدد داخل المزيد من المقاطعات الموزمبيقية والكونغولية، وفي خراسان، وشرق أفريقيا، والتطلع إلى تأسيس مرتكزات لنشاطه في بعض دول الجوار لهذه الدول.
وهناك أسباب كثيرة لتمدد داعش مستقبلياً؛ أهمها أحداث غزة كقوة دافعة للاستقطاب والتجنيد، وعدم الرغبة لدى بعض الحكومات في التمييز بين الجريمة والإرهاب، والفشل التنسيقي العسكري بين بعض الدول في مجابهة التنظيم، والنهج العسكري الإقليمي غير المتكامل، وغياب فرص معالجة الفقر، وتبنّي داعش القضايا المحلية، وبعض القضايا الدينية والسياسية.