تمكّن تيار الإسلام السياسي من اختطاف الدين الإسلامي وتاريخ العرب والمسلمين، وتوظيفه أيدولوجياً لصناعة ثقافة كراهية الآخر المختلف عنه في الدين والمذهب والفكر؛ وقد ساعده في ذلك –تاريخياً- تحالفه مع بعض أنظمة الحكم، التي سمحت له بإعادة تشكيل وعي وثقافة المجتمع، وذلك لضرب الاتجاهات العلمانية المناوئة للطرفين: كالليبراليين واليساريين؛ حيث استطاع الإسلاميون بقيادة جماعة الإخوان المسلمين من السيطرة الممنهجة على التعليم ومؤسسات المجتمع الأهلي، مما ساهم في تشكيل وتعمييم ثقافة الكراهية من خلال استدعاء نصوص دينية ومواقف تاريخية، ونزعها من سياقها التاريخي وتوظيفها عبر خطاب متطرّف يستند على ترسانة فقهية وتراثية، تتضمن مفاهيم ومصطلحات نحتت علي يد فقهاء الدين في عصور مختلفة، تنص صراحة على كراهية الآخر المختلف عنها، من قبيل: البدعة والردة والزندقة والالحاد والكفر...الخ.
أدت سيطرة الإسلام السياسي إلى تماهي قطاعات واسعة من المجتمع، مع مشروع الأسلمة الذي ينطوي على استعلاء على الآخر يقود لكراهيته
وبذلك صنعت ماكينة الإسلام السياسي من خلال صياغتها لخطاب تضمن واستبطن هذه المفاهيم والمصطلحات، مكّنها من التسرب والتغلغل الى العقل الجمعي للمجتمع وإعادة تشكيل وعيه ولا وعيه، وحقنه بثقافة الكره والتعالي تجاه الآخر المسلم وغير المسلم، وكان لهذه السيطرة على المجال العام وفضائه، ومن خلال التحالفات القديمة والجديدة مع بعض نظم الحكم، أو من خلال استثمار غياب العدالة الاجتماعية والشفافية والتنمية الاقتصادية وقمع الحرية الفردية وتهميشها، الأثر الكبير في تسهيل مهمة خطاب الكراهية والتحاق شرائح واسعة من الفقراء ومتوسطي الدخل بجماعات الإسلام السياسي، فتشكّلت الحاضنة الاجتماعية والشعبية العريضة له، مما ساعده على أن يكون ظاهرة مسيطرة في أكثر من مجتمع عربي وإسلامي.
وقد أدت سيطرة الإسلام السياسي الحركي المنظم وغير الحركي، أو كل من يتبنى مشروع ما يسمى بـ "أسلمة المجتمع" من مؤسسات دينية رسمية أو شعبية أو دعاة مستقلين على الفضاء العام وشحنه بمفاهيم "الدولة الدينية " و" الخلافة" و "حكم الشريعة" و"أستاذية العالم" و "الإسلام دين ودولة "، و"أسلمة العلوم والمعارف" و"أسلمة الاقتصاد" ...الخ ، إلى تماهي قطاعات واسعة من المجتمع - بوعي أو بدون وعي- ومن شرائح حاصلة على تعليم عال وذات وضع اقتصادي جيد، مع مشروع الأسلمة الذي ينطوي على استعلاء وتفوق على الآخر يقود لكراهيته والنظرة الدونية له. لذلك لا نندهش من تساوق بعض مجتمعاتنا مع خطاب الإسلام السياسي؛ سواء الإخواني أو الجهادي، وذلك بفضل غسيل أدمغة الناس على مدى عقود على يد دعاة الأسلمة الحركيين والمستقلين؛ حيث يمكن أن نطلق على هذا التأثير ما يمكن تسميته "بالمجتع العميق".
سيطرت جماعات الإسلام السياسي بكافة أطيافها على منابر المساجد والمؤسسات التي تدير شؤون الجاليات المسلمة بالغرب لنشر خطاب الكراهية
وامتدّ أثر صناعة خطاب الكراهية إلى فضاءات وعوالم أخرى كعالم الغرب الأوروبي من خلال سيطرة جماعات الإسلام السياسي بكافة أطيافها؛ المتطرف منها في الظاهر؛ كالسلفية الجهادية، أو المتطرف المتستر بلحاف المؤسسات الدعوية والطلابية والخيرية والحقوقية كالإخوان المسلمون، والدعاة الجدد المستقلين، على منابر المساجد والمراكز والمؤسسات التي تدير شؤون الجاليات المسلمة، الأمر الذي ساهم في غربة واغتراب المسلم عن مجتمعه المهاجر إليه، والعيش في حالة من الفصام النكد، تمثلت في صراع وتمزق هوياتي بين انتمائه لمجتمع علماني يقوم على المساواة وحقوق المواطنة وسيادة القانون والحرية الفردية، وبين وعيه وانتمائه الديني الذي شكلته له جماعات ودعاة الإسلام السياسي، وفي نظري أنّ الدول الغربية تتحمل جزءاً من شيوع ظاهرة الكراهية؛ لأنّها سمحت لحركات الإسلام السياسي بحرية الحركة فيها؛ بل ووفرت الحماية لرموزها ودعاتها بحجة حقوق الانسان!!، أو لتوظيفها -أحياناً أخرى- لأغراض استخبارية لخدمة مصالحها الاستراتيجية في الداخل والخارج، وكانت نتيجة ذلك انفجار العنف المقدس في وجه هذه المجتمعات على شكل عمليات إرهابية دموية، استعدتْ الغربيين على الإسلام كدين وعلى المسلمين كجالية ترفض الاندماج أو العيش المشترك وفق قيم العلمنة الأوروبية. .
إن تمكن تيار الإسلام السياسي من اختطاف الدين لصالح أجندته المتمثلة في سراب ووهم "الدولة الدينية"، جعل وحش الكراهية يغزو مجتمعاتنا وعقول أفرادها؛ حيث اندغموا في مشروع المتأسلمين بوعي زائف ويقين دوغمائي مكّن هذا التيار من استباحة الفضاء العام لمجتمعاتنا والسيطرة عليه، وليس هناك من سبيل لإخراجه منه، إلا بتفكيك خطابه وإماطة اللثام عن الآليات والأدبيات التي يعمل بها، والكشف عن روافده التي يستقي منها قوته؛ سواء أكانت روافد فقهية تراثية ذات سياقات تاريخية خاصة بها لمراجعتها وتحليل مضامينها ومدى ارتباطها بمصالح الفئات التي أنتجتها واستفادت منها، أو مادية حياتية تتعلق بالبيئة الحاضنة له والمتمثلة في الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومعالجتها من خلال تحقيق التنمية الشاملة التي من أهم أركانها: العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وحقوق المواطنة والحرية الفردية؛ أي لا بد أن تتساوق المعالجة الفكرية المتعلقة بتفكيك خطاب الكراهية عند الإسلام السياسي والتعرف على أدبياته وروافده، مع المعالجة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تناغم وتكامل، وذلك لسحب البساط من تحت أقدام دعاة خطاب الكراهية لعزلهم عن حواضنهم وبيئتهم الاجتماعية التي اعتاشوا وما زالوا يعتاشون عليها.