مفهوم الجهاد عند حسن البنا... هل أفضى بالإخوان إلى ممارسة العنف؟

مفهوم الجهاد عند حسن البنا... هل أفضى بالإخوان إلى ممارسة العنف؟

مفهوم الجهاد عند حسن البنا... هل أفضى بالإخوان إلى ممارسة العنف؟


22/04/2024

يمثل مفهوم الجهاد أحد المفاهيم المركزية عند جماعة الإخوان التي يترتب عليها بعض النتائج الخاصة بأهدافها وممارساتها، وقد صاغ مؤسس الجماعة حسن البنا رؤية الجماعة لهذا المفهوم من خلال رسائله ومقالاته. فما هو مفهوم الجهاد وفق رؤية البنا، وهل أفضت تلك الرؤية إلى ممارسة الإخوان للعنف في حياته وبعد موته؟

رؤية البنا لمفهوم الجهاد

أفرد البنا للجهاد رسالة خاصة سمّاها "رسالة الجهاد"، تناول فيها تعريفه وحكمه وصوره وأهدافه، كما تناول في مواضع أخرى من رسائله ومقالاته، على نحو ما سنوضح لاحقاً، مسألة استخدام القوة كأداة من أدوات التغيير التي تتبعها الجماعة من أجل تحقيق أهدافها. والجهاد وفق رؤية البنا هو وسيلة مهمة وأداة رئيسية لإقامة الدولة الإسلامية الكبرى التي يسعى الإخوان إليها تحت مسمّى "الخلافة"، مع ملاحظة أنّ الوصول إلى تلك الدولة الكبرى يستلزم أوّلاً الوصول إلى الحكم في كل دولة قطرية إسلامية قبل دمجها فيما بعد في دولة واحدة، وبالتالي فإنّ ممارسة الجهاد تبدأ من داخل كل دولة، وقد تحدث البنا بالفعل عن إمكانية استخدام القوة من أجل التغيير والوصول إلى الحكم حال فشل الوسائل السلمية في ذلك، كما أنّ الجهاد وفق رؤية البنا يُعدّ وظيفة لتلك الدولة بعد إقامتها ووسيلة لها لنشر دعوة الإسلام في العالم لتحقيق هدف الجماعة الأخير الذي أطلق عليه "أستاذية العالم". يقول البنا في إحدى مقالاته: إنّ الجهاد هدفه "نشر العدل بين الناس وتبليغ رسالة الله، حتى لا يبقى في الأرض كافر واحد، وحتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله".

وقد استقى البنا نظرته تلك للجهاد من اجتهادات الفقهاء القدامى، واستشهد بالعديد من أقوالهم للتأكيد على فرضية الجهاد لنشر الدعوة وعدم اقتصاره على الدفاع فقط، فيقول في رسالة الجهاد: "وأحبّ أن أنقل إليك طرفاً ممّا قاله فقهاء المذاهب، حتى المتأخرون منهم، في أحكام الجهاد ووجوب الاستعداد، لتعلم إلى أيّ حدٍّ ضيعت الأمة الإسلامية أحكام دينها في قضية الجهاد بإجماع آراء المسلمين في كل عصر من عصورهم...،  قال صاحب (مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر) مقرراً أحكام الجهاد في مذهب الأحناف: الجهاد في اللغة بذل ما في الوسع من القول والفعل، وفي الشريعة قتل الكفار ونحوه من ضربهم ونهب أموالهم وهدم معابدهم وكسر أصنامهم، والمراد الاجتهاد في تقوية الدين بنحو قتال الحربيين والذميين إذا نقضوا، والمرتدين الذين هم أخبث الكفار، للنقض بعد الإقرار والباغين، بدءاً منّا فرض كفاية، يعني يفرض علينا أن نبدأهم بالقتال بعد بلوغ الدعوة وإن لم يقاتلونا، فيجب على الإمام أن يبعث سرية إلى دار الحرب كل سنة مرة أو مرتين، وعلى الرعية إعانته، وإذا قام به البعض سقط عن الباقين، فإذا لم تقع الكفاية بذلك البعض، وجب على الأقرب فالأقرب، فإن لم تقع الكفاية إلا بجميع الناس فحينئذ صار فرض عين كالصلاة"، ثم يقول معلقاً على ما استشهد به من آراء: "فها أنت ترى من ذلك كله كيف أجمع أهل العلم من مجتهدين ومقلدين، وسلفيين وخلفيين، على أنّ الجهاد فرض كفاية على الأمة الإسلامية لنشر الدعوة، وفرض عين لدفع هجوم الكفار عليها...، فوجب وجوباً عينيّاً لا مناص منه أن يتجهز كل مسلم، وأن ينطوي على نية الجهاد وإعداد العدة له حتى تحين الفرصة، ويقضي الله أمراً كان مفعولاً".

ملاحظات حول رؤية البنا للجهاد

1. حصر البنا مفهوم الجهاد في القتال، وهو نوع من أنواع الجهاد، وليس هو صورته الوحيدة، ويوضح ذلك الدكتور يوسف القرضاوي في كتاب (فقه الجهاد)، فيقول: "والجهاد ثلاثة أضراب؛ جهاد العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس...، وبهذا نرى أنّ كلمة الجهاد أوسع في المعنى من كلمة القتال"، وبذلك فالجهاد يتحقق بصور كثيرة، والقتال مجرد صورة منها، تتطلب شروطاً معينة. ويوضح الدكتور أسامة الأزهري في كتاب (الحق المبين) بعض صور الجهاد، فيقول: "الجهاد الذي شرعه الله هو شأن شريف نوراني، يتحقق بصور متعددة، فيكون بالقلب، وبالدعوة، وبالحجة، وبالبيان، وبالرأي والتدبير، وقد تتحتم الحاجة فيه إلى القتال عند الصراع فيكون بالقتال". 

2. تحدث البنا عن الجهاد الذي يستهدف نشر الدعوة "جهاد الطلب" على أنّه فرض كفاية، وأنّ ذلك هو رأي العلماء القدامى والمحدثين، ويرى بعض العلماء أنّ جهاد الطلب ليس فرضاً، لا فرض عين ولا فرض كفاية. ويوضح القرضاوي ذلك بقوله: "فقد وُجد من الأئمة من قال: إنّ الجهاد كان فرضاً على الصحابة وحدهم، كما حكى ذلك الحافظ في (الفتح)، وكما روى مسلم عن ابن المبارك في توجيه حديث "من مات ولم يغزُ ولم يحدث نفسه بغزو، فقد مات على شعبة من النفاق" أنّ ذلك كان من شأن الصحابة، وقال النووي: إنّ هذا محتمل، كما وُجد من الصحابة والتابعين والأئمة من قالوا إنّ جهاد الطلب تطوع لا فرض، كما نقل ذلك الإمام أبو بكر الرازي، وابن أبي شيبة وغيرهما، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، وعن عطاء وعمر بن دينار من التابعين، وعن ابن شُبُرمة وسفيان الثوري من الأئمة. نعم إنّ القول بأنّ الجهاد فرض كفاية هو قول الجمهور من فقهاء الأمصار، ولكنّ قول الجمهور ليس حجة ملزمة، إنّما الحجة في النص القاطع، وفي الإجماع المتيقن، ولم يوجدا"، وحديث القرضاوي هنا عن الجهاد الذي يستهدف أرضاً غير إسلامية بحجة نشر الدعوة فيها، أمّا الجهاد الذي يستهدف الدفاع عن الأرض حال الاعتداء عليها، فلا خلاف فيه، إذ هو قبل أن يكون فريضةً دينية فهو أمر فطري منطقي يقوم به كل صاحب أرض.

3. الجهاد وسيلة وليس غاية في حدّ ذاته، وغايته هي الهداية، فكما يرى الأزهري أنّه "إن أمكن ذلك بالعلم والمناظرة وإزالة الشبهة فهو أفضل، ومن هنا نأخذ أنّ مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء"، فالبنا يرى في الجهاد وسيلة ضرورية لنشر الدعوة وتبليغ رسالة الإسلام للعالمين باعتبار أنّ دعوة الإسلام دعوة عالمية، وهو بذلك متأثرٌ أيضاً بآراء الفقه القديم الذي نتج في واقع يختلف كليّاً عن الواقع الذي نعيشه اليوم، وهذا من مظاهر الأزمة التي يعيشها العقل العربي المسلم، من حيث تأثره بالتراث وتقديسه له وعدم تجديده بما يتناسب مع الواقع، فإن كانت تلك الصورة للجهاد لم يكن لها بديل في الماضي، فإننا لسنا بحاجة اليوم للغزو من أجل تبليغ رسالة الإسلام للعالم، مع وجود هذا التقدم العلمي الذي أزاح الحواجز بين الدول وجعل التواصل بين البشر يتم في سهولة وبشكل مستمر. يقول القرضاوي: "إنّ عصرنا هذا قد أتاح لنا أن نخاطب عقل الإنسان وقلبه في أنحاء العالم، بوسائل شتى: بالإذاعات الموجهة، والقنوات الفضائية، وشبكة الإنترنت، والرسائل المكتوبة بشتى اللغات...، فلسنا في حاجة إلى إعلان الحرب على القوى السياسية التي تحكم العالم، لأنّها لم تعد تستطيع أن تمنع إنساناً يشاهد فضائية، أو يسمع إذاعة، أو يدخل شبكة الإنترنت"، بل إنّ هذه الصورة الآن قد تُفضي إلى نتائج عكسية حين تعتدي على أرضٍ أخرى بهدف نشر دينك وأفكارك؛ فإنّ ذلك يثير الغضب لدى أصحاب الأرض ويشحذ هممهم لمقاومتك ويجعل العالم داخل دائرة صراع لا تنتهي. ويقول الأزهري أخيراً في ذلك: "فقد يصبح ترك القتال نفسه متحتماً لتحقيق المقصود الذي هو الجهاد".

الجهاد من التنظير إلى الواقع

لم يكن البنا رجل تنظير بقدر ما كان رجل تنظيم يسعى إلى تطبيق رؤيته وأفكاره ووضعها موضع التنفيذ؛ ولذلك عمل بعد أعوام من تأسيس الجماعة على إنشاء جهاز عسكري سُمّي بـ "النظام الخاص" من أجل تنفيذ تلك الرؤية، وقد مهّد لذلك ببعضٍ من التنظير الذي يشرح فيه خطوات ومراحل الدعوة من التعريف إلى التنفيذ، وتوضيح موقفه من استخدام القوة من أجل إحداث التغيير المنشود، فيقول في المؤتمر الخامس الذي عُقد في العام 1938، وهو غالباً وقت تكوين النظام الخاص، من خلال جوابه عن سؤال: "متى تكون خطواتنا تنفيذية؟ إنّه "في الوقت الذي يكون فيه منكم – معشر الإخوان المسلمين – ثلاثمئة كتيبة قد جهزت كلٌّ منها نفسها روحياً بالإيمان والعقيدة، وفكرياً بالعلم والثقافة، وجسمياً بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني أن أخوض بكم لُجج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار...، إنّي أُقدّر لذلك وقتاً ليس طويلاً، فأشعروا أنفسكم العبء، وألّفوا الكتائب، وكوّنوا الفرق، وأقبلوا على الدروس، وسارعوا إلى التدريب، وانشروا دعوتكم إلى الجهات التي لم تصل إليها بعد. ويوضح أنّه لا يقصد بمن سيقوم بهذه المهام أفراد الإخوان العاديين، فأعداد الإخوان كثيرة، ولكن هو يقصد أفراداً آخرين، أفراداً تمّت تربيتهم وتدريبهم بعناية، "وقد يظن من يسمع هذا أنّ الإخوان المسلمين قليل عددهم أو ضعيف مجهودهم، ولست إلى هذا أقصد، فالإخوان المسلمون والحمد لله كثيرون، ولكن أقصد إلى ما ذكرت أوّلاً من أنّ رجل القول غير رجل العمل، ورجل العمل غير رجل الجهاد، ورجل الجهاد غير رجل الجهاد المنتج الحكيم الذي يؤدي إلى أعظم الربح بأقلّ التضحيات"، فالبنا هنا يحدد شروط المرحلة الأخيرة في مشروعه وهي مرحلة التنفيذ التي حددها بأنّها التي تظهر بعدها ثمار عمل الجماعة، ويُفهم من ذلك أنّه يقصد الوصول إلى الحكم وإقامة الدولة المنشودة، وهذه الشروط هي امتلاك القوة المادية وتوافر الأفراد المدربين القادرين على استخدامها. ويوضح البنا في رسالة المؤتمر الخامس كذلك من خلال إجابته عن سؤال طرحه وهو: هل في عزم الإخوان أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غاياتهم؟ فيقول: "إنّ الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يُجدي غيرها"، وقد قام النظام الخاص في زمن البنا بالفعل بعدة أعمال استخدم فيها العنف والاغتيالات مثل اغتيال الخازندار، وأحمد ماهر، والنقراشي، واستخدام العنف في إطار الصراع مع حزب الوفد في منتصف الأربعينيات وغيرها، إلى أن تم حل الجماعة في عام 1948 على إثر اكتشاف وثائق تخص هذا الجهاز فيما عُرف بقضية السيارة الجيب، وذلك على الرغم من أنّ الهدف المعلن لذلك النظام هو محاربة الإنجليز، إلا أنّه كانت هناك أهداف أخرى تم التعرف عليها فيما بعد، منها اعترافات محمود عبد اللطيف الذي قام بمحاولة اغتيال عبد الناصر في المنشية بقوله في صدد الحديث عن أغراض النظام الخاص: إنّ "الغرض منه محاربة أعداء الدعوة الإسلامية".

وظلت رؤية البنا حول مفهوم الجهاد تنظيراً وممارسة هي الحاكمة لممارسات الجماعة فيما بعد، وحتى اليوم، فبعد سقوط الجماعة من الحكم، وفي إطار البحث عن سبل التعاطي مع الحدث وتداعياته؛ فإنّها لجأت عبر مجموعة منها إلى استخدام القوة بهدف محاولة إعادة الوضع إلى ما قبل 3 تموز (يوليو) 2013، وفي إطار ذلك قامت بتأصيل مسار القوة من الناحية الشرعية لإقناع أفراد الجماعة به، وكان من بين الوسائل المتبعة في ذلك دراسة تم نشرها تحت عنوان "فقه المقاومة الشعبية"، قامت الجماعة خلالها بالرجوع إلى أفكار البنا ورؤيته حول مفهوم الجهاد ومنهج التغيير واستخدام القوة على النحو الذي وضحناه، فجاء فيها أنّ "الانتقال للعمل النوعي لا يُعدّ تغييراً في منهج الجماعة، لكنّ المواقف تتغير، كما أنّ السلمية ليست من ثوابت الإسلام ولا الجماعة. وقد أفرد البنا رسالة خاصة للجهاد، وحدد للحركة الإسلامية متطلبات الجهاد في رسالة المؤتمر الخامس، قائلاً: في الوقت الذي يكون فيه معشر الإخوان ثلاثمئة كتيبة، كلّ كتيبة قد جهزت نفسها إيمانياً بالعقيدة وفكرياً بالثقافة وبدنياً بالرياضة عند ذلك طالبوني أن أخوض بكم لجج البحار وأتصدى لكل جبار عنيد". كما تحدثت الدراسة عن إمكانية استخدام القوة من جانب الإخوان، وبيّنت موقف البنا حين قال: "إنّ الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها"، ثم تحدثت عن موقف الإخوان فيمن يتم استخدام القوة ضدهم، فبيّنت أنّها غير قاصرة على المحتلين، بل تتسع لتقويم الحكومات الفاسدة، واستشهدت بقول البنا بخصوص التعامل مع الحكومات الرافضة لتطبيق الشريعة ولمطالب الإصلاح من أنّه "النصح والإرشاد، ثم الخلع والإبعاد".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية