كيف اعتمدت أوروبا على خطة إعداد وتدريب الأئمة والحد من التمويل الخارجي لمحاربة التطرف؟

كيف اعتمدت أوروبا على خطة إعداد وتدريب الأئمة والحد من التمويل الخارجي لمحاربة التطرف؟

كيف اعتمدت أوروبا على خطة إعداد وتدريب الأئمة والحد من التمويل الخارجي لمحاربة التطرف؟


21/03/2024

جدل كبير شهدته دول أوروبا، خلال السنوات الأخيرة، بين الأوساط الأمنية والسياسية، حول ملاءمة الإسلام لبيئتها، خصوصًا عقِب موجات الهجرة خلال عام 2015، بعد تهديدات الإسلام السياسي والجماعات الإسلاموية المتطرفة. 

وقد كان هناك شبه إجماع لدى الحكومات الأوروبية، خصوصًا في ألمانيا وفرنسا، على ضرورة أن تكون هناك معاهد وجامعات أوروبية تتولّى تدريب الأئمة وفق المعايير الأوروبية، نظرًا لأنّ ذلك يعد أفضل من استقدامهم من الخارج.

وترى الأوساط الأوروبية أنّ هذه الخطوة تساهم في الحد من التطرف بين أوساط الشباب المسلم الذي يعيش في أوربا، والذي يتأثر كثيرًا بخطاب الأئمة على المنبر، لكن يبقى التحدي أمام الجامعات والمعاهد الأوروبية، كيفية الموازنة ما بين الفقه والشريعة من جانب وما بين سلوكيات ومتطلبات المواطنة في المجتمعات الأوروبية، وذلك بحسب ما ورد في دراسة حديثة للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، بعنوان "محاربة التطرف في أوروبا: إعداد وتدريب الأئمة والحد من التمويل الخارجي".

مشروعات إعداد الأئمة في أوروبا

وبحسب ما جاء في الدراسة، فإنّ أغلب الأئمة الوافدين إلى أوروبا ينحدرون من دول ذات أغلبية مسلمة مثل تركيا والمغرب والجزائر ومصر وغيرها من الدول، والتي تنتشر بها بعض الأفكار والتوجهات المتشددة لبعض الأئمة فضلًا عن وجود بعض التوجهات السياسية، لذا تحرص دول أوروبا على أن تكون برامج تدريب الأئمة بعيدة عن التأثير السياسي. 

ورغم ذلك هناك الكثير من الانتقادات لبرامج استقدام الأئمة ويعود ذلك إلى النقص في إتقان اللغة وثقافة المجتمع المضيف والتي يمكن اعتبارها غير كافية للتواصل مع أجيال من المسلمين المولودين في أوروبا. 

تمويل برامج تدريب الأئمة في عدد من الجامعات الحكومية جزء من جهد أوروبي لدمج المسلمين والحد من توسُّع التطرف

هذا وتساهم بعض وسائل الإعلام، وفقاً للدراسة، في خلق صورة سلبية لما يسمى بـهؤلاء الأئمة والذين يطلق عليهم البعض “أئمة الاستيراد” وربطهم بالتمويل الأجنبي والتلقين العقائدي والتطرف بين الشباب. وعلى الرغم من أنه منذ السبعينيات كانت هناك مبادرات تعاونية مختلفة للمدارس الإسلامية في العديد من الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا والنمسا وألمانيا، لكن يبدو أنّ عددًا قليلًا من خريجي هذه الدول كان موفقًا في ممارسة مهنة الأئمة المتعلمين.

هل تستطيع أوروبا تدريب رجال الدين المسلمين لديها؟

هذا ولفتت الدراسة إلى أنّ إعلان بعض الدول الأوروبية منذ عام 2018 أنّها ستمول برامج تدريب الأئمة في عدد من الجامعات الحكومية هو جزء من جهد أوروبي أوسع لدمج المسلمين والحد من توسُّع التطرف والإرهاب من الداخل. 

وتسعى برامج تدريب الأئمة التي ترعاها الحكومات الأوروبية إلى معالجة مشكلة التطرف من جذورها، من خلال تدريب الأئمة على تعليم “الإسلام الأوروبي” والمقصود بالإسلام الأوروبي هنا هو التعايش السلمي وعدم رفض الآخر إلى جانب أركان الدين الإسلامي الثابتة.

 

كان هناك شبه إجماع لدى الحكومات الأوروبية خصوصًا في ألمانيا وفرنسا على ضرورة أن تكون هناك معاهد وجامعات أوروبية تتولّى تدريب الأئمة وفق المعايير الأوروبية

 

وعلى سبيل المثال، أُطلق في أوروبا أول برنامج لتدريب الأئمة في جامعة “أوسنابروك” بتمويل عام من الحكومة، ويتضمن دورات في اللغة الألمانية ورحلات ميدانية إلى البرلمان الألماني.  ويتعين أيضًا على طلاب برنامج الماجستير لتدريب الأئمة في جامعة ليدن الهولندية كتابة أطروحاتهم حول الإسلام ضمن سياق أوروبي. وتقدم الجامعة الكاثوليكية الفرنسية دورات في مواضيع علمانية مثل القانون والتاريخ والسياسة الفرنسية للأئمة الذين يدرسون في المسجد الكبير في باريس.

وقد انتقدت منظمات إسلامية بارزة البرامج التي ترعاها الدولة، ورفض اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية إرسال الطلاب إلى برنامج الجامعة الكاثوليكية، مفضلًا “إطارًا أكاديميًّا أكثر حيادية”. كما لم يرسل الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية، وهو أكبر منظمة إسلامية في ألمانيا، أي ممثلين إلى برنامج تدريب الأئمة في جامعة أوسنابروك الألمانية والسبب هو أنّ البعض يعتبر دعم الدولة مشكلة وليس حلًّاً.

هذا وأعربت عدة دول أوروبية عن قلقها إزاء قيادة الأئمة الأجانب وتمويل المساجد من مصادر خارجية، معتبرة أنّ هذا الوضع يعيق الاندماج، ويسمح للدول الأجنبية بممارسة النفوذ على المسلمين الأوروبيين أو حتى دفع التطرف. ولذلك فإنّ تدريب الأئمة لجعلهم مدركين للقيم الأوروبية “المحلية” كان محلَّ نقاش متكرر في العديد من المجتمعات الأوروبية.

أبرز مشروعات إعداد الأئمة في أوروبا

الدراسة ذكرت أنّ الحكومة الألمانية بدأت منذ عام 2018 بتنفيذ برنامج لتدريب الأئمة المسلمين في ألمانيا، وتنظيم مؤسسة تعليمية بدعم من وزارة الداخلية الألمانية. 

 أعلن الرئيس الفرنسي عن خطوة استباقية مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر 2020 تتعلق بإنشاء “المعهد العلمي لعلوم الإسلام”

يشارك في جمعية التدريب الجديدة عدة منظمات إسلامية بينها المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، وتقول وزارة ولاية ساكسونيا السفلى للعلوم والثقافة إن الخطة تتضمن “إنشاء جمعية مسجلة بالتعاون مع المنظمات الإسلامية ومجتمعات المساجد المهتمة بالبرنامج”. 

وأكدت أنّ خبراء الدراسات الإسلامية سيكونون جزءًا من الجمعية الجديدة. كما اقترحت الوزارة أنّ الطريقة يمكن أن “تطبق كنموذج” لتعليم الأئمة في أماكن أخرى. وأعدت الحكومة الألمانية مشروعًا يقترح ضرورة تعلم اللغة الألمانية إلى الأئمة القادمين من خارج ألمانيا قبل السماح لهم بدخول البلاد.

 

ترى الأوساط الأوروبية أنّ هذه الخطوة تساهم في الحد من التطرف بين أوساط الشباب المسلم الذي يعيش في أوربا والذي يتأثر كثيرًا بخطاب الأئمة على المنبر

 

كذلك، أعلن الرئيس الفرنسي عن خطوة استباقية مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر 2020 تتعلق بإنشاء “المعهد العلمي لعلوم الإسلام”، لتدريب أئمة وباحثين متخصصين في دراسة الإسلام والمعرفة الإسلامية الدينية. هذا وقد قدم أعضاء مجلس الديانة الوثائق التأسيسية للمجلس الوطني للأئمة، ليكون مسؤولًا عن إصدار الاعتمادات لأئمة المساجد والخطباء في البلاد أو سحبها منهم، إلى الرئيس إيمانويل ماكرون خلال اجتماع جمعهم.

هذا وشهدت بلجيكا أيضًا مشروع التدريب المستمر في “العلوم الدينية ـ الإسلام” الذي نظمته الجامعة الكاثوليكية في “لوفان” بين عامي 2007 و2015. وهنا، كانت الرغبة هي المساهمة في تطوير “فكر تأملي للإسلام على المستوى الجامعي” ويقوم على التقارب والتلاقح بين العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية، وليس مجرد تجاورهما، ويعتمد في تدريسه في جامعة لوفان الكاثوليكية (نظيرة لوفان الفلمنكية)، على الأساليب النقدية الحديثة، خاصة عند تناول النص القرآني.

الجهود الأوروبية لتجفيف مصادر تمويل التطرف

إلى ذلك، نجح المجلس والبرلمان داخل الاتحاد الأوروبي في 29 حزيران/يونيو 2022، في التوصل إلى اتفاق مؤقت بشأن تحديث لائحة الاتحاد الأوروبي بشأن المعلومات المصاحبة لتحويل الأموال. وذلك في إطار خطتها لتجفيف مصادر تمويل التطرف، وتفرض القواعد الجديدة التزامًا على مقدمي خدمات الأصول المشفرة بجمع معلومات معينة وإتاحتها لمرسلي ومستفيدي عمليات نقل الأصول المشفرة التي يديرونها من أجل ضمان تتبع عمليات نقل الأصول المشفرة والتمكن من تحديد المعاملات المشبوهة المحتملة بشكل أفضل وحظرها.

وقد لفتت الدراسة إلى أنّ المجلس الأوروبي وافق في 7 كانون الأول/ديسمبر 2022، على تشريعين رئيسيين في كتاب قواعد الاتحاد الأوروبي المعزز لمكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، وأنّ واعتمادها يجعل القواعد الجديدة غسل الأموال القذرة في أي مكان في الاتحاد الأوروبي أكثر صعوبة. 

هناك الكثير من الانتقادات لبرامج استقدام الأئمة ويعود ذلك إلى النقص في إتقان اللغة وثقافة المجتمع المضيف

اللائحة تعمل على تقييد إخفاء الهوية لتداول الأصول المشفرة، ويكون جميع مزودي خدمات الأصول المشفرة ملزمين بإجراء العناية الواجبة على عملائهم للمعاملات التي تصل إلى 1000 يورو أو أكثر. هذا يعني أنّه سيتعين على مقدمي الخدمة التحقق من الحقائق والمعلومات حول عملائهم. 

هذا وتوصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مؤقت بشأن شفافية تحويلات الأصول المشفرة خلال شهر حزيران/يونيو 2022، وهو ما يجعل من الصعب على المجرمين إساءة استخدام العملات المشفرة لأغراض إجرامية. 

 

أغلب الأئمة الوافدين إلى أوروبا ينحدرون من دول ذات أغلبية مسلمة مثل تركيا والمغرب والجزائر ومصر وغيرها من الدول

 

وتوصل المفاوضون من رئاسة المجلس والبرلمان الأوروبي إلى اتفاق مؤقت بشأن اقتراح تحديث قواعد المعلومات المصاحبة لتحويلات الأموال من خلال توسيع نطاق تلك القواعد لتشمل عمليات نقل الأصول المشفرة.

وانتهت الدراسة إلى أنّ تركيز الاتحاد الأوروبي على تمويل الإرهاب، قد تراجع لكن التهديد لم يتلاشَ، لذا ينبغي أن تكون مكافحة تمويل النشاط الإرهابي في صلب الاستجابة الأمنية رغم ما حققته أجهزة الاستخبارات الأوروبية من النجاحات في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف. 

وقد استجاب الاتحاد الأوروبي في البداية لهذه الأحداث بنشر “خطة عمل لتعزيز مكافحة تمويل الإرهاب” في عام 2016، والتي ركزت على موضوعين رئيسيين: أولًا، حول كيفية اكتشاف ومنع المنظمات الإرهابية وداعميها من نقل الأموال والتأكد من استخدام أي تحركات مالية لمساعدة أجهزة إنفاذ القانون في تعقب الإرهابيين ومنع الجرائم. وثانيًا، كيفية تعطيل مصادر إيرادات المنظمات الإرهابية من خلال استهداف قدرتها على جمع الأموال في المقام الأول. 

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية