
لقد أغرت دعوة الإخوان لإقامة “الخلافة الإسلامية”، ومن ثم توليهم أمر دين جميع المسلمين ودنياهم، بالإضافة إلى تطبيق نظرية استمرار الجهاد إلى يوم القيامة، وما يستتبع لهم ذلك من الغنائم، كل الجهاديين بطريقة جعلت كل الجماعات الإرهابية، ذات العقلية الإخوانية، تحاول التفوق على بعضها بعضًا بالمزيد من العنف ونشر الخوف والرعب في المجتمعات.
وقد باتت العلاقة الأيديولوجية بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم “القاعدة” جزء من علاقة الإخوان بكل التنظيمات الإسلاموية العنيفة في العالم، وفقا لما توصلت لها دراسة حديثة نشرها مركز "تريندز للبحوث والاستشارات"، بعنوان "العلاقة بین أيديولوجية الإخوان المسلمين وتنظيم “القاعدة”".
وشددت الدراسة على أنه لا يوجد فرق كبير بين “الإخوان” وسائر الجماعات “السلفية الجهادية”؛ حيث إن الفريق الأول يرى أن الأنظمة الرسمية ظالمة ومعتدية على حق الله تعالى، فيما ترى “السلفية الجهادية” هذه الأنظمة كافرةً أو مرتدةً، ويؤدي كلا النهجين إلى نتيجة واحدة، تتجلى عادة في الرغبة في الإطاحة بالحكومة ومؤسسات الدولة.
الأبعاد الفكرية العامة بين الإخوان المسلمين وتنظيم “القاعدة”
هذا وأكدت الدراسة أن الإخوان المسلمون يمثلون السلفَ الأيديولوجي لجميع مؤسسي “القاعدة”. وعلى الرغم من الاختلافات القائمة بين “الإخوان” و”القاعدة” في استراتيجيات المواجهة العامة، فإن أوجه التشابه تفوق بكثير الاختلافات بينهما؛ نظرًا لاشتراكهما في الاستناد إلى أيديولوجية المُنظِّر الإخواني، سيد قطب ونظرياته، في إقامة دولة إسلامية عالمية تحكمها الشريعة الإسلامية.
ويُعد عمل “الجماعة”، وفقا للمركز، بمنزلة جسر يربط بين الإسلاميين الشباب، بصرف النظر عن اختلاف توجهاتهم الثانوية بين المتشدد والأكثر تشددًا فيما يتعلق بالعمل الجهادي؛ بدليل ما كتبه القرضاوي عن أن جماعة الإخوان المسلمين “ليست فقط أكبر حركة إسلامية، لكنها أم كل الحركات الإسلامية”. ولذلك، “فإن دور “الجماعة” كجسر للمنظمات الجهادية أكثر وضوحًا في علاقاتها بتنظيم “القاعدة”.
تأكيدا لذلك، استندت الدراسة على أمثلة أبرزهم أن کل الذین أسسوا تنظيم “القاعدة”، أو نفذوا عمليات إرهابية كبرى حول العالم، بشکل مباشر أو غیر مباشر، کانوا في الأصل أعضاء في جماعة “الإخوان”، بمَن في ذلك أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وعبدالمجيد الزنداني، وخالد الشيخ محمد (العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر). وخلصت إلى أن جماعة “الإخوان” تتبنى عمومًا تشدد “القاعدة” وهجماتها على أمريكا وأيديولوجيتها.
العلاقة التأسيسية
إن علاقة “الإخوان المسلمين” بتنظيم “قاعدة الجهاد” ممتدة ومستمرة؛ فمؤسس التنظيم، أسامة بن لادن، كان من الإخوان المسلمين”، وكذلك زعيمه الثاني، أيمن الظواهري، كان هو الآخر من “الإخوان”، منذ أن كان عمره خمسة عشر عامًا، وقد سافر إلى أفغانستان بناء على طلب “الإخوان”.
ووفق ما أوردته الدراسة فإن تسمية هذا التنظيم باسم “القاعدة” كانت من قِبل “الإخوان”، عندما نسّق عبدالله عزام، أحد قيادات الإخوان، (فلسطيني)، بالتنسيق مع أسامة بن لادن، باستخدام قاعدة البيات المسجلة للمجاهدين العرب في “مكتب خدمات المجاهدين” (أسسه عزام عام 1982 لاستقبال شباب العرب الراغبين في قتال الروس في أفغانستان)، لتأسيس تنظيم “قاعدة الجهاد”؛ ما يعني أن العلاقة بين “الإخوان” و”القاعدة” ليست على مستوى الأفكار التي يؤمن بها كلا التنظيمين، ولكن علاقة عضوية وتنظيمية.
المرتكزات الفكرية بين “الإخوان” وتنظيم “القاعدة”
تمثل الدعوة لقيام حكم ديني في العالم الإسلامي، “الخلافة”، مرتكزًا أساسيًّا بين أتباع “الإخوان” و”القاعدة”، حيث “يزعمون أن الخلافة أمر عقَدي، وأن التقصير في القيام بها معصية؛ فأباحوا القتل وسفك الدماء باسم الله من أجل إقامته، حيث ادَّعَوا أن منصب الخليفة فرض على المسلمين كافة”.
باتت العلاقة الأيديولوجية بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم “القاعدة” جزء من علاقة الإخوان بكل التنظيمات الإسلاموية العنيفة في العالم
وقد نادى بها المرشد حسن البنا، في رسالة المؤتمر الخامس، حين قال: “الإخوان المسلمون يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس منهاجهم”، وأن “الخلافة إنما تقوم لوراثة النبوة”. يقود ذلك إلى الطعن في مشروعية الحكومات القائمة؛ باعتبار أنها لا تعمل على تمكين الدين، وهو الأمر الذي يعطي المبرر لتكفيرها والخروج عليها. ولذلك، أسس عبدالله عزام وأسامة بن لادن الإطار الفكري لتنظيم “القاعدة” على فكرة “الطليعة المؤمنة” التي تحدث عنها سيد قطب، حيث نادى بإعدادها عبر ثماني مراحل حتى تصبح “القاعدة الصلبة” للتغيير.
كما تشترك الجماعة مع “القاعدة” في إضفاء المشروعية على ما يعرف بالعمليات الانتحارية/ الاستشهادية، التي صارت الأداة الأكثر فتكًا التي تستخدمها التنظيمات الجهادية ضد المسلمين وغيرهم، ممثلة بفتوى مُنَظِّر الإخوان، يوسف القرضاوي، في كتابه “فقه الجهاد”، وبتأكيده أن “تفجير المجاهدين المسلمين أنفسهم ضد المحتلين مقاومة شرعية، ومن أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله”.
وفيما يستند الإخوان في مشروعية العمليات الاستشهادية/الانتحارية إلى ما يسمونه “الفقه المقاصدي”، فإن الأسس النظرية للعمليات الاستشهادية/الانتحارية لدى “القاعدة” تُعد من “النوازل المعاصرة”، التي لم تكن معروفة في السابق بطريقتها الحالية اليوم، مع تأكيد “عدم الالتفات لمن يخالفهم الرأي، بما في ذلك جواز قتل الرهائن للتفرغ لقتال خاطفيهم”.
ومن المرتكزات الفكرية أيضا بين التنظيمين، بحسب الدراسة، نجد مفهوم المواطنة، إذ ينظر إليها على أنها رابطة وعلاقة اجتماعية داخل الوطن، قائمة على الاعتراف بكرامة الفرد، واحترام حقوقه الإنسانية، على أساس مبدأ المساواة
ويرى الإسلامويون هدم الدولة المعاصرة، ومحو كل معاني المواطنة، غايةً إيمانية يُتقرب إلى الله تعالى بها. فالدولة، من منظور “الإخوان” و”القاعدة”، هي الصنم الذي تناقض سيادته حاكمية الله؛ فـ”الإسلام”، من منظورهما، هو الوطن الذي يتجنَّسون به.
والإسلام بوصفه وطنًا يمتد إلى جميع بقاع الأرض، فهو دولة بلا حدود جغرافية. ولذلك، يشترك “الإخوان” مع “القاعدة” وأخواتها في النظرة لمفهوم “المواطنة” والعلاقة مع الآخر غير المسلم؛ فجميع تلك التنظيمات تنادي بأُخوة العقيدة التي تتجاوز المواطنة، وترى أن وطن المسلم هو دينه.
ترتكز أيديولوجية “الإخوان” و”القاعدة” في تحديد مفهوم “المواطنة” على فكر سيد قطب، الذي يرى أن مفهوم المواطنة المعاصرة مثال للكفر البواح.
إلى ذلك، فإن استخدام “الإخوان المسلمين” للتكفير وإقصاء المنافسين هو وليد المنهج الذي وضعه المؤسس حسن البنا، ونظَّر له سيد قطب في كتابه “معالم في الطريق”، حيث كان له أكبر الأثر في نفوس قادة الحركات الإسلاموية بمختلف مسمياتها.
العوامل المؤثرة في تأصيل علاقات الإخوان المسلمين مع “القاعدة”
وبخصوص العوامل المؤثرة في تأصيل العلاقات بين الإخوان وتنظيم “القاعدة”، لفتت الدراسة إلى "وحدة الهدف"؛ أي أن جماعة “الإخوان المسلمين” وتنظيم “القاعدة” هما في الواقع أهم جماعات العنف الإسلاموي التي تحاول إعطاء أيديولوجيتها مظهر امتلاك أفكار ومفاهيم. وبالتالي، فهما ليسا عدوين، وليست هناك خلافات أو صراعات أيديولوجية بينهما؛ لأن “الإخوان” لم تتخل عن هدف الحكم الإسلامي وخلط السياسة بالدين.
التنظيمان يتفقان أيضا في منهجية إعادة “الخلافة”، بينما ينحصر الاختلاف بينهما في الأساليب والتكتيكات، من حيث تمسك “الإخوان” بالفلسفة الميكيافيلية التي تقول إن الغاية تبرر الوسيلة، فيما تُعد أساليب “القاعدة” في ممارسة العنف المبني على الدين أكثر وضوحًا.
تسمية هذا التنظيم باسم “القاعدة” كانت من قِبل “الإخوان” عندما قام عبدالله عزام أحد قيادات الإخوان بالتنسيق مع أسامة بن لادن
لكن جماعة “الإخوان” تعمل بالتوازي، بدلًا من العمل الجماعي، بمعنى أن أعضاءها يدعمون بعضهم بعضًا في البلاد المختلفة، دون أي التزام بسياسة محددة على المستوى الداخلي، فيما تعمل “القاعدة” على إنشاء تنظيم إسلامي دولي؛ للالتزام بالصراع المسلح باعتباره الاستراتيجية المناسبة الوحيدة.
هذا وخلصت الدراسة إلى أن الرابط الأهم والأوثق بين كل التنظيمات الإسلاموية العنيفة، خاصة بين “الإخوان” و”القاعدة”، هو وحدة الهدف فيما بينها، وأن جوهر المناقشة لا يدور حول الغايات، بل حول الوسائل التي يمكن من خلالها تحقيق الهدف الأعظم، المتمثل في الحكم الديني في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وعبر الاستخدام الأداتي للدين، تحت شعار العمل على استعادة ما تسميه تلك التنظيمات “دولة الخلافة”.