
أدرك الإخوان أنّ منظمات العمل المدني والأهلي تُعدّ قطاعاً شديد الأهمية في النظم والمجتمعات الحديثة، لأنّها تمثل قنوات الربط بين الفئات الاجتماعية المختلفة، ومن ثمّ قررت الجماعة اختراق تلك المساحة الموجودة بين الدولة والمجتمع، وممارسة دور الدولة لتحقيق الانتشار والهيمنة.
وعليه، بدأت خطة التمدد الإخواني داخل منظومة العمل الأهلي والمدني في مصر، عن طريق استغلال تراجع دور الدولة في هذا المجال، وضخ أموال التبرعات، والأوعية المالية للجماعة وتدويرها في أنشطة تجارية مربحة، مع إنفاق جزء من هامش الربح على العمل الخيري.
ومنذ لحظة التأسيس أدركت الجماعة أهمية العمل الأهلي، فتأسّست جمعية الإخوان المسلمين في العام 1928م تحت غطاء ديني ودعوي، بزعم مواجهة الأخلاق الغربية التي انتشرت في المجتمع المصري حينئذ، ومواجهة حملات التنصير، ممّا يلقي الضوء على الطبيعة الطائفية للجماعة.
ومنذ السبعينيات، ونتيجة لسياسات التحول الاقتصادي، نجحت جماعة الإخوان المسلمين في توظيف أوعيتها المالية لخدمة أغراض الانتشار الاجتماعي، خاصّة في المناطق الفقيرة، وبذريعة دعم المقاتلين الأفغان تكونت شبكة من الأنشطة الاقتصادية المعقدة في الداخل والخارج، وتنوعت أنشطة الجمعيات التابعة للإخوان المسلمين، والتي اختصت باحتكار العمل الأهلي في قطاعات حيوية، أبرزها: القطاع الصحي، وقطاعات التعليم المختلفة بجميع المراحل، وهو ما استفاد منها الإخوان في كل الاستحقاقات الانتخابية، بفضل استراتيجية التجنيد عبر تقديم المساعدات المالية والعينية للطلاب غير القادرين، خاصّة في الجامعات.
ونشطت الجمعيات الإخوانية في مجال الأغذية وسلال الأطعمة، وهيمنت الجماعة بفضل ذلك على مناطق واسعة في صعيد مصر، كما نجح الإخوان في السيطرة على الجمعية الشرعية، حيث تمكنت من اجتذاب العديد من عناصرها، وعلى رأسهم الشيخ سيد سابق، عضو مكتب الإرشاد. ومع الوقت، تحولت مجلة الاعتصام التي تصدرها الجمعية إلى منبر إعلامي إخواني، بعد أن أصبح محمد أحمد عاشور، وهو قيادي إخواني، رئيساً للتحرير، وهيمنت الكوادر الإخوانية على معاهد إعداد الدعاة التابعة للجمعية الشرعية، ومع الوقت أصبح كل المحاضرين من عناصر الجماعة، كما سيطر الإخوان على المشروعات الخاصّة بالجمعية، وأبرزها مشروع كفالة اليتيم، الذي كان يديره الإخواني رضا الطيب.
وقد مكّن مشروع كفالة اليتيم جماعة الإخوان من الانتشار في الأحياء الفقيرة، وبين الطبقات الأكثر احتياجاً، ومع مطلع التسعينيات كان المشروع يغطي نحو (18) محافظة مصرية، وفق خطة محكمة للاستقطاب والتجنيد، واتجه الفقراء صوب هذه الجمعيات التي ساومتهم بحيث أصبحت المساعدة مقابل دعم الجماعة.
وعبر الإخوان إلى قطاعات متعددة في المجتمع المصري، وانتشرت أذرع الإخوان في كل محافظات مصر، وتمدّدت الشبكة الاجتماعية للتنظيم، عبر الغطاء الخيري، مع صعود الترويج لنظام المعاملات الإسلامية، كما هيمن الإخوان على عدد كبير من المساجد التي أصبحت مقرّات لعملية توزيع أموال التبرعات، ومع الوقت أصبح هناك عدد ضخم من الجمعيات والأفرع والمساجد التابعة لهم، الأمر الذي يفسر إلى حد كبير النجاح الانتخابي للجماعة بعد أحداث الربيع العربي.
بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) العام 2011، توسعت الجمعيات الإخوانية في أنشطتها بشكل لافت، واتسع نشاط الإخوان المسلمين في العمل الأهلي، ووصل عدد الأسر المشمولة برعاية قسم البرّ التابع للجماعة في محافظة الإسكندرية إلى ما يقرب من (35) ألف أسرة، قوامها نحو (140) ألف فرد، وهو أيضاً ما يفسر هيمنة الجماعة على صناديق الانتخابات، حيث كان قسم البرّ يضم أكثر من (75) جمعية خيرية على مستوى محافظة الإسكندرية بعد ثورة كانون الثاني (يناير)، في حين أنّه كان قبل الثورة يضم (28) جمعية فقط.
وفي المجال الصحي قدمت مؤسسات جماعة الإخوان الطبية في العام 2010/ 2011 الرعاية الطبية لقرابة (1.5) مليون حالة، وفي العام التالي سيّرت الجماعة قوافل طبية قدمت خدماتها لقرابة (1.75) مليون حالة أخرى، في حملة "معاً نبني مصر". وعلى الرغم من أنّ الجماعة كانت في الحكم فعلياً، لكنّها دشنت هذه الحملات بشكل مستقل بها، بعيداً عن مؤسسات الدولة التي عملت الجماعة على تهميشها وتراجع أدائها.
الجمعية الشرعية طوَّرت نشاطها بعد سقوط نظام مبارك، ووصل عدد معاهد إعداد الدعاة إلى (62) معهداً، يشرف عليها رجال دين أزهريون معظمهم إخوان، مع تقديم خدمات طبية بأسعار رمزية عبر المراكز الطبية، مثل: مستشفى الأطفال المبتسرين، ومركز غسيل الكلى، وتقديم عون مادي بعد الكشف.
بالتزامن مع ذلك، مارست هذه الجمعيات دوراً تعبوياً كبيراً لصالح جماعة الإخوان، وأعلنت الجمعية الشرعية دعمها للمرشح الإخواني محمد مرسي في الانتخابات الرئاسيّة، وكان وجود الجمعيات الإخوانية في القرى يمنح الإخوان قوة دفع هائلة، وظهر ذلك بوضوح في الاستحقاقات الانتخابية، فقد حصلت تلك الجمعيات على حق المشاركة في مراقبة الانتخابات، وقامت بتوجيه الناخبين وحشدهم لصالح مرشحي الإخوان المسلمين في كل الاستحقاقات، الأمر الذي دفع رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إلى التأكيد على أنّ "معظم هذه الجمعيات أنشئت لغرض انتخابي، وأنّ انتشارها، وخريطة توزيعها، جاء لهذا الهدف"، مطالباً وزارة الشؤون الاجتماعية بتكثيف رقابتها على تلك الجمعيات خلال الانتخابات. كما أكد القائمون على مركز القاهرة للدراسات القانونية أنّ المركز خلال مراقبته عملية الاستفتاء على الدستور، والانتخابات البرلمانية الأولى بعد ثورة كانون الثاني (يناير)، سجل عدة تجاوزات من الجمعيات المحسوبة على التيار الإخواني، بشكل مباشر وغير مباشر، للتأثير على أصوات الناخبين.
وعليه، ظهر الدور الكبير الذي لعبته تلك الجمعيات في تجنيد وحشد وتوجيه الأصوات عبر كافة المراحل الانتخابية، بابتزاز الفقراء عن طريق تقديم المساعدات، وأصبحت الجماعة تعمل في هذا القطاع وفق مبدأ: "التصويت الانتخابي مقابل الغذاء"، الأمر الذي فرّغ العملية الديمقراطية من مضمونها، وأعاق التطور السياسي في فترة ما بعد الثورة، ليس هذا فحسب، وإنّما جاء بشخصيات غير مؤهلة لمناصب سياسية، وهو ما تجلى بوضوح في برلمان الإخوان الذي كان مثالاً للتندر والسخرية من قبل المواطنين والإعلام.