
في عملية أمنية دقيقة أعلنت الأجهزة الأمنية الأردنية في مدينة العقبة، السبت 5 تموز (يوليو) 2025، إحباط محاولة تهريب وثائق ومستندات من مقر تابع لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة.
العملية، التي شهدت تورط نائب برلماني وأشخاص آخرين، كشفت عن نشاط غير قانوني داخل شقة مستأجرة، ممّا أثار تساؤلات حول استمرار تحركات الجماعة رغم الحظر الرسمي المفروض عليها في نيسان (أبريل) 2025. وتُعدّ هذه العملية جزءًا من جهود الأردن المستمرة لتجفيف منابع النشاط غير القانوني المرتبط بالجماعة، في سياق يعكس تصميم السلطات على الحفاظ على الأمن الوطني واستقرار المجتمع.
تفاصيل العملية الأمنية
وفقًا لمصدر أمني تحدث لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، بدأت العملية مساء الجمعة، 4 تموز (يوليو) 2025، عندما قرر مدعي عام العقبة تفتيش موقع في المدينة بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة. وكانت الأجهزة الأمنية قد وضعت الموقع، وهو شقة داخل إحدى العمارات، تحت المراقبة المكثفة بعد الاشتباه في استخدامه من قبل جماعة الإخوان المسلمين المحظورة لممارسة أنشطة غير قانونية. وخلال مراقبة الموقع لاحظت الأجهزة الأمنية نشاطًا مريبًا من قبل مجموعة أشخاص، بينهم النائب عن حزب جبهة العمل الإسلامي، حسن الرياطي، ممّا استدعى تدخلها الفوري.
في شقة مستأجرة بالعقبة، تفتّحت أوراق محظورة ووجوه مألوفة، فتكشّف النشاط الخفي لجماعة لم تقتنع بعد بأنها انتهت.
عندما حاول الأشخاص مغادرة الموقع، اعترضتهم قوات الأمن، وتبين أنّهم كانوا يحملون وثائق مخبأة داخل أكياس سوداء، بعضها تم إتلافه مسبقًا داخل المقر. التفتيش الذي أمر به المدعي العام كشف عن وجود مضبوطات تشمل أوراقًا رسمية ووثائق، إضافة إلى أعلام وملابس وشارات وعُصب تحمل شعارات الجماعة المحظورة، وهي مواد تُعدّ مخالفة للقانون الأردني الذي يحظر أيّ نشاط أو رمز يتعلق بالإخوان المسلمين.
تورط نائب برلماني وتفاصيل الشقة المستأجرة
في سياق التحقيقات، أفاد شخصان كانا ينتميان سابقًا إلى جماعة الإخوان المسلمين، بأنّهما مالكا الشقة، وقد أجّراها للنائب الرياطي لغاية استخدامها من قبل الجماعة. هذه الإفادة دفعت الأجهزة الأمنية إلى استدعاء النائب المعني للتحقيق معه بصفته مستأجر المقر.
أن تُضبط الوثائق في أكياس سوداء، وتُخزّن في شقة غير معلنة، فذلك يعني أن الجماعة تمارس سياسة الظلال، لا العلن.
النائب، من جانبه، ادّعى أنّ الشقة مستأجرة لصالح الحزب الذي ينتمي إليه، وأنّ الحزب كلفه بتوقيع عقد الإيجار نيابة عنه.
ومع ذلك، كشفت الكشوفات الرسمية المقدمة إلى الهيئة المستقلة للانتخاب أنّ الحزب المذكور لم يُدرج هذا الموقع ضمن مقراته الرسمية في مدينة العقبة، حيث يمتلك الحزب مقرّين فقط في المدينة، لا يشملان الشقة المكتشفة. هذا التناقض أثار شكوكًا حول الغرض الحقيقي من استئجار الشقة، وأكد على ارتباطها المحتمل بأنشطة الجماعة المحظورة.
إجراءات قانونية وتحويل القضية
بعد اكتمال التفتيش وضبط المضبوطات، قرر مدعي عام العقبة تحويل ملف القضية إلى النيابة العامة في العاصمة عمّان، التي تتولى التحقيق في قضيتين رئيسيتين مرتبطتين بجماعة الإخوان المسلمين: الأولى تتعلق بالمضبوطات الموجودة داخل مقرات الجماعة، والثانية تخص الأملاك المصادرة التابعة لها. هذا التحويل يعكس جدية السلطات الأردنية في التعامل مع أيّ نشاط مرتبط بالجماعة، خاصة في ظل الحظر الشامل الذي فرضته الحكومة في نيسان (أبريل) 2025.
في العقبة كُشف الغطاء عن غرفة خلفية للتنظيم؛ التنظيم الذي فقد رسمية وجوده، لكنه لم يفقد قدرته على التخفّي.
وكانت الحكومة الأردنية قد أعلنت حظر جماعة الإخوان المسلمين بشكل كامل، معتبرة إيّاها "جمعية غير مشروعة"، وصادرت ممتلكاتها، وحظرت الترويج لأفكارها أو التعامل معها بأيّ شكل. وقال وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، في مؤتمر صحفي سابق: إنّ "عناصر الجماعة المنحلة حكمًا قاموا بأنشطة تهدف إلى زعزعة الاستقرار والعبث بالأمن والوحدة الوطنية، وهو ما يبرر الحظر الصارم".
سياق الحظر والتوترات المستمرة
يأتي هذا الحادث في سياق توترات مستمرة بين السلطات الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين التي كانت تُعدّ لعقود جزءًا من المشهد السياسي في الأردن قبل أن تتصاعد الخلافات بينها وبين الحكومة. الحظر الشامل الذي أُعلن في نيسان (أبريل) 2025 جاء بعد سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها السلطات ضد الجماعة، بما في ذلك مصادرة ممتلكاتها وإغلاق مقراتها. ويُنظر إلى هذه الإجراءات على أنّها محاولة للحد من نفوذ الجماعة التي تُتهم بمحاولة تقويض الأمن الوطني من خلال أنشطة غير قانونية.
أن تُصادَر شقة، وتُستدعى شخصية برلمانية، فهذه ليست واقعة عادية، بل فصلٌ من رواية قديمة تُعاد قراءتها بأحرف نارية.
وتُعدّ مدينة العقبة، كونها مركزًا اقتصاديًا وتجاريًا مهمًا، موقعًا حساسًا لأيّ نشاط غير قانوني، ممّا يجعل هذه العملية الأمنية ذات دلالات كبيرة. إذ تُظهر الحادثة مدى يقظة الأجهزة الأمنية في مراقبة الأنشطة المرتبطة بالجماعات المحظورة، والتزامها بمنع أيّ محاولات لاستئناف نشاطاتها تحت أيّ غطاء، بما في ذلك استخدام مقرات غير معلنة.
تداعيات سياسية ومجتمعية
بعد التحقيقات الأولية قرر مدعي عام عمّان تكفيل النائب حسن الرياطي، بعد توقيفه ومنعه من السفر، إلى أن يتم استكمال كافة التحقيقات.
إنّ تورط نائب برلماني في هذه القضية يُضيف بُعدًا سياسيًا حساسًا إلى الحادثة. فالنائب، الذي يُفترض أنّه يمثل جزءًا من الشعب الأردني، يجد نفسه الآن في قلب تحقيق يتعلق بجماعة محظورة، ممّا قد يثير جدلًا واسعًا حول مدى الشفافية داخل حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي يدّعي الاستقلال عن الإخوان. هذا الوضع قد يدفع إلى اتخاذ إجراء أمني وقائي تجاه الحزب الإخواني.
تقول الحكومة: الجماعة انتهت بحكم القانون. ويقول الحادث: بقاياها ما زالت تكتب، وتخفي، وتوقّع باسم ماضٍ لم يُدفن.
ويعكس الحادث استمرار التحديات التي تواجهها السلطات الأردنية في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، التي ما زالت تحتفظ بقاعدة شعبية محدودة رغم الحظر. ومع ذلك، فإنّ الحظر الصارم والعمليات الأمنية اليقظة تُظهر عزم الدولة الأردنية على قطع الطريق أمام أيّ محاولات لإعادة تنظيم الجماعة أو استغلال الفراغات القانونية.
ما حدث في العقبة ليس مجرد ضبط أوراق؛ إنه إنذار بأن التنظيم لم يمت، بل يرتدي أقنعة جديدة، ويجرب فرصًا أخيرة.
وتُعدّ عملية العقبة الأمنية حلقة جديدة في سلسلة الإجراءات التي تتخذها المملكة الأردنية لمواجهة مؤامرات جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. وبينما تستمر التحقيقات في النيابة العامة بعمّان، تظل الأنظار متجهة نحو كيفية تعامل السلطات مع هذه القضية، خاصة في ظل تورط شخصية برلمانية بارزة. إنّ هذا الحادث يُبرز التحديات المعقدة التي يواجهها الأردن في الحفاظ على الأمن الوطني، مع الحرص على تطبيق القانون بحزم وشفافية.