الغموض السياسي في سوريا: ماذا وراء التباسات حملة قسد على داعش في البادية؟

الغموض السياسي في سوريا: ماذا وراء التباسات حملة قسد على داعش في البادية؟

الغموض السياسي في سوريا: ماذا وراء التباسات حملة قسد على داعش في البادية؟


09/07/2025

التباسات عديدة جرت نتيجة الأخبار المتداولة بخصوص شن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حملة عسكرية استباقية لملاحقة وتصفية خلايا تنظيم (داعش) الإرهابي في البادية السورية. وقد تزامن هذا الحديث، بما خلفه من نقاشات عديدة، مع الحادث الإرهابي في دمشق، وتفجير كنيسة مار إلياس الذي اتهمت وزارة الداخلية السورية تنظيم (داعش) بتنفيذه. 

وكان التنظيم الإرهابي قد بعث بتهديدات إلى السلطة الجديدة الانتقالية في دمشق، بعدم الانخراط في التحالف الدولي ضده. كما أنّ البيان الصادر من البيت الأبيض بعد قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا، قد طالب دمشق بالتصدي بشكل فعال لمن وصفهم بـ "الإرهابيين الأجانب"، ودعم جهود منع إحياء وعودة تنظيم (داعش) الإرهابي. 

تنظيم (داعش) يستأنف نشاطه

نجح التنظيم الإرهابي لأول مرة منذ سقوط نظام بشار الأسد في استهداف السلطات السورية الجديدة، عبر هجوم بسيارة مفخخة استهدف مركزاً أمنياً في بلدة ميدان الشرقية في 18 أيار (مايو) الماضي، أسفر عن مقتل (5) أشخاص. وتزامن الهجوم الإرهابي مع تطورات مهمة أخرى في الملف السوري، وقد وقع الهجوم بعد يوم واحد من اشتباك القوات الحكومية مع خلية تابعة لتنظيم (داعش) في حلب في أول كمين من نوعه منذ آذار (مارس)، وأقلّ من أسبوع على لقاء الرئيس ترامب بالرئيس أحمد الشرع في الرياض، إضافة إلى أنّه جاء عقب بدء انسحاب القوات الأمريكية من سوريا في منتصف نيسان (أبريل)، بحسب معهد واشنطن. وعلى الرغم من أنّ وجود تنظيم (داعش) المحلي لم يعد بالقوة التي كان عليها سابقاً، إلا أنّ المؤشرات تُظهر استمرار التهديد بدرجة لا يمكن تجاهلها.

"أعاد تنظيم داعش نشاطه في البادية السورية، مستغلًا الفراغ الأمني وتراجع القوات الروسية، وسط تقارير عن وجود ألفي عنصر نشط في المنطقة."

 

أعلن التنظيم مسؤوليته عن تنفيذ (33) هجوماً خلال عام 2025. لكنّ معهد واشنطن يشير إلى أنّ الهجوم الإرهابي الأخير يحمل دلالة مهمّة أيضاً، على مستوى موقعه، حيث إنّ سوابق التنظيم كانت تستهدف مناطق تخضع لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" ذات القيادة الكردية، والمدعومة من قبل الولايات المتحدة.

بالتالي، مع تهديدات تنظيم (داعش) والتحرك المُلح للتصدي له، ومواجهته، ثمّة ضرورة لتدشين استراتيجية شاملة واستباقية لكبح نفوذه وقدراته في إعادة التموضع بمناطق مثل البادية واستغلال المناطق غير المأهولة. وقد صرّح محمد حبيب الناطق بلسان قوات "الشمال الديمقراطي" المنضوية في قوات (قسد)، بوجود (2000) عنصر لتنظيم (داعش) في البادية السورية، وقال: إنّ تقارير استخباراتية غربية تفيد بوجود "تحركات كبيرة" لهم في الصحراء.

"الهجوم بسيارة مفخخة في ميدان الشرقية شكّل أول استهداف مباشر للسلطة الانتقالية الجديدة، وأشار إلى تغيّر نوعي في عمليات التنظيم."

 

وفي مقابلة لقناة (رووداو) الكردية في أربيل، أجراها محمد عيسى، قال: إنّ القوات الأمريكية "باقية" في سوريا، وقد تتمركز في قاعدتين ضخمتين بشمال شرق البلاد. وتابع: "صرّح الجنرال الأمريكي، قائد قوات التحالف الدولي في سوريا والعراق، قبل فترة وجيزة، بأنّ هناك عملية ستجري في البادية السورية. وجاء هذا الإعلان بعد أن ذكرت التقارير الاستخباراتية من كل من بريطانيا وأمريكا وبعض الدول في التحالف الذي يعمل ضد تنظيم (داعش) في سوريا بأنّ هناك تحركات كبيرة تحدث الآن في البادية السورية لخلايا التنظيم. ويعود ذلك إلى سقوط النظام وإلى انسحاب القوات الروسية وإلى عدم القيام بدوريات جوية تغطي تلك المنطقة الواسعة التي تُعتبر أكثر من ثلث مساحة سوريا، وبالتالي كان لا بدّ من أن يكون هناك حملة في هذه المنطقة، لأنّ ذلك الفراغ العسكري والأمني أتاح لعناصر (داعش) التجمع مرة أخرى ومحاولة تشكيل مجاميع أو خلايا لتنقض على الحواضر المجاورة كريف حلب وحمص وريف دمشق، ومن الممكن أن تصل إلى دمشق".

ضرورة تطويق التنظيم الإرهابي

هناك بيئة ملائمة لنشاط التنظيم رصدتها أجهزة الاستخبارات دفعت قوات التحالف الدولي لتعلن عن بدء هذه العملية. والمشاركون في العملية هم قوات سوريا الديمقراطية بالدرجة الأولى، الحليف الدائم لقوات التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب. ومن المرجح أن تشارك قوات سوريا الحرة أو بعض القوى الأخرى في هذه العملية.

"الملف الأمني في سوريا يُدار بين غرف دمشق وواشنطن وأنقرة، وسط توازنات دقيقة تحاول تفادي الفوضى التي قد تستغلها تنظيمات متطرفة."

أمّا عن الالتباسات المرتبطة بتحرك "قسد" نحو تنظيم (داعش)، وتراوحها بين النفي والإثبات، فتتعدد الروايات حول طبيعة تحركات "قوات سوريا الديمقراطية" ضد التنظيم، خاصة في ظل تقارير متباينة عن تحركات التنظيم في البادية السورية ومحيط دير الزور. 

ويقول الصحفي السوري شيار خليل: إنّه في المشهد الإعلامي يظهر تباين بين من يرى أنّ هناك تساهلًا أو تغاضيًا ضمنيًا من قبل "قسد" تجاه خلايا التنظيم، وبين من يشير إلى استمرار الحملة الأمنية ضد (داعش)، بالتعاون مع التحالف الدولي بقيادة واشنطن. موضحًا لـ (حفريات) أنّ الحقيقة هي أنّ الوضع أكثر تعقيدًا من كلا التوصيفين. فالمساحات الجغرافية الواسعة، والتداخلات القبلية، ووجود أطراف متعددة النفوذ، تخلق بيئة تسمح بإعادة تشكل بعض الخلايا، لا سيّما في المناطق الفاصلة بين سيطرة "قسد" والجيش السوري. ومن هذا المنطلق، قد لا تكون "الالتباسات" ناتجة عن نية سياسية بقدر ما هي تعبير عن ضعف السيطرة الشاملة في بعض المناطق، خاصة في ظل محدودية الموارد ومرونة التنظيم في التحرك ضمن الفراغات الأمنية".

"الوضع في شمال وشرق سوريا لا يحتمل مقاربات عقائدية أو هوياتية، بل يتطلب نضجًا سياسيًا وتنسيقًا أمنيًا عابرًا للانقسامات الجغرافية."

 

فالبادية السورية تشكّل تحديًا مُركّبًا لـ "قسد"، ولبقية الفاعلين في سوريا، بمن فيهم الجيش السوري. ومع تصاعد هجمات (داعش) في المنطقة الوسطى والشرقية، تجد "قسد" نفسها مضطرة إلى تعزيز التنسيق الأمني والاستباقي، ليس فقط حمايةً لنفسها، بل أيضًا لتفادي فقدان الثقة الشعبية في المناطق التي تديرها، خصوصًا في دير الزور والحسكة.

"العلاقة بين قسد ودمشق لا ترقى لتحالف، لكنها تنسج خيوط تنسيق أمني جزئي، قد يسهم في تطويق تحركات داعش بالمناطق الحدودية."

 

ويشير خليل إلى أنّ "قسد" تُدرك أنّ تنامي نشاط (داعش) لا يهددها عسكريًا فقط، بل سياسيًا أيضًا، لأنّه يُضعف سردية الاستقرار التي تسعى إلى ترسيخها في مشروع "الإدارة الذاتية". وفي هذا الإطار تبذل "قسد" جهودًا حثيثة لإعادة هيكلة العمل الأمني، مع تركيز واضح على ضبط المناطق الحدودية مع العراق، وتعزيز الشراكة العملياتية مع التحالف الدولي. كما أنّ العلاقة بين دمشق و"قسد" شهدت تحولات ملموسة في الفترة الأخيرة. ورغم غياب إطار عملياتي سياسي شامل أو اتفاق شفاف مرتبط بالمدة والآليات، فإنّ التواصل بين الجانبين لم ينقطع، ويجري بشكل مباشر عبر أطراف ضامنة، أبرزها واشنطن. والانفتاح القائم ما يزال في إطار "تنظيم التعايش"، لا التحالف الكامل. ويحاول كلا الطرفين كسب الوقت وإدارة الملفات الأمنية والاقتصادية في مناطق التماس، دون أن يتخلى عن مطالبه الأساسية: دمشق تطالب باستعادة السيادة الكاملة، و"قسد" تصرّ على صيغة "لا مركزية" تضمن لها دورًا في مستقبل سوريا.

"الفراغ السياسي وغياب تسوية شاملة في سوريا يخلقان وضعًا بنيويًا هشًا، يسمح بعودة التنظيمات المتطرفة واستثمارها للثغرات الأمنية."

 

ومع دخول تركيا والولايات المتحدة على خط المعادلة تصبح هذه العلاقة أكثر حساسية، لكنّها في الوقت نفسه تمثل أحد المسارات الواقعية لتفادي التصعيد في مناطق الشمال الشرقي. إذ لا يمكن الجزم بأنّ العلاقة بين "قسد" ودمشق تؤدي إلى منح "قبلة حياة" لتنظيم (داعش)، كما يُشاع أحيانًا. بل العكس قد يكون أقرب إلى الواقع: أي أنّ وجود حدٍّ أدنى من التنسيق الأمني بين الجانبين قد يسهم في تضييق الخناق على تحركات التنظيم، لا سيّما في المناطق الفاصلة بين تدمر ودير الزور والرقة.

"مع تصاعد هجمات داعش، تدرك قسد أن التهديد لم يعد عسكريًا فقط، بل يطعن في سردية الاستقرار التي تقوم عليها الإدارة الذاتية."

 

غير أنّ استمرار الغموض السياسي، وعدم توصل الطرفين إلى تسوية شاملة، يخلق حالة من "اللّااستقرار البنيوي" تسمح للتنظيم بالتحرك ضمن الثغرات الأمنية. وهو ما يتطلب رؤية أوسع لا تكتفي بالحلول الأمنية، بل تمتد إلى توافقات سياسية وإدارية على الأرض. والوضع في شمال وشرق سوريا لا يمكن مقاربته بعقلية الصراع الهوياتي أو الخطاب العقائدي، كما يحدث أحيانًا على وسائل التواصل الاجتماعي. بل هو نتاج توازنات دقيقة، تُرسم خطوطها في غرف التفاوض في "دمشق، والقامشلي، وواشنطن، وأنقرة". والتعامل مع هذا الملف يتطلب نضجًا سياسيًا، وتنسيقًا أمنيًا عابرًا للانقسامات، من أجل منع إعادة إنتاج الفوضى التي قد يستثمرها تنظيم (داعش) وغيره من الجهات المتطرفة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية