صراع السودان في أسبوعه الثالث... اتهامات متبادلة ووضع إنساني يتفاقم

صراع السودان في أسبوعه الثالث... اتهامات متبادلة ووضع إنساني يتفاقم

صراع السودان في أسبوعه الثالث... اتهامات متبادلة ووضع إنساني يتفاقم


02/05/2023

وقع ما يخشاه السودانيون على امتداد الأعوام الأخيرة، باندلاع المواجهات العسكرية الواسعة في العاصمة الخرطوم وغيرها من المدن بين قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، والجيش السوداني الذي يقوده الفريق عبد الفتاح البرهان الذي يتولى المجلس السيادي الانتقالي الذي يحكم السوداني منذ الإطاحة بحكومة عبد الله حمدوك في تشرين الأول (أكتوبر) 2021.

ومنذ التوقيع على الاتفاق الإطاري أواخر العام الماضي، والخلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، ومن يقود المؤسسة العسكرية التي تتمخض عن دمج القوتين، تصاعد التوتر بين الطرفين، وقام كل طرف بتعزير مواقعه العسكرية في العاصمة؛ بسبب الخلاف بينهما حول الجدول الزمني للانتقال إلى حكم مدني.

ورغم أنّ الصراعات ليست بوافد جديد على السودان الذي يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية، غير أنّ القتال هذه المرّة يمزق عاصمة الدولة الواقعة في منطقة غير مستقرة على تخوم البحر الأحمر ومنطقتي الساحل والقرن الأفريقي.

منذ التوقيع على الاتفاق الإطاري أواخر العام الماضي تصاعد التوتر بين الطرفين، وقام كل طرف بتعزير مواقعه العسكرية في العاصمة

ويتوقع متابعون للشأن السوداني أن تعرقل أحدث نوبات القتال أيّ عودة سريعة إلى الحكم المدني، مع غياب إبداء أيّ من الخصمين في الخرطوم أيّ استعداد للتسوية.

حميدتي يتبرأ من مسؤولية الحرب

حميدتي صار لاعباً رئيسياً بالمشهد السوداني، وثاني أقوى رجل بعد تولّيه عدد من أهم الحقائب الوزارية في السودان بعد الإطاحة بالبشير، بما في ذلك الاقتصاد المنهار، كما تولى مفاوضات السلام مع جماعات متمردة، وتولى منصب نائب رئيس الدولة، وقد أكد في أحدث تصريحاته أنّ قواته تسيطر على مدن العاصمة الـ (3): (الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان) بشكل شبه كامل، وأنّها تعمل بشكل وثيق مع المواطنين من أجل إيجاد حلول لمشاكل المياه والكهرباء والخدمات.

قائد قوات الدعم السريع عبّر في حوار أجرته معه صحيفة "الشرق الأوسط" عن أسفه لتردي الأوضاع الإنسانية التي يتعرض لها الشعب السوداني جرّاء الحرب، وقال: إنّ "هذه مسؤولية كبيرة يتحملها من قام بإشعال الحرب".

حميدتي: قوات الدعم السريع ليست منفلتة ولا تستهدف المدنيين

ونفى حميدتي ما يشاع بأنّ قواته "منفلتة وتستهدف المواطنين والدبلوماسيين"، وعدّ ذلك ضمن الدعاية التي يطلقها الطرف الآخر "لتشويه صورة قواتنا أمام الرأي العام المحلي والعالمي...، وقد تعودنا على إطلاق مثل هذه الأكاذيب". وقال: إنّ قواته ساهمت في إجلاء أكثر من (30) بعثة دبلوماسية ومقيمين من دول أجنبية مختلفة، و"من يفعل ذلك، لا يستهدف المدنيين".

واتهم حميدتي فلول النظام السابق بالسعي لتوسيع رقعة الحرب، مؤكداً أنّ قواته تعمل على المحافظة على أمن واستقرار البلاد وتقليل المخاطر التي يمكن أن تنجم عن هذه الحرب، مبدّداً في الوقت نفسه المخاوف من تدخلات خارجية أو إقليمية، بالقول: إنّ "دول الإقليم تعمل بشكل وثيق على أمن واستقرار السودان والمنطقة، وهي بالطبع لن تتدخل في شأن سوداني محض".

القتال هذه المرة يمزّق عاصمة الدولة الواقعة في منطقة غير مستقرة على تخوم البحر الأحمر ومنطقتي الساحل والقرن الأفريقي

كذلك، أكد حميدتي في حواره مع "الشرق الأوسط" أنّ قواته وافقت "على الهدنة الإنسانية لكي نخفف معاناة شعبنا ونفتح الممرات الإنسانية، إلّا أنّ الطرف الآخر لم يلتزم بشروط الهدنة وظل ينتهكها، بل ارتكب فظائع كبيرة بحق المواطنين الأبرياء الذين تعرضوا لقذائف الطائرات والمدافع".

وتابع: "من لم يستطع الالتزام بهدنة لمدة (72) ساعة، لا أظنّه سيكون قادراً على الوفاء بأيّ تعهدات في المستقبل القريب أو البعيد. الأمر الآخر هو أنّ القوات الانقلابية وفلول النظام البائد يديرون معركتهم ضدنا من عدة مراكز قرار؛ إذ ثبت لنا أنّ هناك أكثر من جهة تتحكم بقرار الجيش، إذن، مع أيّ جهة سنبني وقفاً دائماً للقتال؟".

قوات الدعم السريع

وحول المخاوف من تحول الحرب إلى حرب أهلية في ظل وجود جيوش عديدة وانفلاتات أمنية، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الهش، قال حميدتي في الحوار: إنّ "هناك من يسعى لتحويل الحرب إلى حرب أهلية، وهم بالطبع قيادات القوات المسلحة الانقلابيون، ومن خلفهم المتطرفون من فلول النظام البائد. نحن الآن ننسق مع عدد من الأطراف من أجل المحافظة على أمن واستقرار البلاد وتقليل المخاطر التي يمكن أن تنجم عن هذه الحرب".

وأكد قائد قوات الدعم السريع أنّ فلول النظام البائد متحكمون في مفاصل القوات المسلحة ومسيطرون على مواقع صنع القرارات، ولكن هناك شرفاء في صفوف القوات المسلحة يرفضون هذا الوضع.

اتهامات متبادلة

من جانبه، اتهم رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قوات الدعم السريع "بالتعدي على البعثات الدبلوماسية دون مراعاة للقانون الدولي"، وأشار في حوار مع "العربية نت" إلى أنّ "مجموعات الدعم السريع منتشرة داخل الأحياء السكنية، وتتخذ المدنيين دروعاً بشرية".

وقال البرهان: إنّ "مجموعات الدعم السريع أخلت المستشفيات وحوّلتها لمرتكزات عسكرية"، و"اعتدت على محال تجارية وبنوك ومؤسسات حكومية".

البرهان: نشاطر المجتمع الدولي قلقه تجاه الرعايا الأجانب

وأوضح البرهان أنّ "الأوضاع المعيشية في تدهور، ونشاطر المجتمع الدولي قلقه تجاه الرعايا الأجانب"، لافتاً إلى أنّه سيتم تقديم المساعدة اللازمة لإجلاء الرعايا والبعثات الدبلوماسية للدول من السودان.

الأوضاع الإنسانية تتفاقم

ومع دخول النزاع أسبوعه الثالث، شهدت الخرطوم الإثنين غارات جوية وانفجارات ورشقات نارية، رغم هدنة جديدة لمدة (72) ساعة وافق عليها الجيش وقوات الدعم السريع، وحذّرت الأمم المتحدة من أنّ السودان بات على شفا "كارثة" إنسانية، وأنّ مئات الآلاف قد يفرّون منه.

يثير الصراع المسلح في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع قلقاً إقليمياً ودولياً يمتد إلى مياه النيل وخطوط أنابيب النفط، كما يتصل بشكل الحكومة الجديدة المتوقعة

وأدت الاشتباكات الدامية إلى نزوح عشرات الآلاف من السودانيين إلى دول مجاورة، مثل مصر وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، وقد حذّر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من أنّ "أكثر من (800) ألف شخص" قد يفرّون من السودان، ودقّت الأمم المتحدة جرس الإنذار من تحوّل الوضع إلى مأساة إنسانية.

هذا، وقرّر برنامج الأغذية العالمي أن يستأنف "أنشطته فوراً" بعد تعليقها عقب مقتل (3) من موظفيه خلال الأيام الأولى للنزاع، في بلد كان ثلث سكانه يعانون من الجوع قبل اندلاع الحرب.

وتمكّنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأحد من إيصال أول شحنة مساعدات إنسانية عن طريق الجو، وذلك الى مدينة بورتسودان الواقعة على مسافة (850) كلم إلى الشرق من الخرطوم.

وأوضحت اللجنة أنّ الشحنة "ضمّت معدات جراحية لدعم مستشفيات السودان ومتطوعي جمعية الهلال الأحمر السوداني الذين يقدمون الرعاية الطبية للجرحى الذين أصيبوا خلال القتال"، إلا أنّها لن تكفي سوى لمعالجة (1500) جريح".

تبعات اقتصادية كبيرة

ويثير الصراع المسلح في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع قلقاً إقليمياً ودولياً يمتد إلى مياه النيل وخطوط أنابيب النفط، كما يتصل بشكل الحكومة الجديدة المتوقعة إلى جانب مخاوف من أزمة إنسانية كبيرة تلوح في الأفق.

وكالة "موديز" للتصنيف الائتمانى ترى أنّ بوادر تبعات اقتصادية كبيرة على الدول المجاورة بدأت تلوح في الأفق فيما لو استمرت الحرب فترة طويلة، وتوقعت تأثيراً ائتمانياً سلبياً على الدول المجاورة، خصوصاً أنّ الموقع الجيواستراتيجي الاقتصادي للسوادن لا يهم فقط العالم العربي، باعتبار أنّه مصدر أمن غذائي أو مصدر ثروات وخلافه، وإنّما يهمّ دولاً أفريقية عديدة.

وبحسب شبكة "سكاي نيوز"، يُعدّ استقرار السودان استقراراً للدول الأفريقية المجاورة، وأيّ اضطراب سياسي أو عسكري بالتأكيد سيؤثر عليهم بشكل كبير؛ إذ توجد (7) دول أساسية مجاورة للسودان تتأثر بشكل كبير بالتطورات فيه، إضافة إلى دول جوار الجوار، ليصبح عدد الدول المتضررة على أقل تقدير حوالي (17) دولة، تعتمد بشكل أو بآخر على استقرار السودان؛ سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

هذا، ومن المتوقع أن تتسبب الأزمة الراهنة في أزمات مالية لعديد من تلك الدول، وأن تنعكس كذلك على عددٍ من المؤسسات المالية القارية، فهناك عدد من المؤسسات المالية لها استثمارات في السودان، مثل بنك التنمية الأفريقي وبنك الاستيراد والتصدير الأفريقي الذي يشجع على إنتاج وتصدير الكثير من السلع في السودان، وهي مؤسسات معرضة للمخاطر التي يواجهها السودان حالياً.

ووفق بيانات نشرتها وكالة "سبوتنيك" في 26 نيسان (أبريل) الماضي، ربما خرج ما يفوق المليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من البلاد خلال الأيام الـ (10) الماضية، وتُعدّ ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا وأريتريا من أبرز الدول تأثراً بالصراع في السودان، والرقم قابل للزيادة إلى (20) ملياراً من دول جوار السودان، حيث تسعى الاستثمارات إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي.

مواضيع ذات صلة

حميدتي: قوات الدعم السريع ليست منفلتة... ولا خوف من التدخلات الخارجية

- الإخوان في السودان... بيانات الفتنة تستمر

المواجهة المسلحة في السودان: الفضاء السيبراني ميدان لحرب أخرى



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية