المواجهة المسلحة في السودان: الفضاء السيبراني ميدان لحرب أخرى

المواجهة المسلحة في السودان: الفضاء السبراني ميدان لحرب أخرى

المواجهة المسلحة في السودان: الفضاء السيبراني ميدان لحرب أخرى


30/04/2023

بينما يستعر على الأرض القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فإنّ ثمة حرباً مستعرة موازية في منصات التواصل الاجتماعي من نوع آخر؛ هي حرب المقاطع المصورة "الفيديو" بين طرفي الصراع، في الفضاء السبراني.

تجلت تلك الحرب التي تعتمد على الكاميرا لا الرصاص بشكلٍ جلي خلال الأيام الأولى للقتال. قدم القتال للسيطرة على قاعدة مروي الجوية مثالاً كاشفاً؛ لم يكن أحد الأطراف يعلن سيطرته على القاعدة، حتى يخرج الآخر بمقطع مصور يثبت من خلاله كذب الطرف الآخر.

وما تزال تلك الآلية متبعة بين الطرفين؛ ومنها ردّ الدعم السريع على بيان الجيش حول "مصفى الجيلي" النفطية، التي نفى سيطرة الجيش عليها عبر مقطع فيديو، بتاريخ مساء 25 نيسان (أبريل) الجاري، ما سيجعل الجيش مُطالب بمقطع فيديو من داخل المصفاة لإثبات سيطرته عليها. لكن تلك المقاطع المصورة ليست انعكاساً للحقيقة على الأرض، بل أحد أدوات الحرب الإعلامية بين الطرفين، التي تحتاج لتطبيق أدوات التحقق عليها.

التراشق بالفيديو

كان لاندلاع القتال في السودان بشكلٍ فجائي تأثير على الأداء الإعلامي، سواء للطرفين المتصارعين؛ الجيش والدعم السريع، ووسائل الإعلام المحلية التي قدمت تغطية غير احترافية للمشهد، نتيجة احتلال الدعم السريع لمقر الإذاعة والتلفزيون لعدة أيام. فضلاً عن أنّ التغطية التي قدمتها وسائل الإعلام الإقليمية لم تكن قادرة على تلبية الحاجة إلى المعلومات المحدثة بشكل سريع من المتابعين في داخل وخارج السودان.

محمد المبارك: مقاطع الفيديو ساهمت بشكلٍ كبير في الدعاية

أدى ذلك إلى أنّ تكون منصات التواصل الاجتماعي المصدر الأول للمعلومات عن القتال الذي اندلع في 15 نيسان (أبريل) الجاري. بعد تحشيد الدعم السريع لقواته حول قاعدة مروي العسكرية الجوية، دون تنسيق مع القوات المسلحة، في ظل سياق عام مشحون بالخلافات بين الجيش والدعم حول قضية دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، تنفيذاً لبنود الاتفاق السياسي الإطاري، المُوقع بين الحرية والتغيير والعسكريين؛ الجيش والدعم، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

وبعيداً عن السجال بين الطرفين حول من يتحمل المسؤولية عن القتال، ودون التطرق إلى الاتهامات الكثيرة التي تُكال من كل طرف للآخر، والتي اشتبك معها الساسة والمواطنون، كانت مقاطع الفيديو المصورة العامل الحاسم في إدارة الحرب الإعلامية بين الطرفين، خصوصاً في الأيام الأولى، التي شهدت الاشتباكات حول المواقع الإستراتيجية.

خلال الأعوام الماضية التي شهدت شيوع أدوات صناعة ونشر المحتوى الرقمي، امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بمحتوى كبير غير صادق، خصوصاً في الصور والمقاطع المصورة

ويرى الصحفي السوداني، فتحي يوسف سيد أحمد، أنّ السبب في انتشار الفيديوهات كمصدر للمعلومات هو التكتم على الأخبار في بداية القتال؛ حيث لم يبدأ الجيش إلا مؤخراً في إصدار بيانات يومية. وفي حديثه لـ"حفريات" علل ذلك بأنّه على الرغم من توقع القتال بين الجيش والدعم، إلا أنّ ساعة الصفر كانت فجائية، سواء للجيش أو الدعم، مع اختلاف أنّ الأخير كانت لديه خطة للانقلاب بالقوة على الجيش، لكنّه أخفق فيها بعد امتصاص الجيش للصدمة، واستعادة زمام المبادرة.

من جانبه، قال محمد سلمان المبارك، إنّ مقاطع الفيديو ساهمت بشكلٍ كبير في الدعاية في الحرب الدائرة في السودان؛ حيث حرص كل طرف على تصوير مقاطع فيديو، وبثها بعد مدة، ليثبت سيطرته ويرفع من الروح المعنوية لجنوده ويقنع الرأي العام بأنه مسيطر.

وتابع الصحفي السوداني لـ"حفريات" بأنّه في إطار الحرب نُشرت فيديوهات للجنود تُظهر تواجد القادة في أرض القتال. ولفت إلى أنّ الأطراف التي تعمل على إيقاف الحرب تنشر فيديوهات الأضرار على المدنيين والقتل والترويع، لبيان أضرار الحرب.

لماذا الفيديو؟

ليس غريباً أنّ تصبح المقاطع المصورة هي الوسيلة الأكثر جماهيرية في الحصول على الأخبار والمعلومات، وذلك لسهولة استيعابها من معظم الجمهور. وتاريخياً أزاحت الإذاعة المطبوعات الورقية عن الصدارة الجماهيرية، ثم أزاح التلفزيون الإذاعة. وفي الوقت الراهن أزاحت مواقع شبكة الإنترنت، وخصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي، بما تقدمه من محتوى تفاعلي شامل، التلفزيون عن الصدارة الجماهيرية، مدعومة في ذلك بالتقنيات الحديثة لأجهزة الهاتف المحمول.

فتحي سيد أحمد: التكتم على الأخبار في بداية القتال

يقول الصحفي المصري ومدقق الحقائق حسام الهندي، إنّ الفيديو يقدم المعلومة مدعومة بالصوت والصورة، لكنّ تأكيد ذلك يتطلب كشف أمرين؛ التاريخ وصحة وصدق المحتوى.

وأضاف الهندي لـ"حفريات" بأنّ مقاطع الفيديو لعبت دوراً واضحاً في إثبات سيطرة كل طرف على المواقع الإستراتيجية التي دار القتال حولها في الأيام الأولى؛ ذلك لأنّ الطرفين تقاتلا على المسافة صفر، حيث تشاركا التواجد العسكري في تلك المواقع من قبل القتال، وذلك بخلاف الحرب الروسية الأوكرانية. وحذر الهندي من أنّ تشابه طرفي النزاع بحكم المواطنة والتسليح يجعل من السهولة الوقوع في أخطاء، ولهذا يجب التدقيق والتحقيق قبل نشر المحتوى.

وخلال الأعوام الماضية التي شهدت شيوع أدوات صناعة ونشر المحتوى الرقمي، امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بمحتوى كبير غير صادق، خصوصاً في الصور والمقاطع المصورة، ما أدى إلى الحاجة إلى وظيفة التدقيق والتحقق من ذلك المحتوى، والتي تشهد نمواً يواكب نمو المحتوى المغلوط.

في هذا السياق، قال الهندي، بأنّ من وسائل التضليل بمحتوى الفيديو إعادة نشر محتوى قديم، أو لا علاقة له بالأحداث. ورصد الهندي من خلال عمله نشر صفحة القوات المسلحة السودانية على فيسبوك مقطع فيديو من إحدى ألعاب الفيديو على أنّه لقصف جوي لمواقع الدعم السريع.

على المنوال ذاته، شكك كثيرٌ من المراقبين في مقطع فيديو ظهر فيه قائد الدعم السريع للمرة الأولى بين قواته بعد أكثر من أسبوع على اندلاع القتال، مرجحين أنّ يكون تصوير المقطع تمّ في اللحظات الأولى للقتال، ونُشر لاحقاً لتشجيع القوات.

الصحفي حسام الهندي لـ"حفريات": تشابه طرفي النزاع بحكم المواطنة والتسليح يجعل من السهولة الوقوع في أخطاء ولهذا يجب التدقيق والتحقيق قبل نشر المحتوى

يتابع الهندي، بأنّ التحقق لو أثبت أنّ المقطع المصور غير قديم، فهناك احتمالان؛ الأول أنّه قديم لكن لا يظهر على محركات البحث أو لم يُنشر من قبل، والثاني قد يكون حديثاً، وفي الحالتين لا يعني ذلك قبول المحتوى، بل الانتقال إلى المرحلة الثانية من التحقق. وأضاف بأنّ الخطوة التالية هي التحقق من صحة المحتوى وصدقه؛ إذ من الممكن أن يُصور مقطع لقائد عسكري في منطقة في الخرطوم لمدة دقائق ويخرج منها، ثم يُروج للمقطع على أنّ المكان بات تحت السيطرة.

بدوره نبه الصحفي فتحي سيد أحمد، إلى أنّ هناك فيديوهات صُورت في وقت سابق من قبل الدعم السريع داخل المقار التي دار القتال حولها في بداية الحرب، بحكم انتشاره داخلها منذ العام 2019، وأُعيد استخدامها بعد تعديلها في إطار الحرب الإعلامية.

حسام الهندي: من وسائل التضليل إعادة نشر محتوى قديم

من جانبه، أفاد صحفي سوداني، فضل عدم الكشف عن اسمه، بأنّ الدعم السريع وظف محتوى الفيديو بشكل مؤثر، صدقه البعض وشكك فيه آخرون. وأضاف الصحفي السوداني لـ"حفريات" بأنّ المقاطع التي صورت الأسرى من الطرفين لم يُشكك فيها أحد، لكن التي تحدثت عن السيطرة على مواقع ومنشآت كان لها نصيب كبير من التشكيك، خصوصاً تلك التي تصدر عن الدعم السريع.

في غضون ذلك، نشرت صفحة القوات المسلحة مقطع فيديو في الأيام الأولى للقتال، ظهر فيه الفريق أول البرهان متفقداً سلاح المدرعات، لكن أظهرت صفحات التحقق أنّ المقطع قديم.

وأحد الأمثلة على الحاجة إلى التحقق من المحتوى بالطرق السابق ذكرها، ومن خلال فهم أوسع لطبيعة الحرب الإعلامية وتوظيف أطراف الصراع للإعلام، مقطع الفيديو الذي بثته صفحة الدعم السريع على "فيسبوك"، وظهر فيه المفتش العام للجيش في بيان يدين القوات المسلحة ويدعم الدعم السريع. لكن من خلال المتابعة الواسعة لظروف أسر المفتش العام رجحت مصادر سودانية أنّ يكون تعرض لضغوط من خلال استخدام أسرته، الذين احتجزتهم قوات الدعم السريع خلال مهاجمتها لمنازل كبار قادة الجيش في اليوم الأول للقتال.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية