يواصل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا مغازلة النظام السوري، عبر إشارات وتصريحات يدلي بها المقربون من أردوغان، والتي كان آخرها، تصريحات جاءت على لسان نائب رئيس الحزب الحاكم، حياتي يازجي، في تركيا، الذي قال إنّ "العلاقات مع دمشق قد تتطور وترتقي إلى مستوى أعلى، وتصبح علاقات مباشرة".
وفي تصريحات لوسائل إعلام تركية شدد نائب أردوغان، على أنّ "أهم خطوة لحل النزاعات هي الحوار"، وقال يازجي في تصريحاته: "لطالما آمنت بذلك، يمكن أن يكون الصراع بين المؤسسات، ويمكن أن يكون بين العائلات، ويمكن أيضاً أن يكون على نطاق دولي".
وأضاف "الحوار إما بشكل مباشر أو غير مباشر. حتى اليوم كان هذا الحوار يجري بطريقة غير مباشرة عند مستوى محدد"، وفق ما أوردته صحيفة "زمان" التركية.
وتابع: "واليوم ارتفع هذا المستوى بعض الشيء والمناخ الذي سيتشكل بارتفاعه أكثر في المستقبل سيسهم في الخروج من هذا المستنقع القائم في سوريا منذ 11 عاماً".
وفي رده على سؤال حول إمكانية عقد لقاء على مستوى القادة بين سوريا وتركيا، لفت يازجي إلى أنه لا يستطيع أن يجزم بعدم حدوث هذا الأمر، مبيناً أنّ ذلك "سينطلق من مستوى معين وقد يتطور مستقبلاً".
ورغم قطع العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق منذ عام 2012، إلا أنه كانت هناك لقاءات على مستوى أجهزة الاستخبارات، وفق ما أفاد الرئيس رجب طيب أردوغان.
وأتت تصريحات يازيجي، عقب كشف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن لقاء جرى بينه وبين نظيره السوري فيصل المقداد الأسبوع الماضي، وكذلك دعوته للمصالحة بين المعارضة والرئيس بشار الأسد، وهو ما أثار غضب المعارضة السورية التي نظمت تظاهرات مناهضة لتركيا بالمدن الخاصة لسيطرة الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا في شمال سوريا.
أحرق متظاهرون العلم التركي وأزالوه من مدن عدة، وتجمع العشرات قرب معبر باب السلامة مع تركيا، مرددين هتاف "الموت ولا المذلة"
وكان وزير الخارجية التركي قد قال خلال مؤتمر صحفي في أنقرة الخميس الماضي: "علينا أن نجعل النظام والمعارضة يتصالحان في سوريا، وإلا لن يكون هناك سلام دائم"، ونفى أوغلو وجود أيّ تواصل مباشر بين الرئيس التركي ونظيره السوري في الوقت الراهن، لكنّه أشار إلى عودة التواصل مؤخراً بين أجهزة استخبارات البلدين بعد انقطاع، وكشف عن لقاء قصير جمعه مع نظيره السوري فيصل المقداد في بلغراد في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
غضب سوري
وخرجت تظاهرات متفرقة عقب صلاة الجمعة في كبرى مدن الشمال السوري كإعزاز والباب وعفرين وجرابلس التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل سورية موالية لها تنديداً بتصريحات أوغلو، تحت شعار "لن نصالح"، وشهدت مدينة إدلب ومحيطها الواقعة تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة) سابقاً، وفصائل أخرى أقلّ نفوذاً، تحركات مماثلة.
حمل المتظاهرون لافتات منددة بالتصريحات، جاء في أبرزها "لا تصالح"، و"الثورة مستمرة"، و"عبثاً تحاول... لا فناء لثائر"، و"لا عودة بدون محاسبة الأسد ورموزه"، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
ورصد المرصد لافتات أخرى كتب عليها "ضامن، وليس وصيّاً"، وذلك في مدينة الباب، شرقي حلب، في إشارة إلى أنّ الوجود التركي في سوريا هو ضامن لوقف إطلاق النار، وليس وصيّاً على أبناء الشعب السوري ومصيره، كذلك قام بعض المتظاهرين بإزالة العلم التركي من مناطق عدة خلال المظاهرات، على حدّ تعبير المرصد.
وأحرق متظاهرون العلم التركي وأزالوه من مدن عدة، وتجمع العشرات قرب معبر باب السلامة مع تركيا، مرددين هتاف "الموت ولا المذلة".
ورصد المركز السوري احتجاجات شعبية ليلية "عارمة" ضمن مناطق نفوذ الفصائل بمناطق سورية عدة، حيث خرج أهالي وسكان إعزاز وصوران واحتيملات ومناطق أخرى بريف حلب الشمالي، ورأس العين (سري كاييه) بريف الحسكة ومدينة تل أبيض بريف الرقة، ومدينة إدلب، بمظاهرات شعبية تنديداً بتصريح وزير الخارجية التركية أوغلو الذي قال: "علينا مصالحة المعارضة والنظام بطريقة أو بأخرى".
يقول يوسف إريم، وهو صحفي مختص بتحليل السياسات الخارجية التركية: احتمالية حدوث تقدم في هذه القضايا مع وجود بشار الأسد في السلطة ضعيفة
ووفقاً لمتابعات نشطاء المرصد السوري، فقد شهدت إعزاز شمالي حلب، اقتحام المتظاهرين مديرية الأمن بالمدينة، وتوجهوا إلى مبنى المجلس المحلي وقاموا بإنزال العلم التركي وإحراقه، وسط دعوات لإزالة العلم التركي من جميع المناطق الخاضعة لنفوذ الفصائل، ومنع المتظاهرون مرور رتل تركي على طريق عفرين إعزاز، والدخول إلى مدينة إعزاز، وخطّ المحتجون عبارات على الجدران أبرزها "تسقط تركيا... ويسقط النظام".
إشارات متجددة
ورغم الرفض السوري لهذه الخطوات، جدّد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يوم أمس الثلاثاء دعوته إلى "مصالحة" بين النظام السوري والمعارضة.
وقال أوغلو، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره اللاتفي إدغارز رينكيفيش في أنقرة أمس: "يجب أن يتصالح النظام والمعارضة. هذا ما قلته.. نرى أنّ المصالحة ضرورية لإحلال سلام دائم في سوريا".
وأوضح: "استخدمت كلمة مصالحة" وليس سلاماً، مؤكداً أنه تمّ "تحريف" أقواله. وأشار إلى أنّ تصريحاته لا تشكّل منعطفاً في الموقف التركي حيال سوريا.
ومنذ بداية النزاع في سوريا عام 2011، قدمت أنقرة دعماً أساسياً للمعارضة السياسية والعسكرية. وشنتّ منذ العام 2016 ثلاث عمليات عسكرية واسعة في سوريا، استهدفت بشكل أساسي المقاتلين الأكراد، وتمكنت قواتها بالتعاون مع فصائل سورية موالية لأنقرة من السيطرة على منطقة حدودية واسعة في شمال سوريا.
ولطالما وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظام الرئيس السوري بشار الأسد بـ"القاتل". وقال في أيار (مايو) الماضي إنه لن يعيد اللاجئين السوريين الموجودين في بلاده إلى "أفواه القتلة".
هل يتم تطبيع العلاقات مع الأسد؟
يقول يوسف إريم، وهو صحافي مختص بتحليل السياسات الخارجية التركية: "لا تزال العلاقة أو عدم وجود علاقة بين تركيا ونظام الأسد مجمّدة؛ لأن أنقرة لم ترَ دمشق تتخذ أي خطوات تتطلب إعادة تقييم العلاقات الدبلوماسية".
ويرى الصحفي، في حديث لموقع "الحرة"، أنه ولكي تدخل العلاقات في مرحلة جديدة، "سيتطلب تركياً رؤية تقدم في عدد قليل من القضايا الحاسمة التي يمكن أن تشمل عملية الحل السياسي، وضمانات أمنية جادة، والعفو عن أعضاء المعارضة السورية، ونهج أكثر صرامة تجاه وحدات حماية الشعب وخريطة طريق نحو الحرية والنزاهة. وانتخابات".
وبذلك يضيف إريم أنّ "احتمالية حدوث تقدم في هذه القضايا مع وجود بشار الأسد في السلطة ضعيفة".
وليس سراً أنّ أكبر داعمين للنظام السوري (روسيا وإيران) يريدان استعادة العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق.
ما علاقة روسيا؟
ويأتي هذا التغيير في الموقف التركي بُعيد لقاء أردوغان في 5 آب (أغسطس) بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، في ظل مصالح روسية وتركية متعارضة في سوريا حيث تقدم موسكو دعماً كبيراً للرئيس بشار الأسد في مواجهة مجموعات مدعومة جزئياً من أنقرة.
وبعد اللقاء، ترددت تقارير غير رسمية حول اتصال هاتفي محتمل بين أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد باقتراح من بوتين.
يعتقد الباحث بالشأن السياسي التركي، هشام جوناي أنّ الضغوط التي مارستها موسكو على أردوغان أتت بنتائج ملموسة لصالح المصالح الروسية، وأيضاً لمصلحة نظام الأسد
وبحسب صحيفة "ديلي صباح" التركية، فإنّ اللقاء، الذي استمر أكثر من (4) ساعات بين بوتين وأردوغان، خلص إلى اتفاق بين الجانبين على "العمل سوياً" في سوريا وليبيا، على الرغم من أنّهما يدعمان أطرافاً متعارضة، دون مزيد من التفاصيل، غير أنّ المكالمة المرتقبة بين الأسد وأردوغان الذي يحتل جزءاً كبيراً من شمال سوريا، قد تصبح أكثر وضوحاً في ضوء محاولات تركيا الأخيرة للحيلولة دون توافق قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصاراً بـ"قسد" ونظام الأسد، الذي لطالما هاجمه أردوغان بشتى السبل، واعتبره "غير شرعي".
من جانبه، يقول الباحث بالشأن السياسي التركي، هشام جوناي، إنّ ما نراه في الوقت الجاري "هو تغير في السياسية الخارجية التركية"، مضيفاً "ربما لم نتوقع هذه التصريحات من وزير الخارجية، لكن واضح جداً أنّ قمتي سوتشي وطهران أثرتا كثيراً على القرار السياسي التركي".
ويعتقد جوناي، في حديث لموقع "الحرة"، أنّ "الضغوط التي مارستها موسكو على أردوغان أتت بنتائج ملموسة لصالح المصالح الروسية، وأيضاً لمصلحة نظام الأسد".
كما يعتقد أنّ "تركيا الآن ترجّح أن يكون بجوارها وعلى حدودها دولة سورية برئاسة الأسد بدلاً عن كيان كردي حتى شبه مستقل يهدد أمنها واستقرارها".
ونقلت وسائل إعلام عن أردوغان قوله في طريق العودة من سوشي: إنّه على الرغم من وجود ما يُطلق عليه "هياكل إرهابية" على الحدود مع سوريا، "اقترح بوتين عليه أنّه إذا كان يفضل حلّ هذا الأمر مع الحكومة السورية (الرئيس بشار الأسد)، فسيكون ذلك أكثر دقة".
وقد ورد أنّ الرئيس الروسي دعا الأطراف للاجتماع لإجراء مناقشات بين الجانبين التركي والسوري، إلا أنّ المصادر أضافت أنّ أنقرة، من جهتها، أكدت أنّ "الوقت مبكر" لعقد هذا الاجتماع، لكنّها لم تستبعد أنّ تتم محادثات هاتفية بين أردوغان والأسد.
ونقل "مرصد مينا" عن وسائل إعلام تركية قولها: إنّ دولة خليجية وأخرى أفريقية مسلمة، تعملان على الوساطة بين أنقرة ودمشق، مشيرة إلى أنّه في سياق إجراء التفاوض بين تركيا وسوريا، يتم العمل على تشكيل لجنة مشتركة بين أنقرة ودمشق من الخبراء الذين يعرفون المنطقة جيداً، لأنّ التوترات في المنطقة، ولا سيّما في الشمال السوري، تؤثّر على البلدين، وعلى كل المنطقة والعالم.
مواضيع ذات صلة:
- تحذيرات دولية واحتجاجات رافضة للعملية العسكرية التركية شمال سوريا.. فهل تتراجع تركيا؟