بعد أن أطفأت أضواء طرابلس: تركيا تبيع الكهرباء إلى ليبيا

بعد أن أطفأت أضواء طرابلس: تركيا تبيع الكهرباء إلى ليبيا


14/07/2020

بعد غارات كثيفة قامت بها الميليشيات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق الوطني، المدعومة من تركيا، على الغرب الليبي، تضرّرت البنية التحتية لمدن الغرب، وبشكل خاص الكهرباء، التي أصبحت شبه معدومة في طرابلس، ليخيّم الظلام على أكثر بلاد أفريقيا إنتاجاً للغاز والنفط.

الباحث أحمد الباز لـ"حفريات": هناك مخاوف دائمة لدى تركيا من احتمالية حدوث انتفاضة أو رفض شعبي عالي المستوى للوفاق، بسبب تردّي الأوضاع في عدة مدن

وبات الحديث عن حقن دماء الشعب الليبي، الذي تدّعي تركيا أنّ التدخل في البلاد حفاظاً عليه، محض هراء، لا سيما بعد إعلان أكبر شركات الطاقة التركية " كاراداينيز"، البدء في إمداد مدن الغرب الليبية بالكهرباء، بحلول منتصف آب (أغسطس) 2020.

كنز أردوغان

كجزء من حزمة اقتصادية، تمّ إقرارها بالاتفاق مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، خلال زيارة قام بها وفد تركي رفيع المستوى، يرأسه وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، في حزيران (يونيو) الماضي، إلى طرابلس، تضمنت الاتفاق على بعض الإجراءات الاقتصادية بين البلدين، وبدأ ببحث سُبل إعادة الكهرباء إلى البلاد، وذلك تحت إشراف شركة تركية تملك أسطولاً من محطات توليد الكهرباء العائمة.

 وفي حديثها مع وكالة "رويترز"، قالت رئيسة القطاع التجاري في شركة "كاراداينيز" القابضة، زينب حرزي: إنّ "الشركة تعتزم إرسال فريقها إلى ليبيا خلال أسابيع، وقد تبدأ بإمداد غرب ليبيا بالكهرباء في غضون 30 يوماً".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: محاولات الإطاحة بالمعارضة وتبرير الاحتلال التركي لليبيا

 ويرى محللون أنّ ما تنتهجه تركيا من السيطرة على مقدرات ليبيا الاقتصادية، يتخذ منحى سياسياً ذا دلالة مهمة. ويقول الصحفي والباحث التونسي المتخصص في الشأن التركي، أحمد نظيف، لـ "حفريات": "مسألة الكهرباء جزء من برنامج تركي طويل المدى للسيطرة على الاقتصاد الليبي، وهو بدوره جزء من مشروع السيطرة التركية على ليبيا، فإلى جانب المكاسب الإستراتيجية التي ستحققها تركيا من موقع ليبيا، فهي تحاول فكّ أزمتها الاقتصادية الخانقة من خلال فتح أسواق جديدة، من بينها ليبيا، وكسب مصادر جديدة للطاقة؛ فقضية الكهرباء جزء من حزمة كبيرة من الخطط الاقتصادية التركية، من بينها قطاعات المقاولات والمواد الاستهلاكية والمشتقات النفطية والنقل".

نوستالوجيا الاستعمار

ألقى قائد قوات الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، خطاباً في الثامن من تموز (يوليو) الماضي، خلال حفل تخرج دفعة جديدة من القوات المسلحة الليبية، أعلن فيه مجدداً؛ أنّ بلاده لن تقبل الاعتداء التركي السافر على أراضيها، واستخدام الميليشيات المسلحة، والإرهاب المعلن من أجل السيطرة على مقدرات ليبيا الاقتصادية، ونهب ثرواتها النفطية، والذي تسعى من خلاله إلى الخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة، وتعهّد المشير حفتر في حديثه، بالمضي قدماً لتحرير ليبيا من الاستعمار التركي الذي دمّر البلاد، ويستمر في نهجه التخريبيّ، وانتهاك القانون الدولي.

وعلى نهج الكولونيالية الكلاسيكية، في القرن التاسع عشر، تسعى تركيا من خلال اتفاقياتها المبرمة مع حكومة السرّاج، وتحديداً اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، إلى الاستيلاء على ثروات البحر المتوسط؛ إذ تتخذ من ليبيا نافذتها لهذا الهدف، لكنّ أهدافها غير المعلنة، تحمل ما هو أبعد من ليبيا، ويستدل على ذلك من المشاجرات الدبلوماسية التي تفتعلها أنقرة بين الحين والآخر بين كلّ من فرنسا ومصر واليونان وروسيا.

بالنظر إلى الأزمة الحالية في تركيا؛ فإنّ بيانات البنك الدولي الأخيرة بشأن نسب التضخم في أنقرة، تفيد بأنّها وصلت إلى نسب غير مسبوقة منذ أزمة 2001

 وفي هذا السياق، يرى الباحث المتخصص في الدراسات الأمنية وشؤون الشرق الأوسط، ومدير مركز الإنذار المبكر، أحمد الباز؛ أنّه بالإضافة للمكاسب المالية التي ستجنيها تركيا من عمليات إمداد مدن ليبية بالطاقة التي من شأنها مدّ ساعات وصول الكهرباء للسكان، إلا أنّ هناك عدة دلالات سياسية في الأمر.

اقرأ أيضاً: كشف حقيقة فصائل أردوغان في ليبيا‎

ويبين الباز لـ "حفريات": "من الواضح أنّ هناك إسراعاً بشأن تجهيز محطات الطاقة العائمة التركية لتصبح على أهبة الاستعداد لإمداد مدن ليبية بالكهرباء، وهذه الرغبة في الجاهزية بأسرع وقت لا تبتعد كثيراً عن المساعي التي تقوم بها تركيا لتثبيت نفوذها في ليبيا بكافة الأدوات الممكنة، وعلى رأسها استخدام معاناة الناس، وعبر أدوات مرتبطة بالمصالح المعيشية اليومية للشعب الليبي، بما يضمن لها عامل الاستدامة، حتى إذا بدا أنّ هناك عملية فكّ ارتباط محتملة بموجب ترتيبات سياسية مستقبلية، فإنّ تركيا سترحل كنظام سياسي، لكنّها ستبقى كذراع مؤسساتي وتجاري؛ أي أنّنا سنكون حينها أمام ما يمكن أن نسميه (إيهام بفكّ الارتباط، أو فكّ ارتباط مزيف).

الدعايات السياسية للعدالة والتنمية

بالنظر إلى الأزمة الحالية في تركيا؛ فإنّ بيانات البنك الدولي الأخيرة بشأن نسب التضخم في أنقرة، تفيد بأنّها وصلت إلى نسب غير مسبوقة منذ أزمة 2001؛ إذ بلغت نسبة التضخم، في شباط (فبراير) 2019، 20%، لتتراجع لاحقاً حتى تصل إلى 12.35%، في شباط (فبراير) 2020، قبل أن تصل إلى 11.39%، في أيار (مايو) الماضي. وبحسب مقال للباحثة الاقتصادية، قمر محمد حسن، نشرته جريدة "زمان" التركية؛ فإنّ نسب التضخم هي أكثر ما يؤرق النظام الحاكم، ويهدّد شعبيته؛ لذلك فإنّه لا مفرّ آخر أمام أردوغان، سوى نهب ثروات مستعمرة أخرى، ليحقق بها توازناً اقتصادياً داخلياً، يضمن له البقاء في سُدة الحكم، وبالمثل يتعامل أردوغان مع الشعب الليبي، الذي تخشى أنقرة انتفاضته أمام انقطاع الكهرباء والخدمات الأساسية في البلاد. 

هذا الأمر يؤكّده الباز: "هناك مخاوف دائمة لدى تركيا من احتمالية حدوث انتفاضة أو رفض شعبي عالي المستوى للوفاق، بسبب تردّي الأوضاع في عدة مدن، منها طرابلس، وبالإشارة إلى أنّ ذروة الصيف قد بدأت، فإنّ تركيا تعمل على تحييد أيّة محاولة لانتفاضة، أو تصاعد في رفض الشارع للوفاق نتيجة نقص الخدمات، وباعتبار أنّ الكهرباء تأتي على رأس الخدمات الأساسية التي يمكن أن يشعر المواطن بتأثيرها السلبي على كافة مناحي حياته؛ فإنّ نقصها شبيه تماماً بأن تبدأ كرة ثلج في التدحرج".

اقرأ أيضاً: ليبيا وصراعات "ميليشيات الوفاق"

ويردف: "سوف تستغل تركيا قيامها بسدّ ثغرة النقص في الكهرباء للعمل على ترويج رسالة مفادها؛ أنّ تركيا تمدّ يد العون للشعب الليبي، وتحاول أن تجعل حياته أكثر يسراً، وهي التكتيكات التي تُجيد أنقرة القيام بها من أجل احتواء الشارع في الدول التي تتدخل فيها تركيا، وهو نفس الأمر الذي قامت به تركيا في الشمال السوري؛ حيث بدأ الأمر بتقديم خدمات للمواطنين وانتهى بتتريك تدريجي للأراضي السورية، وصل إلى منع المياه عن بعض المناطق، ومن الواضح أنّ ليبيا ليست بعيدة عن هذه التكتيكات التركية الاستعمارية، لا سيما أنّها ستستخدم النفط والغاز الليبي في عملية إنتاج الكهرباء، وتسعى خلال ستة أشهر إلى تشغيل المصانع، وإعادة التوظيف".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية