كيف ارتبط الصعود السياسي للإخوان في إندونيسيا بتزايد معدلات التطرف؟

كيف ارتبط الصعود السياسي للإخوان في إندونيسيا بتزايد معدلات التطرف؟

كيف ارتبط الصعود السياسي للإخوان في إندونيسيا بتزايد معدلات التطرف؟


23/09/2023

منذ وقت مبكر، أولت جماعة الإخوان المسلمين، إندونيسيا، اهتماماً خاصاً؛ بوصفها المخزن الأكبر للمورد البشري في العالم الإسلامي؛ باعتبارها أكبر دول العالم من حيث تعداد المسلمين، وبجهد خاص من حسن البنا، تكونت لجنة المدافعين الإندونيسية، وهي منظمة حصلت على دعم الشعب المصري من أجل تأييد استقلال إندونيسيا.

وفي هذا الصدد، رحّب حسن البنا، بممثلي إندونيسيا؛ سوتان سياحرير، وحاجي أجوس سالم، عندما زارا مصر؛ طلباً للدعم في 16 تشرين الأول (أكتوبر) العام 1945.

في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بدأت جماعة الإخوان في ممارسة تأثيرها على الحركة الإسلامية المحلية في إندونيسيا، وجرى ذلك عبر عدة تحركات، كان أبرزها حركة التلاوة، التي نشطت في الجامعات الإندونيسيّة، والتي دشنت العديد من التحركات التي استهدفت أسلمة منظومة التعليم في الجامعات الحكومية، مثل: جامعة إندونيسيا، ومعهد باندونغ التقني، ومعهد بوغور الزراعي، وتوسعت الحركة لتشمل جامعات خاصة وأكاديميات مختلفة.

حزب العدالة والرفاهية ذراع الإخوان

سرعان ما أنجبت الحركة الإسلاميّة في الحرم الجامعي حزب العدالة (PK)، والذي تطور فيما بعد ليصبح حزب العدالة والرفاهية (PKS)، في تمّوز (يوليو) العام 1998، بمساعدة العديد من القيادات الإخوانية في مصر والشرق الأوسط؛ ليصبح الحزب ذراعاً سياسية للإخوان المسلمين؛ يهدف إلى جعل المسرح السياسي في إندونيسا منبراً لدعوة الجماعة.

يُعد حزب العدالة والرفاهية الظاهرة الأكثر إثارة للاهتمام في السياسة الإندونيسيّة المعاصرة، فالحزب لا ينمو بسرعة من حيث العضوية والدعم الانتخابي فحسب؛ بل يُقدم أيضاً نهجاً جديداً لم يعرفه التاريخ السياسي الإندونيسي من قبل، وهو ربط الدين بالسياسة، ذلك أنّ المصدر الرئيسي للإلهام الإيديولوجي والتنظيمي للحزب، يقوم بشكل مركزي على منهج الإخوان المسلمين في مصر.

يُعد حزب العدالة والرفاهية الظاهرة الأكثر إثارة للاهتمام في السياسة الإندونيسيّة المعاصرة

شهدت فترة ما بعد حكم سوهارتو في إندونيسيا، والتي بدأت منذ العام 1998، ظهور مجموعات وحركات إسلاميّة مختلفة، كان أبرزها خروج جماعة الإخوان إلى العمل العلني، والتي جلبت بدورها جهات فاعلة وأجندات جديدة إلى الواجهة. وبدأت الجماعة في التعبير عن نفسها بشكل صريح، بالتزامن مع تطور خطابها السياسي، بدءاً من مطالبة الدولة برفع الحظر عن دور الأيديولوجيا الإسلاميّة في الأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية؛ بزعم مراعاة مصالح المسلمين، وصولاً إلى الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية؛ لتحل محل قوانين الدولة، وكذلك الترويج لقضية الخلافة؛ باعتبارها محور عمل الحركة الإسلاميّة.

شهدت فترة ما بعد حكم سوهارتو في إندونيسيا ظهور مجموعات وحركات إسلاميّة مختلفة كان أبرزها خروج جماعة الإخوان إلى العمل العلني، والتي جلبت بدورها جهات فاعلة وأجندات جديدة إلى الواجهة

وعليه بدأت عملية الأخونة طويلة المدى، والتي غرست جذورها في مجتمع الأرخبيل الإندونيسي، ولم تنته بعد بأيّ حال من الأحوال حتى الآن، وهي مستمرة في إحداث التغيير، أو ما يمكن أن نطلق عليه إعادة الأسلمة، من خلال الأذرع الإخوانية المتباينة، وأبرزها جماعة التربية والأسلمة، وهدفت جميع جهود الأسلمة، التي قام بها الإخوان بشكل أساسي، إلى تقريب أتباع الإسلام من الممارسات الأرثوذكسية.

وعليه، حوّل الإخوان الجماعات الإندونيسية إلى ساحات للعمل السياسي، ويعود ذلك إلى المكانة المهمة لطلاب الجامعات في المجتمع الإندونيسي، ما دفع جماعة الإخوان إلى محاولة ترسيخ نفوذها عليهم، وكان تركيز جماعة التربية، منذ البداية، على جذب الطلاب في الحرم الجامعي، علماني النزعة، نظراً لأنّ ذلك يوفر أكبر الفرص من حيث التعبئة الرأسية والأفقية، وكان شعار جماعة التربية أنّ الطلاب عليهم واجب أسلمة إندونيسيا والانتصار للإسلام.

صعود التطرف وانتشار عمليات العنف

بالتزامن مع عملية الأخونة، تزايدت وتيرة اعتناق الفكر المتطرف، ومارست الحكومة الإندونيسيّة جهوداً متواصلة للكشف عن الجماعات الإرهابية العاملة داخل حدودها لتعطيلها وتقويضها وحرمانها من الملاذ الآمن.

وفي هذا السياق، وبحسب تقرير الخارجية الأمريكية، واصل مجاهدو تنظيم إندونيسيا تيمور (MIT) التابع لتنظيم داعش، وجماعة أنشاروت دولة (JAD) وفروعها، استهداف عناصر الشرطة وغيرها من رموز الدولة. وارتبطت الأخيرة بتفجيرات سورابايا 2018، وتفجيرات كاتدرائية جولو 2019، على الرغم من تبني تنظيم داعش المسؤولية عنهما.

مدّدت الحكومة الأعمال العسكرية المشتركة بين الشرطة والجيش، في عملية تينومبالا، ضد الجماعات الإرهابية في مقاطعة سولاويزي، لكنّ التحديات لا تزال قائمة

وتُعد إندونيسيا عضواً نشطاً في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، وتشارك في رئاسة مجموعة عمل مكافحة التطرف العنيف مع أستراليا، كما تواصل الجيوش الإندونيسية والماليزية والفلبينية تعاونها؛ لتحسين قدرات العمليات المشتركة؛ لمنع الإرهاب والجرائم العابرة للحدود، من خلال الدوريات الجوية والبحرية المنسقة. ورغم ذلك استمرت الجماعات المستوحاة من "داعش"، والتنظيمات الإرهابية الفاعلة، في استهداف المدنيين وقوات إنفاذ القانون؛ وقد شهد العام 2020 نشاطاً ملحوظاً في عمل هذه الجماعات؛ ففي نيسان (أبريل) قُتل اثنان من المدنيين في بوسو، وفي حزيران (يونيو)، قتل أحد أنصار "داعش" شرطياً إندونيسياً بالسيف، في منطقة جنوب داها في كاليمانتان، وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، قتل أربعة مدنيين في منطقة سيجي، وسط سولاويزي، على يد إرهابيين.

تُعد إندونيسيا عضواً نشطاً في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب

بدورها، أصدرت الحكومة الإندونيسية، اللائحة رقم 35/2020، بشأن تقديم التعويض، ومساعدة الشهود وضحايا الإرهاب، وتضمنت اللائحة حق الضحايا في طلب تعويض من الحكومة، عن الأضرار التي تكبدوها بسبب الهجمات الإرهابية.

ووفقًا للوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب (BNPT)، فإنّه في الفترة من كانون الثاني (يناير) إلى كانون الأول (ديسمبر) 2020، وبحسب تقرير الخارجية الأمريكية، ألقت الشرطة القبض على ما يقرب من 260 مشتبهاً بالإرهاب، وقتلت ما لا يقل عن عشرة أشخاص، ممن كانوا يقاومون الاعتقال. وكان من بين المعتقلين زولكارنين، المعروف باسم آريس سومارسونو، وهو قائد عسكري في تنظيم الجماعة الإسلامية الإرهابي، المرتبط بالقاعدة، ويعتقد أنّه متورط في التخطيط لتفجيرات بالي 2002، بالإضافة إلى هجمات أخرى.

في شباط الماضي صنفت وزارة الخزانة الأمريكية، منظمة رعاية الإنسان، ومقرها إندونيسيا، على قوائم الإرهاب، بعد ثبوت قيامها بتقديم الدعم المالي لحركة مجاهدي إندونيسيا، التي ينشط عناصرها على جبهات القتال في سوريا

وعلى الصعيد الميداني، مدّدت الحكومة الأعمال العسكرية المشتركة بين الشرطة والجيش، في عملية تينومبالا، ضد الجماعات الإرهابية في مقاطعة سولاويزي، لكنّ التحديات لا تزال قائمة، ولمواجهة تسلل العناصر الإرهابية، ربطت إندونيسيا مطاراتها الدولية وموانئها ومنافذ الدخول البرية البالغ عددها 36 منفذاً، بشبكة البيانات التابعة للإنتربول الدولي، كما ساهمت إندونيسيا بنشاط في تحديث سجلات وثائق السفر المسروقة والمفقودة، ضمن قاعدة بيانات الإنتربول العالمية من خلال الربط الآلي (الأتمتة).

وتحتفظ الشرطة الإندونيسيّة بقوائم كاملة لمراقبة الإرهابيين المشتبه بهم، لكن خطوط الاتصال والتنسيق بين الوكالات المعنية، لم تكن دائماً واضحة، ولهذا عملت الولايات المتحدة بالتنسيق مع الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب، وغيرها من وكالات أمن الحدود الإندونيسية، وقوات إنفاذ القانون على تطوير وتوحيد هذه الجهود، من خلال برنامج المساعدة والدعم في قائمة المراقبة.

كما شاركت إندونيسيا في المؤتمر الأمني ​​الثلاثي، والذي ضمّ: إندونيسيا وماليزيا والفلبين، وتناول بيئة العمليات عبر الحدود الثلاثية، واتجاهات الاختطاف في أعالي البحار، والتكتيكات التي تستخدمها مجموعات التهديد، والمبادرات والجهود الحكومية، والفجوات والتحديات التي تواجه عملية تأمين الحدود المشتركة.

جدير بالذكر أنّ إندونيسيا عضو في مجموعة آسيا والمحيط الهادئ، ووحدة الاستخبارات المالية كما حصلت إندونيسيا على صفة مراقب في مجموعة العمل المالي (FATF)، التي تنشط في مجال ملاحقة تمويل الإرهاب، وهي أيضاً عضو في مجموعة مكافحة تمويل "داعش"، وفي العام 2020، قامت إندونيسيا باعتقال ومحاكمة وإدانة أفراد بتهمة تمويل الإرهاب، وأضافت خمسة كيانات، و19 فرداً إلى قائمة المشتبه بهم في ممارسة الإرهاب، ودعم المنظمات الإرهابية.

تحتفظ الشرطة الإندونيسيّة بقوائم كاملة لمراقبة الإرهابيين المشتبه بهم

في العام 2020، أعدّت الحكومة مسودة لخطة عمل وطنية؛ لمكافحة التطرف العنيف، وصدرت كمرسوم تنفيذي رئاسي، كما قامت الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب، بإدارة برامج نزع التطرف للمدانين بالإرهاب. وتّم تسجيل الإندونيسيين الذين تم ترحيلهم من دول أخرى، أثناء محاولة السفر إلى العراق وسوريا، ودمجهم في برنامج تديره وزارة الشؤون الاجتماعية في بامبو أبوس، شرق جاكرتا؛ لإزالة التطرف، مدته شهر واحد؛ لإعادة التأهيل، واستخدمت الوكالة الإرهابيين السابقين في حملات التوعية لمكافحة التطرف، وساعدت في إنشاء مدارس داخلية لتعليم أطفال الإرهابيين السابقين.

كما أصدرت إندونيسيا مرسوماً وزارياً مشتركاً بشأن التعامل مع التطرف بين موظفي الخدمة المدنية، وشكلت فريق عمل مخصص لرصد سلوك موظفي الخدمة المدنية المتهمين بالتطرف، عبر الإنترنت، والتحقيق فيه والإبلاغ عنه. كما أطلقت الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب، مركز المعرفة الإندونيسي لمكافحة الإرهاب والعنف.

يُذكر أنّه في شباط (فبراير) الماضي، صنفت وزارة الخزانة الأمريكية، منظمة رعاية الإنسان العالمية ( (World Human Care ومقرها إندونيسيا، على قوائم الإرهاب، بعد ثبوت قيامها بتقديم الدعم المالي لحركة مجاهدي إندونيسيا (MMI)، التي ينشط عناصرها على جبهات القتال في سوريا، تحت غطاء تقديم المساعدات الإنسانية.

 

 موضيع ذات صلة:

الإخوان يهددون الوحدة والتسامح في إندونيسيا

الإخوان المسلمون في إندونيسيا: تمثلات الجغرافيا السياسية وتداعيات الاستراتيجية الجديدة

كيف اخترق الإخوان إندونيسيا.. وماذا تريد تركيا؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية