الحركات الصوفية في الجزائر: الموروث المضيء

الحركات الصوفية في الجزائر: الموروث المضيء

الحركات الصوفية في الجزائر: الموروث المضيء


13/07/2023

تُعدّ الحركات الصوفية العريقة في الجزائر شاهدةً على عصر ذهبي نفيس تألّق فيه علماء كبار بوزن يوسف بن محمد بن يوسف المكنّى "ابن النحوي"، أحد عمالقة النحو والفقه والشعر، والشيخ العلاّمة شكيب أرسلان وغيرهما، ممّن أثروا رصيد الجزائر وجعلوها أغزرها خيراً وأوسعها أسواراً وأحسنها عمقاً وأرفعها صروحاً، ممّا مكّنها من الكفاح ببسالة مذهلة صوناً لهويتها ضدّ مؤامرات المسخ والتدجين والاستلاب زمن الاحتلال الفرنسي (1830 ـ 1962).

في بلد يستوعب أكثر من (30) طريقة صوفية و(1600) زاوية دينية، تُعتبر الزاوية القادرية الجيلانية الأقدم، فقد أسسها عبد القادر الجيلاني في القرن الخامس الهجري ببغداد، وتستقطب هذه الطريقة ما يربو عن الـ (30) ألف مريد.

من جهتها، أدّت الطريقة السنوسية دوراً مهمّاً في التعليم والإصلاح، بتوجيه من مشايخ آل بن تكوك، وتعتمد المدارس التابعة للزاوية السنوسية على الدعوة والإصلاح من خلال إحياء الدين الإسلامي ومحاربة الجمود ونبذ البدع.

وتُعدّ محافظة مستغانم، (400) كيلومتر غربي العاصمة الجزائر، مقرّاً للزاوية السنوسية ومؤسسها محمد بن علي السنوسي (1787ـ 1859م)، وينحدر السنوسي من آل خطّاب، وهو من أحفاد سيدي عبد الله الإدريسي الحسني الذي امتاز بالطموح والهيبة وانتسابه إلى الحسن بن علي ـرضي الله عنهما وأرضاهماـ وما تزال آثار السنوسي الكبير خريج بوقيراط ماثلة، وكانت الزاوية في عهده تمتلئ بـ (100) طالب يتدارسون القرآن وفقه الشريعة.

وتخرّج السنوسي في مدرسة مازونة الشهيرة، ودرس بفاس ومصر ومكة المكرمة، بعد هجرته من الجزائر أثناء الحصار العسكري والاقتصادي الفرنسي للجزائر عام 1824، وكان أستاذه المتصوف أحمد بن إدريس.

جانب من حلقات الصوفيين

وسرعان ما غادر ابن السنوسي الجزائر إلى تونس، ثمّ دخل طرابلس فالقاهرة ومنها إلى الحجاز العام 1827، واشتغل السنوسي بنشر العلوم وتحصيلها والمناظرة فيها، واجتهد في دراسة المذاهب الإسلامية، حتى أبهر معاصريه.

وذكر عبد القادر بن علي أحد الباحثين في الشؤون السنوسية أنّ محمد بن علي السنوسي استقرّ بليبيا وأسّس عدة مدارس للمعرفة والعلم، مثل "الزاوية البيضاء" التي كوّنت علماء أفذاذاً، أمثال: عمران بن بركة، أحمد الريفي، علي بن عبد المولى، محمد المدني التلمساني، محمد بن حسن البسكري، عبد المتعال الإدريسي، أحمد أبو القاسم التواتي، أبو القاسم العيساوي، عمر الأشهب، محمد بن عبد الشفيع، محمد السكوري، مصطفى المحجوب، عبد الرحيم المحجوب، عمر الفضيل، محمد بن الصادق الطائفي، أبو سيف مقرب، فالح الظاهري، عبد الله التنسي، محمد بن إبراهيم الغماري، المرتضى فركاش، حسين الغريان، وشكّل هؤلاء المجلس الأعلى للحركة السنوسية.

في بلد يستوعب أكثر من (30) طريقة صوفية و(1600) زاوية دينية، تُعتبر الزاوية القادرية الجيلانية الأقدم، فقد أسسها عبد القادر الجيلاني في القرن الخامس الهجري ببغداد، وتستقطب هذه الطريقة ما يربو عن الـ (30) ألف مريد

وقرب ضريح الولي الصالح سيدي عبد الله، تدير الزاوية السنوسية مؤسسات تربوية تعليمية ومدارس للطلبة، ولم تكتفِ الزاوية بهذا الدور، بل اتجهت إلى دور أعظم وهو إصلاح ذات البين ونشر الطريقة التي أجازها كل من الشيخ بن قندوز والشيخ الشارف بن جيلالي بن تكوك.

ونجد في كتاب المرآة الجليلة لصاحبه الشيخ الجيلالي بن عبد الحكيم (ص 293) هذا النص: "أول من أسّس زاوية بن تكوك السنوسية، هو القطب الغوث سيدي بن تكوك من زهاد الصوفية، وأسّس تلك الزاوية على تقوى من الله ورضوانه وعمّرها بطلبة القرآن العظيم، فتخرّج على يده كثير من الطلبة، كما تصدّر ـ رحمه الله ـ للإرشاد، وكوّن عدة مشايخ في هذه الطريقة.

وعملت المدارس التابعة للزاوية السنوسية على تحفيظ القرآن ونشر تعاليمه من فقه وتشريع وتنوير العقول ونشر المعرفة بفهم السيرة النبوية والعقيدة الصحيحة وتعليم مبادئ اللغة العربية وتهذيب سلوك الناس وجمع شملهم وإصلاح ذات البين.

امتدادات الرحمانية والتجانية والسنوسية  

أسّس محمد بن عبد الرحمن القشتولي الجرجري الأزهري المكنّى "أبو القبرين"، الطريقة الرحمانية قبل نحو قرنين ونصف بقلب منطقة القبائل الكبرى، (110) كيلومترات شرقي الجزائر العاصمة، وبثّت هذه الحركة الإصلاحية روافد المعرفة والعلم في كامل أفريقيا، من خلال عدة مدارس في الجزائر والمغرب وعدّة دول في القارة السمراء.

وتُعدّ منطقة عين ماضي بجنوب الجزائر مهد الطريقة التجانية التي أسّسها أبو العباس سيدي أحمد التجاني (1737ـ 1815)، وامتدت حتى أصبح عدد التجانيين في العالم يربو عن (450) مليوناً، وتحظى التجانية بمريدين كُثر في الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا والمغرب، ومصر وسائر شمال أفريقيا، وصولاً إلى السنغال، نيجيريا، السودان، سيراليون، سوريا، فلسطين، المملكة العربية السعودية، أندونيسيا، باكستان، أفغانستان، الهند، الولايات المتحدة الأمريكية، كما دخلت الطريقة إلى إيطاليا، تركيا، بلغاريا، إنجلترا، ألبانيا، دول البلقان.

تُعدّ منطقة عين ماضي بجنوب الجزائر مهد الطريقة التجانية

وبرزت باعتبارها حلقة من حلقات الصحوة الإسلامية، ومنهجاً في الحياة يكفل للناس ربط الأرض بالسماء بخيط المحبة والسعادة والتآزر، ودافع مريدو التجانية عن الدين والأوطان والنفوس والأعراض، وقدّموا ضريبة باهظة في سبيل إيقافهم مخططات فرنسا التي قامت بتهديم زواياهم.

واعتنى سيدي الحاج محمد بن تكوك، المشهور بـ "سيدي محمد العالم"، بنشر العلم، فطوّر المدارس الصوفية، حتى ذاعت شهرته بين "قبائل مجاهر"، لِما عُرف عنه من علم وزهد وإصلاح، وتكفّل سيدي مصطفى بتوظيف نخبة من المدرّسين للنهوض بمستوى التعليم القرآني وتلقين جميع علوم العصر.

البوزيديون والدرقاويون والعلّاويون والبلقايديون    

شهدت الجزائر صعوداً لافتاً لمدارس صوفية أخرى، مثل الزاوية البوزيدية ممثّلة بشيوخها سيدي محمد الحبيب البوزيدي ودحاح البوزيدي وسيدي حمو الشيخ، والزاوية الدرقاوية الشاذلية ممثلة بالشيخ بلحول في وادي الخير، وكان مُقدّمها "المقدم بوطرفة" جدّ الشيخ سي شعبان، ثم ولده عبد القادر والد الشيخ سي شعبان.

وتحضر الزاوية العلاوية على نحو لافت منذ عهد مؤسسها أحمد بن مصطفى بن عليوة المشهور بلقب "العلّاوي" (1869-1934)، وبرز "العلّاويون" بمدارسهم و"المطبعة العلوية" منذ بدايات القرن التاسع عشر، حيث نهضوا بطبع الكتب والجرائد إبّان الحقبة الاستعمارية.

وتُعدّ الطريقة العلّاوية فرعاً عن الطريقة الدرقاوية، لكنّها اعتمدت منهجاً تلقينياً عصرياً، قام على ترسيخ ثوابت الهوية والتعبئة دفاعاً عن حرية الوطن، وقام العلّاويون بتأسيس عدة مدارس وجمعيات، بينها "جمعية الشبان العلّاويين" تشرين الثاني (نوفمبر) 1936، ثمّ أسّسوا جمعيتي "التنوير" و"أحباب الإسلام".

وشهدت منطقة تلمسان، (700) كيلومتر غربي الجزائر العاصمة، نشوء الطريقة البلقايدية على يد محمد بلقايد الهبري الشريف الحسني الإدريسي، وامتدت هذه الطريقة لتصل إلى محافظات الجنوب الجزائري ودول الساحل الأفريقي.

الهامل ... قطب التصوف 

تُعتبر زاوية الهامل القاسمية جنوبي الجزائر قطب التصوف في الجزائر والمنطقة المغاربية، وتقع هذه الزاوية بمدينة بوسعادة، (241) كلم جنوبي شرق العاصمة الجزائر، ونهض رجالاتها بأدوار علمية وتربوية مهمّة منذ تأسيسها عام 1260هــ / 1844م على يد العلّامة الشهير "سيدي محمد بن أبي القاسم الشريف الحسني".

وبمحاذاة مرتفعات متاخمة لجبال "أولاد نايل"، تتشامخ زاوية الهامل التي تخرّج فيها الآلاف من طلبة العلم، وتضمّ مكتبة ضخمة ومجموعة هائلة من المخطوطات تقدّر بنحو (1000) مجلّد، وتشمل علوم القرآن والحديث والفقه والتاريخ والسير والتراجم، إضافة إلى التصوف والفكر والتوحيد والمنطق، فضلاً عن اللغة والآداب وعلوم الفلك والطب والحساب.

وصارت الزاوية القاسمية مركز إشعاع حضاري، بحكم استقطابها الكثير من العلماء والباحثين وأهل الفضل من داخل البلاد وخارجها، حتى أصبحت مهداً إسلامياً كوّن عدداً كبيراً من الأعلام في كبرى الحواضر.

ويبلغ عدد طلّاب الزاوية كل عام نحو الـ (400)، بينهم عشرات المقيمين، إضافة إلى الطالبات، وعلى مدار (175) عاماً عكفت زاوية الهامل القاسمية على تكوين أزيد من (2000) طالب من حفظة القرآن والمتفقهين الذين بلغوا أرقى الدرجات، وتوزعوا على التربية والتعليم، والقضاء، والمساجد، والجامعات ومراكز البحث وسائر الهيئات.  

شهدت الجزائر صعوداً لافتاً لمدارس صوفية أخرى، مثل الزاوية البوزيدية

وخرّجت زاوية الهامل أجيالاً من العلماء، أبرزهم محمد بن عبد الرحمن الديسي، عبد السلام التازي، محمد العاصمي، أبو القاسم الحفناوي، محمد الملكي بن عزوز، حمدان الونيسي، عبد الحليم بن سماية، عاشور الخنقي، محمد السنوسي التونسي، محمد العربي الجزائري، أحمد الأمين بن عزوز المدني، الونوغي بن أبي مزراق المقراني، عبد القادر بن إبراهيم المسعدي، عبد القادر المجاوي، شعيب التلمساني، مصطفى بن السادات، حميدة بن الطيب الجزائري المدني، وغيرهم.

فضاء ثقافي نابض

يقول الباحث سليم عليلات إنّ زاوية الهامل القاسمية فضاء ثقافي نابض بالحراك الدائم، ويستدل بمطبوعات حجرية نادرة، منها ما طبع بخط اليد، كالتي نشرت في الهند والمغرب الأقصى، ومنها ما كان بالحرف المطبعي، كمنشورات المطبعة السلطانية بفرنسا، ومطبوعات بولاق بمصر، ومجموعة قيّمة من الوثائق والرسائل الواردة من أعلام العالم الإسلامي إلى شيوخ الزاوية.

وتكفّل شيوخ الزاوية بطبع عدة مجلات وجرائد قديمة صدرت في القرن التاسع عشر معظمها من المغرب العربي، وسلسلة وثائق قيّمة ورسائل تزيد عن الـ (500)، وكتب قيّمة بينها "المنح الربانية" للقسنطيني (1890)، و"الزهر الباسم" للقاسمي (1891)، و"توهين المتين" للديسي، و"البستان في ذكر علماء تلمسان"، و"منار الإشراف" للخنقي، و"ترتيب المدارك" للقاضي عياض، كما نشرت دار الخليل القاسمي مجموعة من الرسائل والكتب نذكر منها: "ورد الطريقة الرحمانية"، "شرح أبيات ابن عربي"، "الإرشاد" للثعالبي، "شرح سينية ابن باديس" و"فتح المولى" لابن فكون.

ويشير سماحة الشيخ "المأمون القاسمي الحسني"، رئيس رابطة الزوايا الرحمانية، إلى أنّ الزاوية تهدف إلى إحياء تراث علمي أصيل محلياً ومغاربياً، كما تهتمّ بترشيد وتجديد الفكر في الجزائر، عبر تصحيح المسار العام وبعث الفقه الإسلامي في شقه المتعلق بالعبادات والمعاملات.

ويضيف أنّ الزاوية تعنى برسالة حضارية ثلاثية الأبعاد؛ قوامها التعليم والتوجيه والتوعية لإصلاح المجتمع وحمايته من الأفكار الهدّامة والدعوات المشبوهة والترّهات الطائفية المفرّقة والتيارات الدينية المتشدّدة.

وتحرص الزاوية على التكفل بالأسر الفقيرة كتقديم المساعدة لذوي الحاجات من المعوزين واليتامى وأبناء السبيل، كما تتكفل مجاناً بالطلاب الوافدين إليها.

أعلام وأعمال

حفلت مسارات الحركات الصوفية في الجزائر بكوكبة من الأعلام الذين أسهموا بحركة تأليفية ضخمة، أبرزهم العلامة القاضي سيدي عبد الله حشلاف من مواليد 1872 بمدينة مستغانم، درس القرآن وعلومه بمسقط رأسه، والتحق بجامع الزيتونة وتخرّج فيه عام 1908، وانكبّ على البحث والعلم والمعرفة، وقد اعتُبر سيدي عبد الله حشلاف نسّابة الجزائر، بعدما أبدع في كتابه "سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ"، وهو مرجع أصيل للمتخصصين في علم الأنساب.

وترك القاضي حشلاف مؤلفات أكاديمية عديدة؛ أبرزها: "القول الفصل في جواز زيارة أولياء الله الكُمّل"، "بهجة الأنوار في نسب آل النبي المختار"، "روضة العاشق في شمائل ابن المشرقي الصادق"، "الإرشاد في تجديد العهود والأوراد"، "الشرف المصون لآل كنون"، وحظي حشلاف بوسام الافتخار في تونس وقلّد الباي لقاضي مستغانم عام 1926 عرفاناً لجهده وخدمة الدين والعروبة، وتوفي العلامة يوم 17 حزيران (يونيو) 1937، تاركاً آثاراً فكرية ودينية وعلمية ناصعة.

وإلى جانب العلّامة القاضي عبد الله حشلاف، تحتفظ ذاكرة الجزائر بأسماء علماء، ومنهم أبو الحسن سيدي علي بن عبد الرحمن، ابن عبد الله شيخ، القاضي أبو بكر بن شعيب بن علي الجليلي التلمساني، قدور بن سليمان المستغانمي، محمد بن أبي القاسم الحفناوي، الطاهر بن شهيدة اليحياوي، يوسف المجاهري وأحمد بن مصطفى العلوي، الطاهر بن شهيدة ذو المناقب الرفيعة، الإمام الجيلالي بلمهدي، عبد القادر بن طه ولقبه دحاح، الخطيب والواعظ سي محمد قابورة، والفقيه والنحوي الحاج قدور أبو بكر الرياحي.

آثار ثمينة

تميّز عبد القادر بن قارة مصطفى الشريف الحسني، 1862 ـ 14 شباط (فبراير) 1956، وهو من سلالة سيدي عفيف بحاضرة مستغانم، وكان عالماً مصلحاً وأحد أشهر حفظة القرآن الكريم في وقته، كما أحسن النهل من علوم الدين كالتفسير والحديث والفقه، ونبغ في تعلّم النحو والصرف على مدار (3) أعوام بمدينة غليزان، قبل أن يسافر إلى قصر البخاري وتلمسان ووهران، في رحلات علمية مكّنته من الاحتكاك بالعلماء، العربي بلقاسم والمدني والعكرمي، إضافة إلى سيدي أحمد المختار والطاهر بن عمار والأخضر بن ميموني، والشيخ العربي الفجيجي الذي تلقى عنه علوم النحو والصرف والعروض، لينتهي به المطاف مدرّساً بالجامع الأعظم لمدينة مستغانم.

 زاوية الهامل القاسمية فضاء ثقافي نابض بالحراك الدائم

وعلى مدار مساره العلمي الحافل، ترك الشيخ بن قارة آثاراً ثمينة؛ أبرزها: منظومة "قرّة الأعيان في أدب تلاوة القرآن"، حتمية الأنوار المحمدية النبهانية، مختصر المواهب اللدنية السلطانية"،" نيل الأمان في شرح عقد الجمان لنظم فتح الرحمن"، وهو شرح لأصل "عقد الجمان النفيس في تراجم علماء غريس" لمؤلفه سيدي عبد الرحمن التوجيني الذي قام بنظمه القاضي شعيب التلمساني، و"رسالة مطولة في صفحات أربع كبيرة"، إضافة إلى مخطوطي "رسالة في جواز إعطاء الزكاة لآل البيت"، و"إرشاد الخلق إلى الحق"، و"رسائل في فنون متنوعة من توحيد وفقه وإرشاد ونحو وصرف".

وإلى جانب الشيخ بن قارة، برز الشيخ العلّامة محمد قابورة المستغانمي، 1950ـ 8 حزيران (يونيو) 2019، واشتهر الشيخ بملكة الحفظ، حتى سُمّي "المكتبة المتنقلة"، حيث كان متمكّناً من أمهّات كتب الفقه والأصول، مثل "مختصر خليل"، "حاشية الدسوقي"، "جمع الجوامع" للسيوطي، و"الصحاح" للبخاري والترمذي، ناهيك عن إحاطته حفظاً بكبرى المنظومات العلمية على غرار الألفية والأجرومية.

وتتلمذ الشيخ قابورة على أيادي العلماء الأفذاذ، بينهم الشيخ سيدي محمد بن تكوك (1888-1979)، والشيخ أحمد عتبة الجيلاني العطافي (1881-1964)، والشيخ أحمد حماني (1915-1998).

وأسهم الشيخ قابورة بقسط وافر في تكوين أجيال من الأئمة والمدرّسين في الفقه والأصول والمنطق والنحو، قبل أن تفيض روحه في 8 حزيران (يونيو) 2019، تاركاً وراءه أثراً راسخاً.

فيوض الشعر

تألّق العلّامة الجيلالي بلمهدي، 1936 ـ 29 أيار (مايو) 2019، الذي بدأ باكراً رحلة تلقي العلوم الدينية في الجزائر، ثمّ هاجر إلى مدينة فاس بالمغرب التي نال بها عدّة إجازات علمية.

وكرّس الشيخ بلمهدي حياته لتعليم القرآن الكريم ومختلف علوم الدين، لا سيّما الفقه والتفسير، إضافة إلى اجتهاده في تقديم الدروس والمواعظ بالمسجد العتيق الذي ظلّ محجاً لطلاب العلم، وقدّم عدة برامج إذاعية؛ بينها "فتاوى على المباشر"، "ويستفتونك في الدين" و"أحكام الصيام"، قبل أن تفيض روح الشيخ الجيلالي بلمهدي يوم الأربعاء 29 أيار (مايو) 2019 بمسقط رأسه مستغانم.

وعرف الأدب الجزائري القديم شعر التصوف (حب الحقيقة والفناء في طاعة الله)، ومن شعراء الصوفية في الجزائر آنذاك أبو مدين بن شعيب، الذي "ولد بإشبيلية، وتعلم بفاس، ثم حج، وعند أوبته توطن بجاية. توفي قرب تلمسان عام 594هـ، ودفن بقرية العباد في تلمسان وضريحه بها مشهور مزار".

ومن حلو شعره:

لألطافك الحسنى مددت يد الرجا   

وحالي كما تدري، وأنت المؤمل

قصدتك ملهوفاً فؤادي لما طـرا    

وأنت رؤوف محســــن متفضـل

ومن شعراء الصوفية في الجزائر أيضاً الشاعر أبو حمو موسى الثاني، الذي عُرف بشعر المولديات (الاحتفال بليلة المولد النبوي)، ومن أشهر مولدياته، عام 760هـ:

نام الأحباب ولم تنم  

عيني بمصارعة الندم

بدوره، أنشد الشيخ أحمد بن عليوة العام 1924 قصيدة "هيّا بنا أهل الوطن"، وجاء فيها:

هيّا بنا أهل الوطن    

نحيي الفروض مع السنن

ونجتنب كل الفتن  

التي قد حلت بنا

هيّا بنا أهل البلاد   

لنجتمع على الرشاد

 وكفانا هذا البعاد  

الذي قد ضـــرّ بنا

هيا بنا نعطي الميثاق  

لنتحد على الوفاق

وكفانا هذا الشقاق  

الذي قد فشا فينا

****

قوموا بنا نُعط اليمين  

 لنصرة الشرع المبين

فلا عـــزّ للمســلمين    

إذا خانوا بعهدنا

    ****                              
يا رب تحمي الشباب    

فلا يعدم منك الصواب

فلترشده إلـــى الكتاب   

وسنن المهتدينا

مواضيع ذات صلة:

تحولات في التديُّن... من الإسلاموية إلى التصوف

الكتابة عن التصوف: فوارق الداخل والخارج

كيف قرّر المتصوف الهندي أوشو: بتواجد الحب تتواجد الكراهية؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية