محمد شحرور لمن لم يقرأه.. ماذا تعرف عن ركائز مشروعه الفكري؟

محمد شحرور لمن لم يقرأه.. ماذا تعرف عن ركائز مشروعه الفكري؟


26/12/2019

رحل عن عالمنا الدكتور محمد شحرور، المفكر الإسلامي وصاحب القراءة المعاصرة للقرآن الكريم، وبرحيله فقدت الأمة أحد رموز التنوير في هذا العصر، وصاحب مشروع متكامل هدفه إصلاح الفكر والخطاب الإسلامي، بعد أن حمل على عاتقه تقديم الإسلام بصورة معاصرة، متحدياً التيار الأصولي والتراثي.

وفاة شحرور كشفت أسوأ أمراض الأمة العربية والإسلامية وهو الانحياز والاستقطاب الحادّ

غير أنّ وفاة الدكتور محمد شحرور، وما صاحبها من تعليقات معه أو ضدّه، كشفت أسوأ أمراض الأمة العربية والإسلامية، وهو الانحياز والاستقطاب الحادّ؛ ففريق كفرّه وشمت في موته، زاعمين أنّه كان "يكره الإسلام وأساء له"، وفريق آخر ترحّم عليه منزهاً إياه عن كلّ النقائص، مدعياً أنّ أفكاره سابقة لعصرها، ودارت معركة بين منزّه ومدنّس له، ومن ثم ضاعت حقيقة مشروع شحرور، وأهم ما كان يؤسس له الراحل، وهو المنهج في التعامل مع النصّ المقدس، ومسارات الفكر التنويري التي أراد الراحل شقّها في وسط الردة الظلامية التي شهدها العالم العربي والإسلامي خلال العقود الأربعة الماضية.


ولد محمد شحرور في دمشق، العام 1938، من عائلة متوسطة، أتمّ تعليمه الثانوي في دمشق وحصل على شهادة الثانوية العامة عام ١٩٥٨، وسافر بعد ذلك إلى الاتحاد السوفييتي ليتابع دراسته في الهندسة المدنية، وتخرج بدرجة دبلوم 1964 من جامعة موسكو آنذاك، ثم عاد لدمشق ليعيّن فيها معيداً في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق، حتى العام 1968، أوفد إلى جامعة دبلن بإيرلندا العام 1968 للحصول على شهادتَي الماجستير العام 1969، والدكتوراه العام 1972 في الهندسة المدنية، ثم عيِّن مدرساً في كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق العام 1972، لمادة ميكانيك التربة، ثم أستاذاً مساعداً.

اقرأ أيضاً: وفاة المفكّر السوري محمد شحرور
بدأ في دراسة التنزيل الحكيم وهو في أيرلندا بعد حرب 1967، وقد ساعده المنطق الرياضي على هذه الدراسة، واستمر في هذا النهج حتى العام 1990، الذي شهد إصداره كتابه الأول والأشهر "الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة"، وصدر له بعد ذلك 9 كتب كان آخرها العام 2016.
أدت منهجيته واستنتاجاته ومواقفه إلى كثير من النقد سواء من قِبَل التيار التراثي في العالم العربي والإسلامي، أو من قبل التنويريين أنفسهم، ممن يرون ضرورة القطيعة المعرفية مع التراث، فقد رأوه يجمّل ويرقّع في التراث، وأحسب أنّه من الإنصاف للرجل عرض مشروعه الفكري ومنهجه في التعامل مع الكتاب، وفيما يلي عرض مختصر لمشروعه الفكري.
ركائز المشروع الفكري لمحمد شحرور
أنسنة الدين: يركّز شحرور في مشروعه على الطبيعة الإنسانية المصاحبة لتنزيل القرآن الكريم، وعلى أنّ تقديم الإسلام بصورته التراثية تنفّر العالم منه، وملامح الأنسنة في الإسلام يلخصها شحرور في "التصالح مع الآخر والتسامح والقانونية المدنية والتعددية طبيعة ملازمة للإنسان"، أما محاولة جعل أفعال النبي، صلى الله عليه وسلم، بصفته البشرية حكماً على القرون التالية "ليس من الصواب"، بالتالي؛ فإنّ ما فعله النبي، صلى الله عليه وسلم، "ليس حكماً ملزماً"، كما هو الحال بالنسبة للتراثيين، ويرى أنّ هذه المسألة جوهرية لإخراج الفقه الإسلامي من حالة الجمود والرجعية التي يعيش فيها؛ حيث إنّ التقليديين يرون أنّ هذه الأحكام التي اتخذت في القرن السابع الميلادي في منطقة الجزيرة العربية صالحة لكلّ زمان ومكان، وأنّ المساس بها مساس بالإسلام وخروج عنه، كما أنّه يقول إنّ الزمن من الممكن تقسيمه زمانياً إلى مرحلتين: المرحلة الأولى هي مرحلة الرسالات التي انتهت بالرسالة المحمدية، والمرحلة الثانية هي مرحلة ما بعد الرسالات والتي نعيشها نحن؛ أي إنّ الإنسانية الآن لا تحتاج إلى أية رسالة أو نبوّة؛ بل هي قادرة على اكتشاف الوجود بنفسها دون نبوّات، وقادرة على التشريع بنفسها دون رسالات، قدم  ذلك في "مشروع ميثاق العمل الإسلامي"، العام 1999، والذي قصد به أن يكون ورقة عمل وميثاقاً للمسلمين للدخول إلى القرن الواحد والعشرين ووضع فيه ما يراه المبادئ الرئيسة العامة للإسلام.

فريق كفّره وشمت في موته وفريق ترحّم عليه منزهاً إياه عن كلّ النقائص

عالمية الخطاب الاسلامي: يرى شحرور أنّ الخطاب الإسلامي خطاب عالمي يتسع لغير المسلمين (بالمعنى المتعارف عليه)، لهذا يقوم بإعادة تعريف المسلم ليشمل كلّ من آمن بالله تعالى واليوم الآخر وعمل صالحاً، وليس فقط من آمن بالله تعالى وبمحمّد رسولاً، وهذا التعريف يشمل الغالبية العظمى لسكان المنطقة العربية والإسلامية، وبالتالي؛ فإنّه يحلّ بذلك مسألة التمييز التي يفرضها الفكر الإسلامي التقليدي الذي يجعل من أتباع الطوائف والأديان الأخرى مواطنين من الدرجة الثانية منقوصي الحقوق يجب التعامل معهم والنظر إليهم بشكل آخر من قبل الدولة والمجتمع.

اقرأ أيضاً: محمد شحرور: سجال لن ينتهي بالرحيل
تعدّد طرق الايمان بالله: يرى شحرور أنّ المؤمن بالنسبة إليه هو من آمن بالرسالة المحمدية وتكاليفها؛ من شعائر الصلاة والصوم والزكاة والحج، وتعبّد الله بالطريقة التي أتى بها الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم،  ويضع مقابل ذلك المؤمنين بالرسالات اليسوعية أو الموسوية، أو غيرهما، وطريقتهم في الصلاة والصوم والحج والتعبد، وهذه فكرة مثيرة للاهتمام؛ لأنّها تسعى للقضاء على فكرة المفاضلة بين الناس في المنطقة العربية والإسلامية بتقعيد عقائدي إسلامي.
القانون تطبيق للشريعة: فيما يتعلق بالشريعة وتطبيقها؛ فإنّ شحرور يتعامل مع هذه المسألة الشائكة بالقول: إنّ آيات الأحكام في القرآن الكريم قابلة لإعادة النظر فيها، وإنّ ما كان صالحاً لزمن ما لا يصلح لزمن آخر، لا بل يزيد على ذلك، ويقول إنّ حاكمية الله مطلقة لا وجود لها إلا عند الله، وإنّ محاولات تطبيقها ليست إلا نشاطات إنسانية قد تصيب وقد تخطئ، وإنّه لا دخل لحاكمية الله المطلقة بها، وإنّ كلّ من يدعي تطبيقها هو مضلِّل ومفسد، يريد التغطية على القمع ومصادرة الحريات.

استخدم العقل والمنطق الأرسطي في الاستدلال عند التعامل مع قضايا القرآن الكريم الكلية

تاريخية النصّ: لا يرى شحرور أنّ القرآن الكريم يضمّ الناسخ والمنسوخ (بالمناسبة ليس هو فقط، بل سبقه إلى هذا كثيرون)؛ فلا قيمة له عنده ولا يأخذ بالأحكام المترتبة عليه، كما أنّه يرى أنّ قصص القرآن الكريم المخبرة، أو ما حدث مع الرّسل السابقين مثلاً، أو عن المعارك التي خاضها المسلمون، كبدر وأحد والخندق وتبوك، هي أحداث تاريخية لا يصحّ استنباط الأحكام منها، ويدخل في ذلك آيات سورة التوبة، التي يتخذها الجهاديون دليلاً نصياً على محاربة الكفار والمشركين إلى يوم القيامة.
تحريم الفواحش: كما أنّه يحصر المحرمات في أربع عشرة مسألة هي: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل الأولاد خشية إملاق، والاقتراب من الفواحش (الزنا واللواط والسفاح،) وقتل النفس، وأكل مال اليتيم، والغشّ، وشهادة الزور، ونقض العهد، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، والاستقسام بالأزلام، والإثم، والبغي بغير حقّ، والتقوّل على الله، ونكاح المحارم، والرّبا.

اقرأ أيضاً: نصر حامد أبو زيد كما عرفته
ويجعل غير ذلك من المسائل خاضعاً لإجماع الناس (عن طريق الديمقراطية والبرلمانات) مع الأخذ برأي علماء الطبيعة (في مجالات الاجتماع، والإحصاء، والاقتصاد، …إلخ) لا علماء الدين ومؤسسات الإفتاء، وهذا الموقف يعطي المسلمين حرية أكثر في حياتهم وتعاملاتهم مع الناس.

اقرأ أيضاً: نصر حامد أبو زيد غرّد خارج السرب فأزهرت كلماته ومات غريباً
الإنسان حرّ الإرادة: وعن حرية الإرادة عند الإنسان يقول شحرور: إنّ تعريف القضاء والقدر تمّ وضعه في العهد الأموي على أنّ القضاء هو علم الله الأزلي، وأنّ القدر هو نفاذ هذا العلم على أرض الواقع، مثال: سبق في علم الله أنّ بني أمية سوف يحكمون، وبالتالي فلا بدّ من أن يصبح حكم بني أمية واقعاً، وينتقد ذلك ويقول إنّ هذا الفهم قد أدى إلى بروز العقيدة الجبرية وانعكاسها بين العامة، بالقول إنّ كلّ شيء مكتوب وإنّ عمر الإنسان مكتوب ورزقه مكتوب، … إلخ.
منهج شحرور في التعامل مع النصّ المقدس
المباشرة: يستخدم شحرور مبدأ المباشرة في التعامل مع القرآن الكريم؛ أي إنّ لكلّ إنسان حقّ التدبّر والتفكّر؛ بل هو واجب على كلّ مسلم، ولا يصحّ أن يقرأ المسلم القرآن الكريم بعيون غيره.

أدت طروحاته إلى كثير من النقد سواء من التيار التراثي أو من التنويريين أنفسهم

اللغة: يؤمن شحرور بأنّ القرآن الكريم كتاب مقدّس ليس فيه ترادف، وأنّ لكلّ لفظة مدلولاً مستقلاً، فالكتاب ليس هو الذكر، وليس هو القرآن، وليس هو المصحف.
العقل: يستخدم شحرور العقل والمنطق الأرسطي في الاستدلال، عند التعامل مع قضايا القرآن الكريم الكلية، وأنّ ما يصل به الإنسان مستخدماً عقله عليه أن يلتزم به.

هذا هو مشروع المفكر الإسلامي، محمد شحرور، وهذا هو منهجه في التعامل مع القرآن الكريم،  لك أن تختلف معه كلياً أو جزئياً، ولك أن تتفق معه كلياً أو جزئياً، لكن ليس من حقّ أحد مصادرة فكر الرجل واتهامه في دينه، كما يجب أن نؤكد على أنّ أهم ما قدمه اجتهاد في سبيل تحرير العقل والنصّ من أيدي سدنة المعبد وحراس العقيدة، ويكفيه أنّه رمى حجراً في المياه الراكدة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية