التراجع أو المواجهة.. ما هو السيناريو الأقرب لمستقبل داعش في سوريا؟

التراجع أو المواجهة.. ما هو السيناريو الأقرب لمستقبل داعش في سوريا؟

التراجع أو المواجهة.. ما هو السيناريو الأقرب لمستقبل داعش في سوريا؟


05/02/2025

يشكل الفراغ الأمني الناجم عن انهيار النظام السوري، إلى جانب الاشتباكات العسكرية بين الفصائل السورية، البيئة المثالية لتنظيم "داعش" لاستعادة نشاطه وترتيب صفوفه، وهو ما يثير المخاوف في المنطقة وفي العالم من عودة خطر التنظيم من جديد.

هذه المخاوف تصاعدت بعد أن اتخذت خريطة النفوذ، لأول مرة منذ نحو خمس سنوات، شكلاً جديداً حمل هيئة تحرير الشام إلى الإحلال محل النظام المنهار، فيما صارت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" تصارع من أجل البقاء كجناح عسكري للإدارة الذاتية الكردية، تحت وطأة التهديدات التركية وحليفها الجيش الوطني السوري.

 في الأثناء، التزم تنظيم داعش طيلة هذه الفترة بموقف "مزدوج"، اتسم على مستوى الخطاب بتصعيد التهديد، وعلى المستوى العملي بالتزام سقف منخفض، وهو ما سلطت عليه دراسة حديثة نشرها "مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، بعنوان "سيناريوهان متعارضان: مستقبل داعش في سوريا بين التراجع أو المواجهة".

تحولات داعش

وبحسب ما أوردته الدراسة، فإن التدخل الأمريكي في العراق، عام 2003 لإنهاء حكم صدام حسين، شكّل بداية لانطلاق حرب طويلة الأمد ضد التنظيمات الجهادية ممثلة في "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"؛ فرع تنظيم القاعدة في العراق بقيادة أبو مصعب الزرقاوي الذي قُتل في حزيران / يونيو 2006، وكان حينها التنظيم مسيطراً على ربوع واسعة في العراق شجعته على إعلان ما يُسمى "دولة العراق الإسلامية" في نيسان / أبريل 2006. 

وبعد تفجر الأوضاع الأمنية في سوريا، قرر التنظيم الزحف على أراضٍ في الداخل السوري، فأعلن ما يُسمى بـ"الدولة الإسلامية في العراق والشام" في نيسان / أبريل 2013، بقيادة أبو بكر البغدادي، وصار من حينها يُعرف باسمها المختصر "داعش".

بيد أن أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، زعيم جبهة النصرة وممثل أبو بكر البغدادي في الجزء السوري من "الدولة" المُعلنة، قرر فك ارتباطه بتنظيم البغدادي والالتحاق بجماعة القاعدة عبر أداء ولاء البيعة لزعيمها أيمن الظواهري في نيسان / أبريل 2013، فيما قرر التنظيم المُضي قدماً في بسط نفوذه وفرض قراره على من خالفه وعاداه، معلناً "الجهاد المسلح" ضد أتباع الجولاني في مختلف المدن السورية. 

زعيم جبهة النصرة وممثل أبو بكر البغدادي في الجزء السوري آنذاك: أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)

كما أعلن تنظيم البغدادي ما يُسمى "الخلافة الإسلامية"، حسب مفهومه لأحكام السياسة الشرعية، في حزيران / يونيو 2014، لنزع الشرعية عن كل تنظيم لا ينضوي تحت سلطة البغدادي.

لكن التحرك الدولي الحثيث الذي تُوج بإقامة "التحالف الدولي لمحاربة داعش" في سبتمبر 2014، سرعان ما قضى على مشروع "دولة الخلافة"؛ حيث أعلن العراق في كانون الأول / ديسمبر 2017 طرد تنظيم داعش من أراضيه.

وفي آذار / مارس 2019، أعلنت القوات الأمريكية وحليفتها "قسد" عن طرده من بلدة الباغوز؛ آخر معاقله في سوريا. وبهذا فقد تنظيم داعش سيطرته المكانية، ودخل مرحلة جديدة من المعارك عبر خلايا متفرقة ونشيطة اتسمت بعمليات الكر والفر أو ما يُعرف في الأدبيات الجهادية بـ"الشوكة والنكاية".

في غضون ذلك، نجحت هيئة تحرير الشام في إبعاد داعش من مواقعها وتأمين نفسها من اختراقاته، وإن عادت لترديد اسمه في إبريل 2024 حين اتهمته باغتيال أبو ماريا القحطاني، أحد أبرز قياداتها، بمناطق سيطرتها في محافظة إدلب.

وأشارت الدراسة إلى أن تنظيم داعش ظل خلال تلك الفترة عُرضة لضربات نظام الأسد، مدعوماً بقصف الطيران الروسي من جهة ولحملات "قسد" وحلفائها في التحالف الدولي من جهة أخرى؛ وكانت الحصيلة استنزافاً كبيراً لقدراته، فقد معه أربعة من زعمائه في غضون أربع سنوات فقط، أولهم أبو بكر البغدادي في تشين الأول / أكتوبر 2019 وآخرهم أبو الحسين الحسيني القرشي في نيسان / إبريل 2023. 

كما اعتبرت الدراسة أن التحول الجيوسياسي المهم الذي حصل بعد 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023، وامتداد تداعياته لتعم المنطقة؛ حمل مستجدات أثرت في قدرة القيادة الإيرانية على الحفاظ على موازين القوى بالإقليم، وأثرت في توازنات المشهد السوري بعد دخول حزب الله اللبناني في حرب شاملة ومباشرة مع إسرائيل.

هذا الأمر استغلته المعارضة السورية ممثلة أساساً في هيئة تحرير الشام بقيادة زعيمها أحمد الشرع، للزحف إلى دمشق التي سيطرت عليها بعد نحو 12 يوماً فقط، حيث أجبرت بشار الأسد على الهروب إلى موسكو في 8 كانون الأول / ديسمبر 2024. 

رجحت الدراسة أن يكون تنظيم داعش قادراً على زيادة عملياته والتصدي لهيئة تحرير الشام

ودفعت هذه التطورات تنظيم داعش إلى استشراف انعكاسات التطورات المتسارعة والعميقة على مستقبله، بعد أن صارت هيئة تحرير الشام، المتهمة من قيادات داعش بقتل زعيمه الرابع، قوة محورية في سوريا ومركز اهتمام إقليمي ودولي لضمان الانتقال السياسي، وخاصةً لتشديد الحرب على الإرهاب؛ لذلك فإن أهم مستجد بالنسبة لداعش خلال المرحلة المقبلة سيتمثل في تصميم التحالف "الـهجين"، المشكل من الفصائل المحلية والقوى الإقليمية والدولية، على استئصاله.

محددات السيناريوهين

الدراسة أشارت إلى أن تنظيم داعش وجد نفسه أمام تغيير مفاجئ لخريطة النفوذ في سوريا، وإجماع داخلي وخارجي على توفير الشروط لإعادة إعمار البلاد؛ ما يعني جعل مكافحته على رأس الأولويات؛ ومن ثم سيكون أمامه الحسم بين سيناريوهين متعارضين، أولهما سيناريو "الحشد والمواجهة" الذي يراهن على احتفاظ التنظيم بموقع قدم في سوريا وتغذية أمله بالانتقال من مرحلة "الشوكة والنكاية" إلى مرحلة "التمكين" لاستعادة "خلافته" المزعومة، والثاني سيناريو "التراجع والمغادرة" الذي يراهن على مراعاة داعش لحجم التغيير الحاصل وإمكانية خضوع سوريا لسلطة مركزية واحدة مدعومة إقليميا ودولياً؛ ومن ثم تجنب أي مواجهة غير متكافئة تقضي على وجوده.

سيناريو الحشد والمواجهة

وحذرت من أن سوريا تواجه تعقيدات ربما تعرقل مسارها نحو إنجاح الانتقال السياسي وبناء دولة المؤسسات؛ نظراً للارتباطات التنظيمية السابقة لهيئة تحرير الشام بالقاعدة وأيديولوجيتها، وصعوبة تعميم نموذج مذهبي واحد على الواقع الطائفي للمجتمع السوري، وكذلك احتمالية تعزيز الشرع سلطته بقرارات من شأنها أن تثير حفيظة المعارضة المدنية وتشجع باقي الفصائل على التمسك بأسلحتها. 

يُذكر أن تنظيم داعش رفع، خلال عام 2024، عملياته بشكل ملحوظ في سوريا؛ إذ بلغت 491 عملية، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، تنظيم داعش رفع، خلال عام 2024، عملياته بشكل ملحوظ في سوريا؛ إذ بلغت 491 عملية

وبالنظر إلى الخط التصاعدي لهذا النشاط وفي ظل ظروف أمنية مريبة؛ رجحت الدراسة أن يكون تنظيم داعش قادراً على زيادة عملياته والتصدي لهيئة تحرير الشام، مستغلاً في الوقت ذاته، حداثة تجربتها في الحكم وإنهاكها بالضربات المباغتة لإثارة مشاعر انعدام الأمن، في أفق تشتيت جهودها وتأليب الفصائل والشعب السوري ضدها.

كما قالت إن استمرار الاستقطاب الإقليمي والدولي في سوريا من شأنه أن يُبقي داعش كورقة للتوظيف في يد الخاسرين من التطورات الأخيرة لإعادة تشكيل التوازنات بالساحة السورية. والأمر هنا لا يقتصر على إيران؛ إذ يُحتمل إقبال "قسد"، في حال تعرض مناطق سيطرتها لتدخل عسكري تركي، على رفع رقابتها عن السجون والمخيمات التي تحوي 9 آلاف معتقل داعشي و40 ألفاً من أقاربهم، مقابل قيام التنظيم بـ"أدوار وظيفية" ضد تركيا.

سيناريو "التراجع والمغادرة"

هذا السيناري أكدت الدراسة أنه يقوم على قراءات مناقضة للمعطيات السابقة تجعل تنظيم داعش يراهن على التخفي وإيجاد ملجأ بديل لضمان بقائه، حيث يُرجحه ما تلقاه سوريا الجديدة من اهتمام إقليمي ودولي يسهم في تحفيز الفصائل على تسليم أسلحتها والتحول إلى أحزاب سياسية تتنافس على السلطة ببرامج انتخابية.

كما أن القوات الأمريكية، التي رفعت عددها من 900 إلى 2000، بادرت بقصف مواقع لتنظيم داعش عقب سقوط النظام، توجت في 20 كانون الأول / ديسمبر الماضي، بقتل زعيمه في سوريا، تلتها عمليات فرنسية في 31 كانون الأول / ديسمبر. 

أما تركيا فلن تتردد في ترجيح التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن نزع سلاح "قسد"، وأن تكون أنقرة المحاور الموثوق للسلطة الحالية في دمشق والشريك النافذ في تأمين البلاد من الإرهاب. في حين ستدعم الدول العربية المرحلة الانتقالية في سوريا لمزاحمة المشروعات الأجنبية ومحاورة قيادتها الجديدة لإعادتها للصف العربي.

كما واعتبرت الدراسة أنه لم يعد من مصلحة تنظيم داعش، في ظل غياب حوافز فعلية، ولاسيما أمام جهود واشنطن لإعادة أعضاء التنظيم المحتجزين بالمخيمات السورية إلى بلدانهم، الدخول في معارك خاسرة مسبقاً، يكون أقصى ما تحققه خدمة طرف ضد آخر.

ورجحت أن لا يستطيع تنظيم داعش حشد عناصره بسبب التطويق الأمني لحدود سوريا خاصةً مع العراق الذي أرسل وفداً أمنياً إلى دمشق، كما يُستبعد مبادرة التنظيم بالمواجهة بالرغم مما قِيل عن حيازته لما تبقى من أسلحة النظام السابق والجماعات الإيرانية، لوعيه بمحدودية قدراته مقارنةً بالغرب المصمم أكثر من أي وقت مضى على خنق الأصوات المزعجة لاستراتيجيته في الشرق الأوسط.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية