
على مدار تاريخها الممتد منذ تأسيسها في عام 1928 على يد *حسن البنا، أثبتت جماعة الإخوان المسلمين أنها ليست مجرد حركة سياسية تسعى للسلطة، بل تمثل تيارًا فكريًا يسعى إلى فرض أيديولوجيا دينية متطرفة تخلط بين الدين والسياسة. ورغم محاولات الجماعة تقديم نفسها على أنها حركة إصلاحية تهدف إلى بناء مجتمع إسلامي معتدل، فإن تاريخها وأيديولوجيتها يعكسان بوضوح أن الإخوان شكلوا، ولا يزالون، **جسرًا أيديولوجيًا للتطرف الديني والفكري* الذي أنتج حركات متطرفة أخرى، مثل *القاعدة* و*داعش*.
أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين بهدف إقامة "الدولة الإسلامية" وإحياء الخلافة الإسلامية التي سقطت بعد انهيار *الدولة العثمانية. انطلق من فكرة أن الإسلام ليس مجرد دين، بل نظام شامل للحياة يجب أن يحكم كل نواحي المجتمع، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والتعليم. هذه الأيديولوجية الشاملة ترتبط بفكر الخلافة، الذي يسعى إلى **إقامة دولة دينية* تحكمها الشريعة الإسلامية، وترفض فكرة الفصل بين الدين والدولة.
هذا الطرح الأيديولوجي أدى إلى تغذية الفكر المتطرف بين الأجيال اللاحقة من أعضاء الجماعة، الذين رأوا في العنف وسيلة لتحقيق هذه الغايات. ورغم أن الإخوان المسلمين ظلوا يروجون لفكرة الدعوة والإصلاح عبر الطرق السلمية، فإن التزامهم بفكرة *التغيير الشامل* فتح الباب أمام استخدام العنف عندما لم تتحقق أهدافهم عبر الوسائل التقليدية.
إذا كان حسن البنا قد وضع الأساس الفكري لجماعة الإخوان، فإن *سيد قطب، أحد أبرز منظري الجماعة، هو الذي قاد التحول الأيديولوجي الأكثر تطرفًا. عبر كتبه، ولا سيما كتابه *"معالم في الطريق"*، أسس سيد قطب لفكر **التكفير* الذي يستند إلى اعتبار المجتمعات الإسلامية الحالية "مجتمعات جاهلية" تحتاج إلى الإصلاح العنيف. قدم قطب تصوره للجهاد على أنه الوسيلة الوحيدة لإقامة المجتمع الإسلامي المثالي.
قطب لم يكتفِ بتأصيل فكرة الجهاد، بل دفع الجماعة نحو تصعيد العداء مع الأنظمة السياسية القائمة في العالم العربي، مما أدى إلى إرساء *جذور التطرف الفكري* داخل الإخوان. هذه الأفكار أصبحت فيما بعد الأساس الذي اعتمدت عليه جماعات متطرفة مثل *القاعدة* و*داعش*، حيث تم استغلال فكرة الجهاد لتحقيق أهداف سياسية عنيفة.
رغم أن الإخوان المسلمين حاولوا تقديم أنفسهم على أنهم حركة سلمية تدعو إلى الإصلاح السياسي، فإن *تاريخهم السياسي* يعكس ازدواجية واضحة في التعامل مع العنف. في فترات متعددة من تاريخهم، استخدمت الجماعة العنف لتحقيق أهدافها السياسية، مثل *اغتيال* الشخصيات السياسية التي عارضت مشروعهم، كما حدث مع اغتيال *النقراشي باشا* في مصر عام 1948.
علاوة على ذلك، كانت جماعة الإخوان المسلمين تتبنى مواقف متشددة إزاء الأنظمة السياسية العربية، ما أدى إلى تحالفهم مع بعض الحركات الجهادية العنيفة في مواجهة هذه الأنظمة. مثلًا، قدمت الإخوان دعمًا معنويًا ولوجستيًا للجماعات المسلحة في *سوريا* أثناء الحرب الأهلية، وساهمت في تصعيد الأوضاع الداخلية تحت ذريعة مواجهة الاستبداد.
أحد أهم العوامل التي ساهمت في انتشار الفكر المتطرف المرتبط بالإخوان هو *الاستقطاب الفكري* الذي مارسته الجماعة، خاصة على فئة الشباب. الجماعة استطاعت أن تستغل حالة الإحباط التي يعاني منها الكثير من الشباب العربي بسبب الفقر والبطالة والظلم السياسي، لتقديم نفسها كخيار بديل للنظم الفاشلة، معتمدة على *الشعارات الدينية*.
كما لعبت *الجمعيات الإسلامية* المرتبطة بالإخوان دورًا مهمًا في نشر الفكر المتطرف عبر مؤسسات تعليمية وخيرية. هذه المؤسسات كانت تُستخدم لتجنيد الأجيال الشابة وإقناعهم بفكرة التفوق الديني والسياسي، مما جعلهم فريسة سهلة للتطرف الفكري والديني. هذا الاستقطاب كان البداية لظهور *الجماعات المتطرفة* التي انبثقت عن الإخوان، واعتمدت على نفس الخطاب الأيديولوجي.
من الواضح أن الفكر الذي أنتجه *سيد قطب* والجماعات المرتبطة بالإخوان شكل الأساس الذي قامت عليه *الجماعات الجهادية* مثل القاعدة وداعش. في الواقع، يعتبر الكثير من الباحثين أن هذه الجماعات ليست سوى امتداد للفكر القطبي داخل الإخوان المسلمين.
على سبيل المثال، *أسامة بن لادن*، زعيم القاعدة، تأثر بفكر الإخوان المسلمين وسيد قطب، واعتمد في تأسيس القاعدة على نفس المفاهيم المتعلقة بالجهاد و"المجتمع الجاهلي". وعلى الرغم من محاولات الإخوان إبعاد أنفسهم عن الجماعات الإرهابية، إلا أن الصلة الفكرية بينهم وبين هذه الجماعات لا يمكن إنكارها.
رغم محاولات جماعة الإخوان المسلمين تقديم نفسها كحركة إصلاحية تعتمد على الوسائل السلمية، فإن *تاريخها الأيديولوجي والسياسي* يكشف عن ارتباطها العميق بالفكر المتطرف والعنف. عبر تأصيل أفكار مثل التكفير والجهاد، ساهمت الجماعة في تكوين بيئة فكرية تحتضن العنف وتعتبره وسيلة شرعية لتحقيق أهدافها السياسية.
هذا التأثير السلبي للإخوان لا يقتصر على العالم العربي، بل يمتد إلى *المجتمعات الغربية*، حيث استخدمت الجماعة شعارات الحرية والديمقراطية لاختراق المؤسسات السياسية والاجتماعية، مع الحفاظ على خطابها الأيديولوجي المتشدد. لذلك، فإن محاربة الفكر المتطرف في العالم العربي لن تتحقق دون مواجهة جذرية للفكر الذي تروج له جماعة الإخوان المسلمين، وتفكيك أيديولوجيتها التي تستند إلى العنف والتكفير.