
هل يشكّل الإخوان المسلمون ضرورة وطنية للأمن والاستقرار، أم أنهم أصبحوا عبئاً على الدولة الأردنية؟
أترك الإجابة لثلاثة أطراف أعتقد أنهم أحق مني وأجدر بها: إدارات الدولة، والقراء الأعزاء، والإخوان المسلمون أنفسهم. أشير فقط إلى أن هذا السؤال أصبح مطروحاً أكثر من أي وقت مضى، وأن ملف علاقة "الجماعة" مع الدولة دخل أروقة نقاشات الغرف المغلقة، بانتظار "كبسة قرار"، تماماً كما حصل عام 2014.
وإنْ كانت العلاقة هذه المرة - كما يبدو - لا تحتمل "الطلاق الرجعي".
منذ نحو خمس سنوات، أُنزِل ملف الإخوان من فوق الرف إلى الطاولة، وجاء ذلك في سياق مواجهة استحقاقات "صفقة القرن".
وعلى الرغم من صدور حكم نهائي باعتبار الجماعة غير موجودة، فإن قرار إبقائها "قيد الحدود المرسومة" حظي بضوء أخضر من أعلى المرجعيات السياسية، وتم التمسك به والدفاع عنه في مواجهة ضغوطات دولية وإقليمية.
الإخوان تجاوزوا، أحياناً، تفاهمات "الخطوط الحمراء"، ولم يلتقطوا التحذيرات والنصائح التي قُدِّمت لهم مراراً
ثم جاء (7 أكتوبر)، وكان لحظة فارقة في إعادة ترسيم حدود التفاهم بين الدولة والجماعة.
صحيح أن حضور الإخوان كان مطلوباً في الشارع وفي البرلمان، لكن الصحيح أيضاً أن الدولة وضعت الإخوان تحت المجهر (الامتحان).
وفق معلومات، فإن الإخوان تجاوزوا، أحياناً، تفاهمات "الخطوط الحمراء"، ولم يلتقطوا التحذيرات والنصائح التي قُدِّمت لهم مراراً.
لا أدري: هل أخطأ الإخوان حين تصوّروا أن جهات ما تدعمهم أو تضعهم تحت حمايتها، وبالتالي فإن أي تجاوزات من قِبلهم ستبقى في حدود اللعبة السياسية، ولن تصل إلى حد الكسر في علاقتهم مع الدولة؟
هل أخطأوا حين اعتقدوا أن حضورهم في الشارع بهذا الزخم، ثم تقمّصهم حالة المقاومة، سيكون ورقة بيد الدولة ويصبّ في مصلحتها، وبالتالي يمنحهم فرصة لاستعراض قوتهم أمامها؟
هل أخطأوا حين اعتبروا أن الأصوات التي حصلوا عليها في الانتخابات البرلمانية أعادت إليهم الشرعية السياسية، ثم تصرّفوا بهذه الشرعية من موقع القوة، للاستقواء على الدولة أو التعامل معها بندية؟
الأهم من ذلك: هل أخطأ الإخوان في قراءة المشهد السياسي، الإقليمي والدولي، ومستجداته؟
أقصد هنا مسارين اثنين:
المسار الأول: الخطاب العام، حيث استمرّ الإخوان في تقمّص حالة "حماس" وتعميمها على الأردن، ثم فرضها كأجندة محلية دون الالتفات للتحوّلات التي جرت على صعيد الحرب على غزة، ومواقف ترامب السياسية، ثم ما يترتب على ذلك من استحقاقات على الأردن، اليوم وغداً.
المسار الثاني: تصعيد الاشتباك مع الدولة من قِبل الإخوان، ابتداءً من تبنّي عملية البحر الميت، إلى هتافات تمسّ بالجيش، وانتهاءً بالإصرار على المكاسرة في الشارع وإعلان الإضراب.
كل هذا وغيره بعث برسالة مفادها أن الإخوان لم يتكيّفوا مع المستجدات والضرورات الوطنية، ولم يُحسنوا قراءة المشهد ولا تقدير المصالح الأردنية، والأثمان السياسية والأمنية المترتبة على الاستمرار في عملية التصعيد غير المحسوب.
يدرك الإخوان المسلمون أن عملية حذفهم من المشهد السياسي في معظم الدول العربية قد تمت منذ أكثر من عشر سنوات، وحصل ذلك بتوافقات إقليمية ودولية.
وأن رأس الإسلام السياسي، بعد 7 أكتوبر، أصبح مطلوباً.
والمكان الوحيد الذي حافظ على شرعية وجود الإخوان هو الأردن.
هذا، كما يُفترض، يُحمّلهم مسؤولية أكبر في الحفاظ على علاقتهم مع الدولة وتقدير إمكانياتها وخياراتها – لكي لا أقول ردّ التحية بمثلها.
لكن تبقى للدول إمكانياتها واضطراراتها.
الإخوان استنفدوا فرصاً كثيرة منحتها الدولة لهم، ولا أستبعد أن أي مقاربة رسمية الآن، بين خيار "بقاء" الجماعة كما هي، وبين خيار إعادة ترسيم العلاقة معها بمقتضى القانون وبإجراءات إدارية حازمة، ستنحاز لمصلحة الخيار الثاني، وذلك لاعتبارات داخلية وخارجية، مهما كانت الكلفة السياسية المترتبة على ذلك.
أعرف تماماً أنه لا مصلحة لأحد في الدخول في أي أزمة داخلية قد تهدد نسيجنا الوطني.
وأعرف أيضاً أن الدولة حريصة أكثر من أي طرف على بناء شراكات سياسية مع حزب جبهة العمل الإسلامي وغيره من القوى الوطنية.
وأعرف ثالثاً أن شخصيات سياسية أردنية موثوقة تدفع باتجاه الحفاظ على معادلة "التوافق الوطني"، ورفض أي محاولة للإخلال بها من أي طرف.
لكن ما أعرفه أيضاً، أن المطلوب من جماعة الإخوان، تحديداً، أن تضبط خطابها وحراكها واتجاه بوصلتها، وأن تحسم قرارها – للمرة الأخيرة:
إما أن تكون جزءاً من الدولة وتدور في فلكها فقط، بالأفعال لا بالأقوال،
وإما أن تتحمّل تبعات ممارساتها خارج هذا السياق.
مصلحة الدولة الأردنية أهم من مصلحة الجماعة، أو أي طرف آخر.
عن صفحة الكاتب في فيسبوك