عنف عابر للحدود: تداعيات خطرة لتنامي الإرهاب الإسلاموي في الصومال

عنف عابر للحدود: تداعيات خطرة لتنامي الإرهاب الإسلاموي في الصومال

عنف عابر للحدود: تداعيات خطرة لتنامي الإرهاب الإسلاموي في الصومال


09/04/2025

تخلق عوامل الانفلات الأمني والهشاشة السياسية فضلاً عن التدهور الاقتصادي بيئة مواتية لنمو وانتشار التنظيمات الإرهابية في الصومال، فقد اتسعت خريطة الإرهاب على مدار العقدين الماضيين بوتيرة مقلقة مع ظهور جماعات وتنظيمات جديدة إلى جانب أخرى تقليدية، ومع غياب الحلول الأمنية الرادعة وترهل الوضع السياسي والاجتماعي داخل البلاد تتعالى التحذيرات من مخاطر إرهاب غير مسبوق و"عابر للحدود". 

وتُعدّ الحروب الأهلية والظروف المؤدية لها من أبرز أسباب انتشار الإرهاب، وتصاحبها عادة نزاعات قبلية بين العشائر، أو بينها وبين الحكومة، وعندما تشعر بعض القبائل بالتهميش السياسي والاقتصادي في تلك الظروف تلجأ إلى التسلح بغرض الاستيلاء على السلطة، وفق دراسة حديثة صادرة عن مركز (إيجبيشين إنتربراير) تحت عنوان: "مكافحة الإرهاب في الصومال: جهود دولية وحضور أمريكي".

عوامل متجذرة

 تلفت الدراسة إلى أنّه منذ ثمانينيات القرن العشرين شهد الصومال ظروفًا سياسية متوترة كان من أبرزها الإطاحة بالرئيس الصومالي "محمد سياد بري" في 1991، والذي أحدث فراغاً أمنياً وسياسياً تصاعدت معه الانتماءات الأولية للعشائر الصومالية وتحولت المنافسة بينها إلى نزاع مسلح أدى إلى حرب أهلية استمرت من العام 1991 حتى 1996، وأمام عجز الجيش الوطني عن السيطرة على المسلحين برزت التنظيمات الإرهابية الأكثر تهديدًا للصومال والدول المجاورة لها، وعلى رأسها حركة الشباب التي كانت من قبل جزءًا من اتحاد المحاكم ثم أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة منذ العام 2012.

الرئيس الصومالي السابق: محمد سياد بري

وانفصل عن حركة الشباب جماعة أصغر يقودها "عبد القادر مؤمن" أعلنت انضمامها للشبكة العالمية لتنظيم داعش في عام 2015 ضمن شبكة التنظيم الدولية.

إرهاب عابر للحدود

بالنسبة إلى عدد كبير من القوى الإقليمية والدولية يُعَدّ الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي واحدًا من الأولويات الاستراتيجية، ولهذا يمثل الإرهاب العابر للحدود في الصومال مثل حركة الشباب وتنظيم داعش تهديدًا لمصالح وأمن تلك الدول بجانب تهديده المباشر للصومال، بحسب الدراسة.

على المستوى الإقليمي تأتي كينيا وإثيوبيا نتيجة للحدود الطويلة لكلتيهما مع الصومال كأكبر المتأثرين من خطر التنظيمات الإرهابية الصومالية، ففي إثيوبيا استغل تنظيم داعش اللاجئين من قومية "الأورومو" الإثيوبية عن طريق كتاباته الصادرة باللغة الأمهرية، والتحالف غير الرسمي مع الجماعات المسلحة في إقليم أوروميا، لتسهيل انتشاره داخل إثيوبيا.

ويتراجع تأثير داعش في كينيا مقارنة بالتهديد الذي يمثله لإثيوبيا؛ وتُعتبر حركة الشباب هي التنظيم المسلح الصومالي الأكثر تهديدًا لكينيا، وذلك منذ التدخل الكيني في الصومال عام 2011 لمواجهة خطر الحركة. بالإضافة إلى أنّ الحدود الممتدة بين كينيا والصومال وأعداد الصوماليين الكبيرة داخل كينيا، قد يسّرت عملية تجنيد الأفراد لصالح حركة الشباب واستخدامهم في تنفيذ العمليات الإرهابية داخل كينيا. 

وفي سياق متصل، يمكن إسناد انتشار حركة الشباب داخل كينيا بشكل يفوق انتشارها داخل إثيوبيا، بالرغم من وجود كلتا الدولتين على حدود الصومال، إلى الوضع السياسي والاقتصادي للمسلمين في كينيا، والذي يصفه المسلمون الكينيون أحيانًا بالاستبعاد والتهميش من المشاركة الفعلية، ويُعدّ ذلك عاملًا مؤثرًا على انتشار حركة الشباب داخل كينيا، وذلك عن طريق استغلال هذه الظروف لتعبئة المسلمين ضد الحكومة وتسهيل تمدد الحركة داخل كينيا. 

هذا فضلاً عن عدم إدراك الحكومة الكينية لطبيعة المجتمع القبلي في المناطق الحدودية وأهمية التواصل مع قيادات العشائر الحدودية الصومالية المجاورة إلى ضعف سيطرة قوات الأمن على تلك المناطق. وعليه تسبب التوتر بين تلك العشائر ودولة كينيا في تيسير عملية اختراق عناصر حركة الشباب للحدود الصومالية الكينية بعد استغلالها لأبناء هذه المناطق، سواء بالتعاون معها أو بعقد تحالفات تضمن عدم التعاون مع الحكومة.

 انتشار حركة الشباب داخل كينيا بشكل يفوق انتشارها داخل إثيوبيا

التهديد الدولي

 بحسب الدراسة، تبرز الولايات المتحدة الأمريكية كأكثر المنخرطين في عملية مكافحة الإرهاب داخل الصومال، وذلك نظرًا لما يمثله تأمين النفوذ الأمريكي بمنطقة القرن الأفريقي من أهمية بالنسبة إلى محددات السياسة الخارجية الأمريكية. هذا فضلًا عن أنّ الصومال يضم أحد أفرع تنظيم داعش الذي تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية محاربته ضمن أهداف الأمن القومي الأمريكي، فمنذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) تحول مفهوم الرد على التهديد الإرهابي للولايات المتحدة، وأصبح يتضمن ضرورة توجيه الضربة الاستباقية للأهداف محتملة التهديد دون انتظار تعرّض أمريكا للهجوم.

وعلى صعيد الاقتصاد، فإنّ عدم الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي يهدد منابع النفط التي ترتبط مباشرة بمصالح أمن الطاقة الأمريكية، فضلًا عمّا يضمنه التواجد الأمريكي في تلك المنطقة من وضع استراتيجي لها بين القوى الدولية المتنافسة في شرق أفريقيا بالقرب من ممرات الملاحة الدولية.

كيف يمكن المواجهة؟ 

في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها الصومال، تدخلت أطراف دولية وإقليمية للسيطرة على انتشار الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي. بدايةً على المستوى الداخلي، تتبنّى حكومة الصومال استراتيجية لمواجهة التنظيمات الإرهابية واستعادة الأمن، وذلك من خلال التنسيق بين قوات الجيش والميليشيات المحلية "معويسلي" عبر دعم الحكومة لانتفاضة العشائر ضد تنظيم حركة الشباب، ممّا أدى إلى خسارة التنظيم حرية الحركة التي كان يتمتع بها في وسط البلاد.

وإلى جانب الجهود المحلية لدولة الصومال تدخلت مجموعة من الدول المجاورة لها مثل كينيا وإثيوبيا وإريتريا، باعتبارها الدول الأكثر تعرّضًا لخطر إرهاب داعش وحركة الشباب. في سياق متصل، ومنذ بداية الحرب الصومالية على الإرهاب، قدمت الحكومة الإثيوبية مساعدات عسكرية للسكان في منطقة هيران لمواجهة حركة الشباب. وكذلك قدمت إريتريا الدعم بالتدريب والتأهيل للجنود الصوماليين قبل إعادة توزيعهم داخل الصومال.

 في حين أنّه على المستوى الدولي تدخلت القوى الدولية في إطار جماعي تحت مظلة الأمم المتحدة من خلال بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية (ATMIS)، التي انتهت مهمتها في كانون الأول (ديسمبر) 2024، وانتقلت أعمالها إلى القوات الصومالية. 

وقد كانت العمليات العسكرية للجيش الوطني التي كثفتها الحكومة الصومالية وبعثة الاتحاد الأفريقي خلال عام 2024 سببًا لتزايد هجمات حركة الشباب، وإلى جانب الجهود الحكومية في مكافحة الإرهاب تزايدت جهود المنظمات غير الحكومية في الدول المجاورة للصومال مثل مؤسسة "وومان-كايند كينيا"Womankind Kenya في تأهيل سكان المناطق الحدودية بين البلدين لمواجهة انتشار الأفكار المتطرفة والتهديدات الإرهابية بين السكان.

تحديات مكافحة الإرهاب في الصومال

تواجه جهود مكافحة الإرهاب في الصومال جملة من التحديات المعقدة، يأتي على رأسها الخوف من الانتقام، حيث تشكل ردود أفعال التنظيمات الإرهابية ضد المدنيين المتعاونين مع الحكومة تهديدًا دائمًا، ممّا يدفع السكان، خصوصًا في القرى والمناطق الحدودية، إلى تجنب التعاون أو حتى الانضمام إلى تلك الجماعات لأسباب تتعلق بالحماية والمصالح المادية.

تواجه جهود مكافحة الإرهاب في الصومال جملة من التحديات المعقدة، يأتي على رأسها الخوف من الانتقام

من جانب آخر، يؤدي فقدان الثقة بالقوات الأجنبية إلى إضعاف الدعم الشعبي لعمليات مكافحة الإرهاب، ويرى كثير من الصوماليين أنّ وجود تلك القوات يمثل احتلالًا، لا سيّما في ظل ما يصاحب العمليات العسكرية من تدمير وممارسات فساد داخل بعض أجهزة الدولة، وهو ما يدفع بعض المتضررين إلى التحالف مع الجماعات المسلحة مثل الشباب وداعش.

كما تعاني الدولة من هشاشة مؤسسية واضحة، حيث لا تتوافر خطط فعالة لإعادة تأهيل المناطق المستردة أو توفير الأمن المستدام، ممّا يسمح بإعادة سيطرة الإرهابيين على بعض المناطق من خلال تفاهمات مع العشائر المحلية، ويزيد من اعتماد الدولة على الدعم الخارجي لمواجهة التنظيمات المسلحة.

السيناريوهات المحتملة لمستقبل مكافحة الإرهاب

 سيناريو النجاح وتحجيم الانتشار

يتصور هذا السيناريو نجاح القوات الصومالية والداعمين الدوليين في محاصرة تمدد حركة الشباب، خصوصًا عبر تعزيز التعاون مع دول الجوار واستمرار دعم بعثة الاتحاد الأفريقي. أمّا تنظيم داعش، فبالرغم من انتشاره المحدود، يمكن تقويضه عبر التفاهم بين العشائر والسلطة في ولاية بونتلاند. ويعزز هذا السيناريو الضربات الأمريكية المتكررة ودعم "أفريكوم"، لكنّه يواجه عقبة غياب التنسيق بين الأطراف المنخرطة في الحملة، ممّا يسمح للتنظيمات بإعادة الانتشار، أو حتى انتقالها إلى خارج الصومال.

 سيناريو الفشل واستمرار التهديد

في هذا السيناريو تستمر التنظيمات الإرهابية في السيطرة على أراضٍ جديدة، مستغلة هشاشة الدولة وتراجع فاعلية القوات الصومالية، خاصة بعد انتهاء تفويض بعثة "أتميس". ويزداد احتمال تحقق هذا السيناريو في ظل ضعف الدعم الإقليمي والدولي، إلا أنّ بروز جهود جديدة مثل بعثة "AUSSOM" وتدخلات أمريكية مباشرة قد تؤدي إلى الحد من نجاح التنظيمات في المدى القصير.

 سيناريو التصالح الوطني

يركز هذا السيناريو على إمكانية إحداث مصالحة وطنية شاملة بقيادة الرئيس حسن شيخ محمود، من خلال تعزيز الحوار المجتمعي وبناء مؤسسات الدولة. ونجاح هذا المسار يعتمد على تحالف الحكومة مع العشائر وتفكيك ارتباطاتها بالتنظيمات الإرهابية. ومع ذلك هناك تحديات متكررة تعيق هذا السيناريو، أبرزها فشل محاولات سابقة في تحقيق المصالحة، واستمرار النزاعات القبلية حول تقاسم الموارد والسلطة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية