الإخوان المسلمون وماكرون... تاريخ من العداء السياسي تحت غطاء ديني

الإخوان المسلمون وماكرون... تاريخ من العداء السياسي تحت غطاء ديني

الإخوان المسلمون وماكرون... تاريخ من العداء السياسي تحت غطاء ديني


10/04/2025

لم يكن الموقف العدائي لجماعة الإخوان المسلمين تجاه زيارة ماكرون لمصر وليد اللحظة؛ فالعلاقة بين الإخوان والرئيس الفرنسي يشوبها التوتر والكراهية منذ أعوام، على خلفية مواقف ماكرون الصارمة حيال الإسلام السياسي، وتصنيفات فرنسا الصارمة للجماعة. ويُعدّ ماكرون من أبرز القادة الأوروبيين الذين تحدثوا بصرامة عمّا يُسمّى "الانفصالية الإسلاموية" داخل فرنسا. ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2020 أثار ماكرون غضبًا واسعًا بين الإخوان بإعلانه مشروع قانون لمكافحة التطرف الديني​؛ الأمر الذي فسّره الإخوان وأنصارهم بأنّه هجوم مباشر على الإسلام نفسه، وعلى التيارات الإسلامية المعتدلة. وردّ إبراهيم منير، نائب المرشد العام للإخوان آنذاك، برسالة مفتوحة لماكرون عبّر فيها عن "استيائه الشديد"، واتّهم ماكرون بتشويه جماعة الإخوان. ووصف منير خطاب ماكرون بأنّه "يناقض مبادئ الحرية والمساواة"، زاعماً أنّ الإخوان جماعة ملتزمة بالقانون واحترام أوطانها رغم حملات التشويه​. وفي رسالته خاطب منير ماكرون قائلاً: إنّ "تلك العبارات لا تليق برئيس دولة مثل فرنسا"، واتهمه بتبنّي "صورة مغلوطة عن الإخوان"، والتخلي عن مبادئ الحرية الفرنسية!

هذا التلاسن الحاد شكّل بداية عداء معلن؛ فقد اعتبر الإخوان ماكرون معاديًا لمشروعهم الفكري، وأنّه يتعمد وصم الجماعة بالتطرف والإرهاب في خطابه السياسي.

التشدد الفرنسي تجاه الإخوان

تبنّى الرئيس ماكرون وحكومته خطًا متشددًا تجاه تنظيمات الإسلام السياسي في فرنسا، ومن ضمنها العمل على حل وتقويض شبكات يُشتبه بارتباطها بالإخوان. فوزير الداخلية الفرنسي (عام 2023) صرّح أنّه لا يستبعد حظر تنظيم جماعة الإخوان وتصنيفها إرهابية في فرنسا. كما أعدت الحكومة الفرنسية تقارير عن "اختراق الإخوان للمجتمع الفرنسي" ونفوذهم في بعض الجمعيات​. 

الرئيس الفرنسي: إيمانويل ماكرون

هذه السياسات أشعرت قيادة الإخوان بالخطر المباشر، خاصة أنّ فرنسا موطن لجالية مسلمة كبيرة وشخصيات قريبة من فكر الإخوان. ورأت الجماعة في توجهات ماكرون الأمنيّة تجاهها امتدادًا لحملات حظرها في الدول العربية. لذلك لجأت شخصيات إخوانية في أوروبا إلى التصعيد الإعلامي والقانوني ضد باريس؛ منها محاولة التجمع الإسلامي في فرنسا (المقرب من الإخوان) مقاضاة الحكومة الفرنسية في الأمم المتحدة بدعوى انتهاج "سياسات معادية للإسلام"​. 

هذا التوتر عزز صورة ماكرون لدى الإخوان كخصم إيديولوجي يعمل على تجفيف منابعهم فكريًا وتنظيميًا، ليس فقط في مصر بل عالميًا.

الحقد على العلاقات المصرية الفرنسية

من منظور الإخوان، فإنّ الرئيس ماكرون شريك للنظام المصري الذي أطاح بهم، فالرئيس الفرنسي منذ توليه في العام 2017، حافظ على علاقات وثيقة مع الرئيس السيسي، ولم يتخذ أيّ خطوات لدعم مزاعم الشرعية التي تدّعيها الجماعة. على العكس، احتفى ماكرون بالرئيس السيسي في باريس أكثر من مرة، واعتبره "ركيزة للاستقرار في الشرق الأوسط". وحتى عندما أبدى قلقًا حقوقيًا كان سريعًا في التراجع، كما حدث عام 2017 حين قدّم أسماء معتقلين، ثم قبل وتفهم الأدلة التي قدّمها السيسي، بأنّهم على صلة بالإخوان​. 

هذا النهج قرأه الإخوان كضوء أخضر من ماكرون لاستمرار إقصائهم. وفوق ذلك، فإنّ مبيعات السلاح الفرنسية لمصر بمليارات اليوروهت (مثل طائرات الرافال) تعني بالنسبة إلى الإخوان تواطؤ ماكرون في تسليح نظام يحاربهم. وقد نددت الجماعة مرارًا بسياسات باريس وتقاربها مع القاهرة، معتبرةً أنّ المصالح طغت على القيم الفرنسية، وهذا الشعور الإخواني بالخذلان من فرنسا عزز عداء الجماعة لماكرون شخصيًا بوصفه قائد هذه السياسة.

مجمل هذه الأسباب يفسّر لماذا استقبلت جماعة الإخوان زيارة ماكرون بعداء صريح. فهو بالنسبة إليهم خصم عقائدي يحارب رؤيتهم للإسلام والمجتمع، وحليف لخصمهم الذي أخرجهم من السلطة، وشريك في تهميش الجماعة إقليميًا بالمناداة باستبعاد حركاتهم الشقيقة كـ (حماس) من المشهد. 

كلّ أذرع الإخوان ناقمة على ماكرون

ربما لم تتحد كل أذرع الإخوان على هدف واحد مثلما هي في عدائها للرئيس الفرنسي ماكرون، وقد سبق أن عبّرت جماعة الإخوان في الأردن، من خلال جبهة العمل الإسلامي، عن موقف عدائي حازم ضدّ ماكرون، عبر بيانات رسمية وتصريحات إعلامية، وقالت الجماعة إنّه يظهر حقدًا دفينًا على الإسلام​، ونظّم الحزب وقفات احتجاجية ضد فرنسا.

وكانت رموز الإخوان قد شنت من قبل حملات عدائية على الرئيس الفرنسي، مثل راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تونس، قبل اعتقاله عام 2023، الذي عبّر مراراً عن رفضه تصريحات ماكرون حول الانفصالية الإسلاموية.

رئيس حركة النهضة في تونس: راشد الغنوشي

وبالتزامن مع زيارة ماكرون لمصر أصدرت هيئات علماء مسلمين بيانات تذكّر بدعم باريس للأنظمة القمعية، في تلميح رخيص لمصر.

كما حرص طلعت فهمي، المتحدث الإعلامي باسم الإخوان، خلال فترة زيارة ماكرون للقاهرة، على الظهور عبر القنوات الفضائية المعارضة لتفنيد ما سمّاه "الدعاية الرسمية المصرية"”. ففي مداخلة على قناة (الحوار) الفضائية، ومقرها لندن، علّق فهمي على زيارة ماكرون بأنّها "لن تغير شيئًا من حقيقة رفض الشعب المصري لحكم السيسي". مدّعيًا أنّ “التطبيل الإعلامي لها أكبر من مردودها"، واعتمد في طرحه على مضامين الدعاية المضادة نفسها التي تتبناها الجماعة. 

كما شاركت الوجوه الإخوانية البارزة في الحملة ضد ماكرون على المنصات الرقمية. فعمرو درّاج وزير التخطيط السابق في حكومة الإخوان 2013 والمقيم في تركيا، نشر عبر حسابه على منصة (إكس) سلسلة تغريدات بالإنجليزية تنتقد "ازدواجية الموقف الفرنسي، الذي يطالب بالحرية في أوكرانيا ويدعم الاستبداد في مصر". كما تساءل في إحدى تغريداته عمّا إذا كان ماكرون قد تطرق لموضوع "السجناء السياسيين في مصر"، أم اكتفى بالمجاملات؟

هذه التغريدات استهدفت الرأي العام الغربي، وتناقلتها بعض وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية لتوضيح موقف الإخوان المعارض لمصر. وإلى جانب درّاج، برز يحيى حامد، وزير الاستثمار السابق، الذي استخدم صفحته على (فيسبوك) لوصف زيارة ماكرون بأنّها "اصطفاف مع الطغاة"، وأنّها "لن تمنح الشرعية لمن فقدها"، داعيًا الفرنسيين إلى الضغط على رئيسهم لاحترام قيم الديمقراطية. 

هذه الأصوات الإخوانية الحاقدة ركزت على منصات التواصل الاجتماعي للوصول إلى شريحة واسعة من الجمهور داخل مصر وخارجها.

ورطة الإعلام الإخواني

لقد أربكت زيارة ماكرون للقاهرة الإعلام الإخواني، وخصّص معتز مطر فقرة من برنامجه للسخرية من "مشهد خان الخليلي"، وزعم أنّ "الحشود كانت من الأمن بلباس مدني". وكذلك محمد ناصر الذي ظهر في بث مباشر على (يوتيوب) بعنوان: "ماكرون في حضرة الفرعون"، انتقد فيه ما اعتبره "انبهار ماكرون بقمع السيسي". 

ورغم الخلفية الإعلامية لهؤلاء، فإنّهم يُعبّرون في الواقع عن رسائل عشوائية ضمن الدعاية الإخوانية، ويصلون إلى جمهور واسع عبر منصات البث الرقمي ووسائل التواصل.

وقد خلصت زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى مصر في نيسان (أبريل) 2025 إلى تعزيز أواصر التعاون بين القاهرة وباريس وترسيخ دور مصر الإقليمي، إلا أنّها في الوقت ذاته عمّقت جراح العداء بين جماعة الإخوان المسلمين والرئيس الفرنسي. فمن منظور الإخوان مثلت الزيارة اصطفافًا فرنسيًا جديدًا مع النظام الذي يعاديهم، وكرّست نهج ماكرون المناهض للإسلاميين كما يرونه؛ لذا جاءت ردود فعل الجماعة حادة ومتعددة الجبهات: سياسياً اعتبرت الزيارة تهديدًا لها، وإعلاميًا حاولت تفنيد رسائلها الإيجابية، كما استعادت في خطابها كل ما يبرر موقفها العدائي من سياسات ماكرون السابقة والحالية. 

في المقابل، نجح النظام مصر في حصد مكاسب مهمّة من الزيارة، بغضّ النظر عن احتجاج الإخوان. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية