ماجد كيالي، الكاتب والباحث الفلسطيني المعروف، يُعد من أبرز الأصوات النقدية في الشأن الفلسطيني، وخاصة فيما يتعلق بالحركات الإسلامية السياسية. قدم كيالي تحليلًا نقديًا عميقًا لأداء *حركة حماس*، مسلطًا الضوء على التناقضات الفكرية والسياسية التي تواجهها الحركة منذ نشأتها، وحتى اليوم.
يرى كيالي أن حركة حماس تواجه معضلة مزدوجة بين الأيديولوجيا الإسلامية التي تقوم عليها، والواقع السياسي الذي تجد نفسها مضطرة للتعامل معه. من وجهة نظره، حماس نشأت كحركة مقاومة إسلامية تسعى لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، ولكنها بمرور الوقت أصبحت أسيرة سياساتها الخاصة. فبينما تتمسك الحركة بمواقف أيديولوجية صارمة، مثل رفض الاعتراف بإسرائيل، تجد نفسها مضطرة للتعامل مع الوضع القائم بما فيه من اتفاقات وقيود دولية.
يصف كيالي هذه المعضلة بأنها "تناقض داخلي" في فكر حماس، حيث أن الحركة التي بدأت كقوة مقاومة شعبية، تحولت إلى سلطة حكم في قطاع غزة بعد عام 2007، مما أدى إلى تورطها في الإدارة الحكومية والتحديات اليومية، بعيدًا عن دورها المقاوم الأصلي. ويعتقد أن هذا التحول أدى إلى تآكل في مصداقية حماس بين مؤيديها.
انتقد كيالي بشكل لاذع حكم حماس في غزة منذ سيطرتها على القطاع. في تحليلاته، يشير إلى أن الحركة فشلت في تقديم نموذج حكم فعال يُحقق طموحات الشعب الفلسطيني في الحرية والعيش الكريم. على العكس، يرى أن حماس أدت إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في القطاع، إذ أصبحت حكومة حماس مشغولة بتثبيت سلطتها أكثر من اهتمامها بتحسين حياة الناس.
يرى كيالي أن حماس، بسبب سياستها في رفض المصالحة مع السلطة الفلسطينية والالتزام بسياسات المقاومة المسلحة، عزلت نفسها عن المجتمع الدولي وعمّقت من الأزمة الإنسانية في غزة. وقد أدت هذه السياسات إلى تعرض غزة لحصار طويل الأمد وعزلة دولية كبيرة، في وقت كانت تحتاج فيه الحركة إلى توسيع قاعدة دعمها السياسي والدبلوماسي.
كيالي يرى أن تجربة حماس تعكس أزمة أعمق تعاني منها الحركات الإسلامية السياسية عمومًا، وهي صعوبة التوفيق بين الدين والسياسة. بالنسبة لكيالي، حماس تمثل حالة نموذجية للفشل في تحويل الأيديولوجيا الإسلامية إلى مشروع سياسي يمكن أن يتكيف مع التحديات المعاصرة. فحماس التي ترفع شعار "الإسلام هو الحل"، لم تتمكن من تقديم حلول واقعية لمشاكل الفلسطينيين الاقتصادية أو السياسية.
يُشير كيالي إلى أن حماس لا تزال تعيش في إطار مفهوم "المقاومة المسلحة" كخيار وحيد، رغم أنه قد أصبح غير فعال في ظل التغيرات الجيوسياسية والإقليمية. ويضيف أن التركيز على المقاومة المسلحة وحدها أهمل الأدوات السياسية والدبلوماسية التي كان يمكن أن تساعد في تحقيق أهداف الحركة بطرق أكثر فاعلية.
من أبرز النقاط التي يطرحها كيالي في نقده لحماس هو الأثر السلبي لسياساتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في غزة. إذ يرى أن الحركة لم تفلح في تحقيق تنمية اقتصادية أو توفير فرص عمل، مما أدى إلى تزايد نسب الفقر والبطالة. كما يشير إلى أن حركة حماس تحكم القطاع بقبضة أمنية شديدة، تقمع أي صوت معارض أو منتقد لسياستها، مما أدى إلى خلق حالة من الانقسام الداخلي والخوف بين سكان القطاع.
يُعتبر الحصار الإسرائيلي على غزة أحد أهم العوامل التي ساهمت في تفاقم الأزمة الإنسانية، إلا أن كيالي يرى أن سياسات حماس تجاهلت أيضًا طرقًا أخرى لتحقيق انفراجات اقتصادية أو اجتماعية، بسبب تمسكها بسياسات المقاومة المسلحة دون فتح قنوات دبلوماسية أو سياسية فعالة.
على الصعيد الإقليمي، يُشير كيالي إلى أن حماس، بعد أن فقدت دعم العديد من القوى الإقليمية التي كانت تعتمد عليها في السابق مثل إيران وسوريا، وجدت نفسها في عزلة سياسية متزايدة. وقد أدى هذا إلى تراجع نفوذ الحركة على الساحة الدولية، وقلص من قدرتها على المناورة السياسية.
يرى كيالي أن حماس أخطأت حينما راهنت على التحالفات الإقليمية الضيقة، ولم تدرك ضرورة بناء علاقات أوسع مع دول العالم والمنظمات الدولية. وبذلك، وجدت الحركة نفسها في موقف دفاعي، حيث أصبحت تعتمد على دعم محدود من بعض الدول، دون أن يكون لها تأثير حقيقي في القضايا الإقليمية والدولية.
في الختام، يرى كيالي أن تجربة حماس السياسية والفكرية تُظهر مدى تعقد الأزمة الفلسطينية وتداخل الأبعاد الدينية والسياسية والاقتصادية فيها. ورغم أن الحركة كانت في البداية رمزًا للمقاومة الشعبية، إلا أنها اليوم باتت عالقة في معضلة حكم القطاع وإدارة الأزمة الإنسانية والسياسية المتفاقمة.
كيالي يشير إلى أن حماس بحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجيتها والتفكير في خيارات أخرى تتجاوز المقاومة المسلحة. قد يتطلب الأمر تحولًا نحو تبني سياسات أكثر مرونة وقدرة على التعامل مع المجتمع الدولي، لضمان بقاء الحركة كقوة فعالة في الساحة الفلسطينية.