الإخوان المسلمون وأزمة الخروج من الملاذ الأوروبي... ندوة بمجلس الشيوخ الفرنسي

الإخوان المسلمون وأزمة الخروج من الملاذ الأوروبي... ندوة بمجلس الشيوخ الفرنسي

الإخوان المسلمون وأزمة الخروج من الملاذ الأوروبي... ندوة بمجلس الشيوخ الفرنسي


05/07/2025

تعيش جماعة الإخوان المسلمين أزمات متتالية منذ سقوطها من المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، لكنّها ما تزال تتشبث بملاذها الآمن في أوروبا، حيث تتحرك تحت أسماء مستعارة، وتتلقى دعماً مباشراً أو غير مباشر من جهات متعددة. 

ورغم الإجماع الدولي على أهمية مواجهة التيارات الإسلاموية المتطرفة، سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا، فإنّ الجماعة تواصل استغلال الحريات المتاحة في القارة العجوز لنشر أفكارها وإدارة شبكات مالية معقدة. 

تستغل جماعة الإخوان المسلمين الحريات المتاحة في أوروبا للتحرك تحت أسماء مستعارة، وتوسيع شبكات مالية وتنظيمية تهدد الأمن والاستقرار المجتمعي.

 

وكان مركز تريندز للبحوث والاستشارات قد نظم ندوة بعنوان "العمل معاً: أهمية وقف تمويل جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا"، بالتعاون مع السيناتور الفرنسية نتالي جوليه في مجلس الشيوخ الفرنسي لمناقشة التحديات والآليات اللازمة؛ لقطع مصادر تمويل الجماعة، وتأتي هذه الفعالية استكمالاً لندوة مماثلة عقدها المركز في أبو ظبي يوم 19 حزيران (يونيو) الماضي.

سقوط عربي وملاذ أوروبي

لم تبدأ علاقة الإخوان بأوروبا في العقد الأخير، بل تعود إلى عقود مضت، فقد استغلت الجماعة المساحات المتاحة من الحرية في القارة لتأسيس مراكز إسلامية، والسيطرة على مؤسسات خيرية وإغاثية، واختراق منظمات المجتمع المدني. هذه المؤسسات، التي تتخذ أحياناً أسماء بعيدة عن هويتها الحقيقية، تعمل كأذرع للجماعة، تنشر أفكارها المتطرفة وتجمع التبرعات التي تُستخدم في أنشطة تهدد استقرار الدول وأمن مواطنيها. وما يزيد الوضع تعقيداً هو أنّ بعض هذه الكيانات تتلقى تمويلاً رسمياً من جهات أوروبية دون إدراك كامل لطبيعتها أو خطورتها.

رغم تراجع الإخوان في الدول العربية، لا تزال الجماعة تجد في أوروبا ملاذًا آمنًا يتيح لها الاستمرار في نشر أفكارها المتطرفة.

 

في الدول العربية، حيث تُصنف الجماعة كتنظيم إرهابي في بلدان مثل مصر والسعودية والإمارات، تمكنت السلطات من الحد من نفوذها. لكن في أوروبا تظل القارة ملاذاً آمناً للإخوان، حيث يديرون شبكة معقدة تشمل استثمارات تجارية، وشركات، وعمليات مصرفية، وحتى تجارة الحلال وشركات "الأوف شور". هذه الأنشطة، التي تتخفى خلف عناوين العمل الخيري أو الحقوقي، تتيح للجماعة مواصلة نشر خطابها المتشدد وتعميق التطرف في المجتمعات الأوروبية.

تحديات المواجهة الأوروبية

رغم التحركات الأوروبية المتفرقة لمواجهة الجماعة، فإنّ الإجراءات ما تزال دون المستوى المطلوب. بعض الدول، مثل النمسا، اتخذت خطوات جريئة بحظر الإخوان بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، بينما تقوم فرنسا بتدقيق أنشطة الجماعة وتقييم مدى تغلغلها في المؤسسات الحكومية والمجتمعية. لكنّ غياب تحرك أوروبي موحد لتصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي يتيح لهم استغلال الثغرات القانونية، والتنقل بين الدول لمواصلة أنشطتهم. هذا التردد يعزز قدرة الجماعة على إنشاء بؤر تطرف، ونشر خطاب الكراهية والانفصالية، ممّا يهدد التماسك الاجتماعي في القارة.

تستخدم الجماعة واجهات خيرية وتعليمية للتغلغل داخل المجتمعات الأوروبية، وتستفيد أحيانًا من تمويل رسمي دون وعي الجهات المانحة بخطورتها.

الإخوان، كما تظهر الأدلة، لا يعملون فقط على نشر إيديولوجيتهم، بل يسعون إلى إنشاء "مجتمعات موازية" داخل أوروبا، وقد حذّرت تقارير ألمانية من سيطرتهم على مساجد ومؤسسات تعليمية، ممّا يهدد مبادئ الاندماج الاجتماعي. هذه الأنشطة، التي تُدار عبر شبكات مالية معقدة، تتطلب رقابة مكثفة وتتبعاً دقيقاً لمصادر التمويل، خاصة تلك المرتبطة بتنظيمات إرهابية عالمية.

يبرز مركز تريندز للبحوث والاستشارات كجهة رائدة في مكافحة الفكر المتطرف، من خلال دراسات وإصدارات تكشف أبعاد أنشطة الجماعات الإسلاموية، وعلى رأسها الإخوان. الندوة التي ينظمها المركز في باريس، والتي تتزامن مع تدشين مكتبه الافتراضي في فرنسا، تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي لقطع مصادر تمويل الجماعة، وتسليط الضوء على مخاطرها الإيديولوجية والأمنية. هذه الجهود تأتي في إطار رؤية شاملة لتفكيك السرديات المتطرفة، ودعم الحكومات وصناع القرار في بناء مجتمعات آمنة تعتمد الحوار والقيم المشتركة.

ضرورة التحرك العاجل

إنّ استمرار تردد بعض الدول الأوروبية في تصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي يشكّل تحدياً كبيراً. فالجماعة، التي أثبتت تاريخياً ارتباطها بالتطرف والعنف، تستمر في استغلال الحريات الديمقراطية لتوسيع نفوذها. والتحركات المتفرقة، مثل تلك التي تقودها فرنسا والنمسا، تحتاج إلى تعزيز بتحالف أوروبي موحد يضع الإخوان على قوائم الإرهاب، ويفرض رقابة صارمة على أنشطتهم المالية والتنظيمية.

ندوة مركز تريندز في مجلس الشيوخ الفرنسي سلطت الضوء على ضرورة وقف تمويل الإخوان وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة خطرهم المتنامي.

 

إنّ مواجهة الإخوان في أوروبا ليست مجرد مسألة أمنية، بل هي حرب على الأفكار المتطرفة التي تهدد التماسك الاجتماعي. ندوة مركز تريندز في مجلس الشيوخ الفرنسي تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الوعي بهذه المخاطر، ووضع استراتيجيات فعالة لوقف تمويل الجماعة وتقييد أنشطتها. إنّ التحدي الحقيقي يكمن في الجمع بين الأمن والحفاظ على القيم الديمقراطية، لضمان مجتمعات آمنة خالية من بؤر التطرف.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية