حماسة الإخوان في اختبار الزمان: أيديولوجيا عتيقة وفقر معرفي

حماسة الإخوان في اختبار الزمان: أيديولوجيا عتيقة وفقر معرفي

حماسة الإخوان في اختبار الزمان: أيديولوجيا عتيقة وفقر معرفي


16/08/2023

راجت أنباء عن توجهات إصلاحية من جيل الشباب داخل جماعة الإخوان المسلمين، لكن بمرور الأشهر لم تسفر تلك المحاولات عن شيء، بل تراجع دور الشباب إلى الخلف في ظل هيمنة الشيوخ والخطاب العتيق على الجماعة.

حتى تلك الأوراق التي قُدمت باسم تيارات تدّعي الإصلاح لم تأت بجديد، ولم تختلف في النقل والاستناد إلى مصدرين أساسيين، وهما وصايا المؤسس حسن البنا، ووصايا المنظر التكفيري سيد قطب.

ويعتبر الاتفاق على ذلك المصدرين سمة تجمع كل ألوان الطيف الإخواني، وهي تعني من جانب آخر أنّ مؤلفات ذلك المصدرين باتت في حكم التقديس، بما يشمله من التكرار والتقليد وغياب الإبداع، ولهذا يصبح من الطبيعي صعود التنافس الإداري على الزعامة داخل جماعة ميتة فكرياً، لكنها تملك إيماناً مبنياً على تقديس مقولات رجلين، وهما البنا وقطب.

أوهام التجديد

كتب الباحث خيري عمر في مقال منشور في موقع "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، بأنّه لطالما كانت التحديات التنظيمية التي تواجهها جماعة الإخوان المسلمين منذ فترة طويلة عاملاً حاسماً في تشكيل علاقاتها مع الدولة لعدة عقود، فطوال تاريخ الإخوان، كانت الإخفاقات التنظيمية الداخلية بارزة في جميع الأزمات التي مرت بها الجماعة. ومع سعيها لتقلد مكانة حركة دولية، ازداد الوضع سوءاً؛ حيث واجهت الجماعة صعوبات في التعامل مع الحكومات الوطنية.

وأشار الكاتب إلى تراجع مكانة القيم داخل جماعة الإخوان، "على الرغم من رسوخ مبدأ السمع والطاعة داخل الجماعة وتصوير مخالفته نوعاً من العصيان والفساد الأخلاقي، لم يطرأ أي تحسن على الاستقرار الداخلي داخل جماعة الإخوان المسلمين."

كما تطرق إلى انغلاق الجماعة الفكري، وكتب: "فيما يتعلق بأيديولوجية الجماعة، وبشكل عام، استخدمت الجماعة حجج مفكريها المركزيين مثل حسن البنا وسيد قطب، حيث ركنت الجماعة، منذ نشأتها، إلى إرشادات حسن البنا في نسختها الأولية عن السلطة والحكم والدولة، وذلك رغم عدم كفايتها للتعامل مع التغيرات المتواترة في النظام العالمي والدولة القومية."

استخدمت الجماعة حجج مفكريها حسن البنا وسيد قطب

وشهدت جماعة الإخوان المسلمين في مصر انقسامات كبيرة بعد العام 2013، بعد الإطاحة بهم من السلطة في ثورة 30 يونيو الشعبية. كانت البداية بالانقسام بين مجموعة مكتب التغيير بقيادة القيادي محمد كمال، الذي لقي حتفه في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة المصرية في 2016، وبين ما يسمون شيوخ الجماعة بقيادة محمود عزت ومحمود حسين.

جماعة الإخوان لا يمكن أنّ تتحول إلى شكل آخر؛ لأنّها قامت على وصم المجتمع بالضلال فلهذا ترى في نفسها المصباح والمرشد لهذا المجتمع

ولم يكد ذلك الانقسام ينتهي، حتى ظهر على السطح انقسام آخر داخل مجموعة الشيوخ، بين جبهة يتزعمها محمود حسين ومجموعته في إسطنبول، وجبهة التنظيم الدولي بزعامة القيادي الراحل إبراهيم منير، وذلك بسبب الصراع على تمثيل القائم بأعمال المرشد الذي يقبع في السجون المصرية.

ومع هزيمة مجموعة التغيير التي كانت أول من انشقت وخلقت أجهزة ومكاتب موازية لمكاتب الجماعة الأم، روجت المجموعة إلى ضرورة تبني حركة إصلاحية داخل الجماعة، ومراجعة الأخطاء التي وقعت فيها، وأدت إلى الإطاحة بها من السلطة في مصر، لكن كعادة الإخوان المسلمين لم تنبن هذه الدعوة على أسس معرفية ورؤية واضحة للتغيير، ليظل كل حديث حول التغيير داخل الجماعة، متعلقاً بتقاسم المناصب والنفوذ فقط.

الفقر المعرفي لدى الإخوان

يرى الباحث في التاريخ والفكر الإسلامي، سامح عسكر، بأنّ أيديولوجيا الإخوان على مستوى الواقع غير ملائمة؛ فهم بدأوا كجمعية دينية، ولم تكن فكرة السياسية في ذهن البنا. وأشار عسكر في تصريح لـ"حفريات" إلى أنّ الجماعة دخلت الحياة السياسية وقت الحرب العالمية الثانية، وقبل ذلك كانوا منشغلين بالأمور الاجتماعية والدعوية والترويج لوجوب طاعة الحكام، وكانوا مثل جمعية سلفية صرفة.

وتابع عسكر، بأنّ الملك فاروق هو من ساعد الإخوان، وشجعهم على التوسع، ولم يحظر حتى التنظيم السري لهم، ودعمهم لمواجهة خصومه السياسيين، وكانت تلك الفترة بداية توسع الجماعة. وشدد على أنّ جماعة الإخوان لا تنمو دون دعم أو على الأقل تجاهل من السلطة، لكن إذا ما واجهتهم السلطة فإنّها تتراجع، لأنّ فكرهم يتسم بالجبن.

وأشار الباحث في التاريخ والفكر الديني، إلى أنّ الإخوان يريدون الوصول إلى السلطة، لكن ليس بشكلها الحديث، بل السلطة التي كانت سائدة في التاريخ الإسلامي، كما عبر عنها الفقه السلطاني. وأوضح أنّ هدف الإخوان بتحقيق دولة الخلافة المزعومة مجرد هم؛ لأنّ تلك الخلافة التي يتحدثون عنها ليست سوى مجرد صنيعة خيالهم، عن ماضي يقدسونه دون قراءة أو فهم صحيح.

سامح عسكر: جماعة الإخوان تعاني منذ نشأتها من الفقر المعرفي

يرى عسكر أنّ جماعة الإخوان تعاني منذ نشأتها من الفقر المعرفي، بسبب انغلاق أفرادها عن المعارف الأخرى، وتركيزهم على الأيديولوجيا كما صاغوها وفق الاستناد إلى وصايا حسن البنا ومؤلفات سيد قطب. ويقول بأنّ تصورات الإخوان عن العالم الذي ينقسم بين دار الإسلام ودار الكفر، وما يرتبط بذلك من غياب فكرة المواطنة، وعدم وجود ديمقراطية أو حقوق إنسان، لم تعد أفكاراً مقبولة لدى الإنسان اليوم، بعد ما اكتسبه من خبرات ومعارف ووعي بذاته، يجعل من العبث محاولة تطبيق نماذج متخيلة عن حياة مضى عليها 1000 عام، كدولة المسلمين في العصر العباسي، على عالم اليوم.

رجعية ماضوية

ولا يتوقع الباحث سامح عسكر نجاح أي محاولة لإصلاح جماعة الإخوان المسلمين، لأنّ الأفكار التي تنطلق منها الجماعة غير ملائمة للعصر والمستقبل. ويصف هذه المنطلقات بأنّها "رجعية ماضوية، تقوم على أوهام عن الدولة الفاضلة، في ترقب لعودة تلك الدولة كما يترقب الشيعة عودة المهدي."

الباحث سامح عسكر لـ"حفريات": جماعة الإخوان رجعية ماضوية تقوم على أوهام عن ترقب الدولة الفاضلة كما يترقب الشيعة عودة المهدي المنتظر

ويوفر الاطلاع على كتيب منشور باسم "المشروع السياسي" لتيار المكتب العام لجماعة الإخوان المسلمين (تيار التغيير) فرصةً لتقييم أطروحات التغيير لدى أخطر فريق انشق عن الجماعة لأسباب إدارية. لكن خطة هذا التيار لا ترتقي إلى العناوين البراقة التي حملها المشروع السياسي، من عينة الإصلاح، الذي اقتصر على الحديث عن أخطاء وقعت فيها الجماعة والخصوم، ما يحيل إلى أنّ تلك الأخطاء تكتيكية، ولا تتعلق بأي شكل بالأيديولوجيا التي تقوم عليها الجماعة، والتي تتناقض بشكل كلي مع فكرة الدولة الوطنية.

وكان تيار التغيير طرح خطته الإصلاحية للجماعة بالفصل بين الجماعة كدعوة وبين العمل السياسي، ليتم السماح لأعضاء الجماعة بالانضمام كما يشاؤون إلى الأحزاب السياسية، شريطة أنّ تكون تلك الأحزاب تعمل على تحقيق الغاية النهائية وهي دولة العدالة والشريعة والحق، وفق زعمهم.

الجماعة لن تقبل التخلي عن سطوتها الأيديولوجية

والخلاصة أنّ جماعة الإخوان لا يمكن أنّ تتحول إلى شكل آخر؛ لأنّها جماعة قامت على وصم المجتمع بالضلال، فلهذا ترى في نفسها المصباح والمرشد لهذا المجتمع، للخروج من الظلام إلى النور، ومثل هذه الجماعة لن تقبل بأي شكل التخلي عن سطوتها الأيديولوجية، من أجل قيم الدولة الحديثة التي تقوم على المواطنة، فلا مصلحة للإخوان المسلمين في حياة لا يسعون فيها إلى السيادة.

مواضيع ذات صلة:

برغم فشل كل مخططاتهم... إخوان مصر يستمرون في نشر الشائعات

سقوط الإخوان في مصر كان بمثابة إنقاذ لمنطقة الشرق الأوسط والدول الأوروبية... كيف؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية