تواصل إسرائيل تحدي القرارات الدولية بارتكاب المزيد من مجازر الإبادة بحق المدنيين العزّل في غزة، والتي كان آخرها قرار محكمة العدل الدولية التي طالبت الجيش الإسرائيلي بالوقف الفوري للعملية العسكرية في مدينة رفح، وقد قام الجيش بعد يوم واحد من صدور قرار محكمة العدل الدولية بارتكاب مجزرة بشعة ومروعة بحق المدنيين داخل مخيم يضم مئات النازحين في منطقة تل السلطان شمال غرب مدينة رفح، حيث تعتبر تلك المنطقة على حد وصف الجيش بالآمنة، لكنّ عدة صواريخ أطلقت من الطائرات الحربية سقطت على خيام النازحين، تسببت بسقوط عشرات الضحايا والإصابات عدا عن حرق عدد كبير من الخيام التي تؤوي النازحين.
ومع بدء دخول الجيش الإسرائيلي مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، يواصل شن عمليات قصف متعمدة لخيام النازحين في مدينة رفح وباقي المناطق المصنفة بالآمنة، وتعتبر تلك المناطق من النقاط الإنسانية التي يدّعي الجيش أنّها آمنة، وطلب من سكان مدينة رفح التي تعج بأكثر من مليون نازح التوجه إليها في أعقاب بدء عملية التوغل البري لمدينة رفح، لكنّ الاحتلال يعمق من أزمات النازحين بملاحقتهم في كافة أماكن تواجدهم.
دول عربية وأوروبية أدانت بشدة المجزرة البشعة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، معتبرةً أنّ إسرائيل تجاوزت كافة الخطوط في جرائمها بحق السكان المدنيين في قطاع غزة، ودعت تلك الدول إسرائيل إلى احترام قرار محكمة العدل الدولية والاستجابة الفورية لقرار وقف العملية العسكرية في مدينة رفح، والحدّ من ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين، وحاولت إسرائيل على إثر حالة الغضب والشجب العربي والدولي الواسعة تبرير العملية الإجرامية، بادعاء وجود خلل تقني أدى إلى وقوع كارثة كبيرة بحق المدنيين في مخيم النازحين برفح، ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحدث بالمأساوي، وطالب بفتح تحقيق للوقوف على الحدث.
من جهته يقول مدير برامج (هيومن رايتس ووتش) ساري باشي في أعقاب مجزرة رفح: بعد تتبع الأثر الإنساني للهجوم العسكري على غزة، يفر المدنيون إلى الطرق والأماكن التي طالب الجيش الإسرائيلي بالذهاب إليها، وعندما يذهبون إليها يُقتلون، مضيفاً أنّ سكان غزة يتبعون التعليمات خلال إخلاء المنازل واستخدام الطرقات التي طلب منهم سلكها، وبعد أن ذهب النازحون إلى المكان الذي طُلب منهم أن يذهبوا إليه، تعرضوا لضربة جوية وقتلوا.
بدورها قالت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد): إنّ دولة الاحتلال تواصل ارتكاب مجازر بشعة بحق المدنيين، وكان آخر تلك المجازر محرقة الخيام في مدينة رفح، وتدين الهيئة بأشد العبارات المجزرة البشعة التي ارتكبها الاحتلال في مخيم النازحين غربي مدينة رفح، والتي خلفت عشرات الشهداء والجرحى الذين تفحمت أجسادهم جرّاء استهداف الخيام بـ (8) صواريخ من الطائرات الحربية، تسببت بسقوط أكثر من (50) شهيداً وإصابة العشرات معظمهم أطفال ونساء، داعية الإدارة الأمريكية إلى العمل على فرض أوامر صارمة تطالب من خلالها دولة الاحتلال بالامتثال لقرارات محكمة العدل والجنائية الدولية، ووقف سياسة الإبادة الجماعية بحق المدنيين العزّل، خاصة مع استمرار قصف المربعات السكنية ومنع دخول المساعدات الإنسانية بعد احتلال معبر رفح.
في الأثناء، قال مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة: إنّ الاحتلال الإسرائيلي يركز ضرباته خلال الآونة الأخيرة على مراكز الإيواء وخيام النازحين في المناطق الإنسانية، والتي يعيش فيها عشرات الآلاف من المدنيين النازحين وخاصة الأطفال والنساء، ويضيف أنّ الجيش حدد تلك المناطق لتوجه النازحين إليها بادعاء أنّها آمنة، وعندما توجهوا إليها قام بارتكاب مجازر وإعدامات ميدانية بحقهم، وأوضح أنّ التاريخ لم يسبق أن شهد مثل هذه المجازر والإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد المدنيين في غزة، فالسكان يحرمون من الغذاء والماء والدواء والكهرباء والوقود، إلى جانب تدمير البنى التحتية وتعطيل شبكات الصرف الصحي وانتشار الأوبئة والأمراض بين النازحين.
وفي أحاديث منفصلة مع (حفريات)؛ وصف عدد من الناجين من مجزرة الخيام في مدينة رفح اللحظات الأولى المروعة لسقوط الصواريخ على المخيم في منطقة رفح، ويقول النازح أشرف الوشاحي: مع حلول الليل وعندما دخلنا إلى الخيام للنوم، قامت مجموعة من الطائرات بالإغارة على المخيم وأطلقت وابلاً من الصواريخ دمّرت عدداً كبيراً من الخيام المجهزة من النايلون والقماش، وقد تناثرت أشلاء النساء والأطفال والرجال بين الخيام، عدا عن الحريق الهائل الذي التهم الخيام وامتدّ إلى مساحة واسعة.
وأوضح خلال حديثه أنّ المنطقة التي يوجد بها المخيم تصنف بالنسبة إلى الجيش على أنّها آمنة وبعيدة عن عمليات القتال الدائرة في رفح، لكنّ الاحتلال الذي يتخبط بسبب عمليته الفاشلة وضربات المقاومة المؤلمة يقوم بالانتقام من المدنيين في خطوة للضغط على المقاومة، لكنّ ما يفعله الاحتلال يزيد من قوة المقاومة التي ترد بقوة على تلك المجازر.
المواطن سمير عبد الحليم فقد عدداً من أفراد أسرته في المحرقة الإسرائيلية، بعد أن أسقطت الطائرات الحربية براميل متفجرة بشكل مباغت ودون سابق إنذار على المخيم الذي يضم أكثر من (3) آلاف نازح فروا من مناطق القتال شرقي مدينة رفح، وأوضح أنّ المخيم لا يوجد بداخله أيّ نشاط عسكري لأيّ من فصائل المقاومة، وحتى إن كان الحديث يدور عن وجود أفراد من حماس، فلا يمكن إسقاط كمٍّ هائل من الصواريخ على خيام من القماش، في حين أنّه بالإمكان تنفيذ عمل عسكري محدود وبأقل خسائر وأضرار، لكنّ الاحتلال له أهداف من ذلك، وهي الضغط على المدنيين وتأزيم أوضاعهم بشكل أكبر.
أمّا السيدة أم نبيل، فقد نجت بأعجوبة مع أسرتها من الموت، بعد أن أسقطت الطائرات براميل متفجرة على مخيم النازحين، وقد احترقت خيمتها بشكل كامل بعد أن امتدت النيران المشتعلة إلى جميع الخيم داخل المخيم، وباتت مشردة ولا تجد مأوى بعد أن تركت المخيم وخرجت للبحث عن مكان يمكن أن يكون آمناً، لكن تخشى من الذهاب إلى المناطق التي يدّعي الجيش أنّها آمنة وتعتبرها فخاً ومصيدة لارتكاب مجازر بحق الفارين إليها، وإنّ حال السيدة هو حال المئات من النازحين الذين تركوا المخيم وفروا للبحث عن مكان جديد، في ظل حالة الاكتظاظ في المناطق التي يصنفها الجيش وسط قطاع غزة، وتردي الأوضاع المعيشية لدى النازحين.
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي تجاهل القرارات الدولية الرامية إلى لجمه عن مواصلة ارتكاب مجازر الإبادة بحق المدنيين العزّل في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ويتعمد الاحتلال ملاحقة النازحين في مراكز الإيواء وخيام النازحين، عدا عن قصف المربعات السكنية التي تضم المدنيين.