الانتخابات الرئاسية الفرنسية.. هل ينهي إيمانويل ماكرون حلم جيل من السياسيين؟

الانتخابات الرئاسية الفرنسية.. هل ينهي إيمانويل ماكرون حلم جيل من السياسيين؟


20/04/2022

بات من المرجح أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يسير بخطى ثابتة نحو ولاية ثانية لحكم فرنسا، لكنّ هذا الانتصار المنتظر سيكون له تداعيات على المشهد السياسي الفرنسي لأعوام قادمة؛ حيث إنّ الرئيس الفرنسي الشاب، وعبر حركته "فرنسا إلى الأمام" التي لم يتجاوز عمرها الـ6 أعوام، سينهي حلم جيل من السياسيين المخضرمين برئاسة فرنسا، كما سيحكم على العديد منهم بالانسحاب من عالم السياسة، وربما اعتزالها، بعد أن خاضوا تجارب سابقة كلها باءت بالفشل.

وسيكون أغلب المترشحين للرئاسة الفرنسية في دورتها الأولى ضحايا لنجاح ماكرون؛ حيث من الصعب أن نراهم مستقبلاً في محطات انتخابية قادمة، فقد صرّحت منافسته للمرة الثانية في الدورة الثانية للرئاسة مارين لوبان أنّها لن تعيد الترشح مرّة أخرى للانتخابات الرئاسية، إن فشلت هذه المرة، وللمرة الثالثة. كما أكدت في أكثر من مناسبة أنّها ستبتعد عن السياسة، وستخدم بلدها من موقع آخر، وهذا ما ستكون له تداعيات على حزبها "التجمّع الوطني"، والناشطين فيه.

ما ساهم في نجاح حركة "فرنسا إلى الإمام" في وقت قياسي أنّ مؤسسها إيمانويل ماكرون ترك باب الانضمام إليها مفتوحاً لكافة التوجهات السياسية

وكذلك الحال بالنسبة إلى إيريك أزمور، وجان لوك ميلنشيون، وغيرهم من السياسيين الذين لم  ينجحوا بالترشح للانتخابات أصلاً.

والواقع أنّ الرئيس الفرنسي الشاب، وفي ظرف (5) أعوام، قام بما يعجز عنه جيل من السياسيين؛ فحركته "فرنسا إلى الأمام"، هي أقرب إلى المبادرة الفردية منها إلى حزب أو حركة منظمة، ولم يكن أكثر المتفائلين بها في الدور الأول لانتخابات العام 2017 يراهن أنّ رئيسها سيكون ضمن الدور الثاني، ثم سيصبح أصغر رئيس في تاريخ فرنسا، عن سن (34) عاماً، مقصياً بذلك الحزبين اللذين سيطرا على الإليزيه لعقود.

وتعدّ حركة "فرنسا إلى الأمام" ظاهرة سياسية جديرة بالدراسة؛ لأنّها أنهت السياسة النمطية الفرنسية، فما هي هذه الحركة، وكيف تكوّنت؟

هي حركة وسطية، لا يمينية ولا يسارية، أسّسها إيمانويل ماكرون في نيسان (أبريل) العام 2016، بعد استقالته من الحزب الاشتراكي، الذي انتمى إليه بين عامي 2006 و 2009، وتستمدّ الحركة اسمها من الأحرف الأولى لاسم مؤسسها، وقد ولدت حركة "فرنسا إلى الأمام" كبيرة، وحظيت بتغطية إعلامية واسعة، إضافة إلى دعم تلقته من شخصيات سياسية فرنسية معروفة، أبرزها الرئيس المنتهية ولايته حينها فرانسوا هولاند، ورئيس الوزراء السابق جون بيار رافاران، الذي قال كلمته الشهيرة فيها: "إنّ الحركة تضخ دماء جديدة في الحياة السياسية الفرنسية"، هذا إضافة إلى انخراط برلمانيين سابقين، وأعضاء سابقين في الحكومات الفرنسية المتعاقبة فيها، ونجح ماكرون بخطابه المستحدث في جلب انتباه المزيد من الشباب ورجال الثقافة والأعمال، وحتى بعض السياسيين من اليمين واليسار، الذين أعلنوا مساندتهم لماكرون في الانتخابات الرئاسية لعام 2017، ونالت الحركة ومؤسسها دعماً خارجياً، وخاصّة من مؤيدي الوحدة الأوروبية.

ومنذ لحظة التأسيس، حدّد ماكرون مبادئ حركته، حيث قال: إنّها "لا يمينية محضة، ولا يسارية صرفة". وتبنّت الحركة مجموعة من القيم؛ منها أنّها ترفض كل أشكال التيار المحافظ، وتلتزم بالمبادئ التقدمية، وتتمسك بعضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي، وتؤكد الحركة أنّها تعمل على تكييف الاقتصاد الفرنسي مع العولمة، وتلتزم بـ"أخلقة" وتحديث السياسة الفرنسية.

وممّا ساهم في نجاح الحركة في وقت قياسي هو أنّ مؤسسها ترك باب الانضمام للحركة مفتوحاً لكافة التوجهات السياسية، وقال ماكرون حينها خلال اجتماع في مدينة أميان، بعد إطلاق حركة "فرنسا إلى الأمام": "دائماً نحاول تصنيف التوجهات، فيمكن لليساريين في الحزب الاشتراكي الفرنسي، واليمينيين في حزب الجمهوريين، الانضمام إلى هذا التشكل".

وتشير الأرقام التي كشفتها "فرنسا إلى الأمام" إلى أنّ عدد منتسبيها تزايد منذ انطلاق الحركة، ففي 10 نيسان (أبريل) العام 2016؛ أي بعد أيام فقط من الإعلان عنها، قال ماكرون: إنّ عدد المنتسبين يُقدّر بـ (13) ألفاً، وفي أيلول (سبتمبر) العام 2016، ارتفع العدد إلى (80) ألف شخص.

فوز ماكرون بولاية ثانية لحكم فرنسا سينهي حلم جيل من السياسيين المخضرمين برئاسة فرنسا، كما سيحكم على العديد منهم بالانسحاب من عالم السياسة، وربما اعتزالها، بعد أن خاضوا تجارب سابقة كلها باءت بالفشل

وقالت صحف فرنسية وقتها: إنّه إذا صحت تلك الأرقام، فإنّ "فرنسا إلى الأمام" تُعدّ من أبرز الأحزاب السياسية الفرنسية، وجاء في موقع الحركة على الإنترنت أنّ عدد الأعضاء يُقدّر بـ(200) ألف شخص، أمّا اليوم؛ فيقدّر عدد المنخرطين فيها بأكثر من مليون شخص.

وقد ساهم هذا الزخم الشعبي الذي تمتعت به الحركة في نجاحها الساحق في الانتخابات التشريعية التي جرت في 11حزيران (يونيو) العام 2017 بأغلبية ساحقة، بينما اعتبر كلّ من اليمين واليسار الفرنسيين التقليديين هزيمتهما بمثابة "نهاية مرحلة" في البلاد.

وحصلت الحركة في هذه التشريعيات مجتمعة على أكثر من (350) مقعداً، من مجموع (577) مقعداً التي تُشكّل الجمعية الوطنية الفرنسية، وهو ما يعني أنّ أصغر رؤساء فرنسا سناً قد كسب رهانه الأخير بالحصول على غالبية برلمانية واسعة تمكنه من الشروع في إصلاحاته الليبرالية الاجتماعية.

وبهذا الإنجاز تكون حركة "فرنسا إلى الأمام"، قد تجاوز السقف الأدنى المحدد للهيمنة على قرارات الجمعية الوطنية (289) مقعداً من أصل (577)، وهو ما يعني حصول حكومة ماكرون على تأشيرة تفعيل الإصلاحات الليبرالية والاجتماعية التي وعد بها خلال حملته الانتخابية.

كلّ ما تقدّم، وما سيأتي، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنّ ماكرون وحركته فتحا عهداً جديداً في السياسة الفرنسية، وأنهيا حلم جيل من السياسيين.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية