هل اغتال الإخوان حسن البنا؟

هل اغتال الإخوان حسن البنا؟

هل اغتال الإخوان حسن البنا؟


22/02/2024

رغم مرور كل هذه الأعوام على اغتيال حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، يظل مقتله لغزاً كبيراً، وتتحدث التفاصيل ومذكرات السياسيين في تلك الفترة عن ثلاث روايات: الأولى هي المتعارف عليها أنّ رجال الملك فاروق هم من قتلوه رداً على اغتيال الجماعة للنقراشي باشا، والثانية هي أنّ يمنياً قتله رداً على تورط الجماعة في مقتل الإمام يحيى، والثالثة أنّ أعضاء النظام العسكري داخل التنظيم هم من قتلوه عقب إصداره بيان (ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين)، واتفاقه على الإبلاغ عن أماكن الأسلحة والإذاعة السرية كخطوة لتهدئة الأوضاع المتوترة مع الحكومة.

فاروق والبنا.. أي علاقة؟

يكشف مؤرخو الجماعة عن علاقة جيدة بين البنا والملك فاروق، كانت مظاهرها في زيارات متتالية، وطوابير الكشافة التي كانت تهتف بحياة الملك، ثم توترها عقب مقتل رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي على يد عضو من النظام الخاص، ما اضطر مؤسس الجماعة للتفاوض مع حكومة عبد الهادي باشا.

كشف القيادي التاريخي محمد نجيب في تصريحات نقلتها قناة "العربية" أنّ البنا كان يرتبط بعلاقة وصفها أنها (جيدة جداً) بالملك فاروق، "لدرجة أنه يوم زواجه عام 1937 قامت الجوالة الإخوانية، بأوامر منه، وهتفت للملك وبعدها توطدت العلاقات بينهما"!

اقرأ أيضاً: حركية الإخوان الجديدة.. هل تعني إلغاء منهج حسن البنا؟

وفقاً للمفكر السياسي الدكتور رفعت السعيد في دراسته (جماعة الإخوان.. مسيرة الصعود هبوطاً) فإنّه عقب مقتل البنا دامت العلاقة الطيبة مع الملك، وأنّ سجل تشريفات قصر عابدين يوم 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 1951 أورد قائمة بأسماء قادة ذهبوا لتقديم الولاء للملك فاروق، وهم المرشد الثاني حسن الهضيبى، وعبد الرحمن البنا (شقيق حسن البنا)، وعبد الحكيم عابدين، وصالح عشماوي، وعبد القادر عودة، وحسين كمال الدين، والشيخ محمد الغزالي، وعبد العزيز كامل، وجميعهم أعضاء في مكتب الإرشاد العام.

التحقيقات أثبتت أنّ مجهولاً أبلغ رئيس قسم الشباب في جمعية الشبان المسلمين برقم السيارة التي استقلها الجناة

ينقل محمود عساف، مستشار عبدالرحمن السندي، قائد التنظيم الخاص، في مذكراته "مع الإمام حسن البنا"، الصادر العام 1993، حرص البنا على المفاوضات من أجل الخروج من أزمة اغتيال النقراشي فقال: "عندما قررت حكومة النقراشي حل الإخوان استجابة لتعليمات الملك والإنجليز، كان الإمام البنا حريصاً على مقابلة الملك فاروق بأي وسيلة ولو في السر، وقال لي إنه إذا تيسر له مقابلته فإنه قادر بعون الله تعالى على قلب الميزان المعوج وجعله في صالح الإخوان".

وذكر محمود عبد الحليم، في كتابه "الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ"، أنّ البنا تم الضغط عليه كي يصدر بياناً بعنوان: "هذا بيان للناس" أثنى فيه على "النقراشي"، واستنكر قتله، تحت عنوان "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين".

اقرأ أيضاً: حسن البنا والأدلجة السياسية للإسلام في القرن العشرين

وذكر محسن محمد في كتابه (من قتل البنا؟) أنّ البنا لم يكتب هذا البيان، لكن تم إجباره عليه وفق مفاوضات تمت داخل مكتب مصطفى مرعي، وزير الدولة في حكومة إبراهيم عبدالهادي، في مقر مجلس الوزراء الواقع حالياً في شارع قصر العيني، وكان الصحافي المعروف مصطفى أمين أحد الوسطاء.

كان يبدو من تلك الكتابات الكاشفة عن العلاقة بين البنا والملك أنّ هناك حرصاً على إنهاء المشكلة بين الاثنين، لكن من جهة أخرى، تشير أصابع الاتهام في بعض الروايات إلى أنّ فاروق في ليلة الاغتيال السبت 12 شباط (فبراير) العام 1949، كان ساهراً في نادي السيارات في قلب العاصمة، وحين وصل إليه الخبر في ورقة بأنّ البنا تم اغتياله بست رصاصات لكنه لم يمت ظل باقياً حتى السادسة صباحاً، وعندما وصله الخبر اليقين بموته غادر النادي.

اقرأ أيضاً: "رسالة التعاليم" لحسن البنا: اترك عقلك واتبعني!

وقد جاء اغتيال البنا في اليوم التالي لاحتفال فاروق بعيد ميلاده، وبعد الحادث مباشرة امتنع عن الظهور في أي مكان، كما امتنع عن الصلاة في المساجد، واتخذت احتياطات أمنية صارمة لتأمين حياته.

النظام الخاص والبنا

عقب مقتل البنا أمام جمعية الشبان المسلمين، جاء عنوان جريدة الأهرام في العدد 2280 السنة 75 بتاريخ شباط 12 شباط (فبراير) 1949 "الإخوان قتلوا البنا"، وجاء في المقال الرئيسي إنهم قتلوه لأنّه كان ينوى إبلاغ الحكومة عن مكان الأسلحة ومحطة الإذاعة السرية، وأنّ وزارة الداخلية تلقت من الشيخ حسن خطاباً بعنوان (ليسوا إخواناً.. وليسوا مسلمين)، وجه فيه اللوم إلى الذين ارتكبوا الحوادث الماضية، أشار فيه إلى حادثة محاولة نسف مكتب النائب العام، وأنّه على أثر ذلك تلقى خطاب تهديد بالقتل إذا أذاع أي سر من أسرار الجماعة!

ونقلت عن البنا قوله: "كأنّ مرتكب حادث محاولة النسف أراد أن يتحداني بهذا العمل، وليعلم أولئك الصغار من العابثين أنّ خطابات التهديد التي يبعثون بها إلى كبار الرجال، لن تزيد أحداً منهم إلا شعوراً بواجبه وحرصاً تاماً على أدائه، وإنني لأعلن أنني منذ اليوم سأعتبر أي حادث يقع من أي فرد سبق له الاتصال بجماعة الإخوان موجهاً إلى شخصي".

اقرأ أيضاً: هل سرق حسن البنا النار من صديقه السكري؟

يذكر القيادي الإخواني علي عشماوي، في كتابه التاريخ السري لجماعة الإخوان، الصادر عن مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، ص: 63، أنّ عبدالرحمن السندي، زعيم الجناح العسكري، اندلعت بينه وبين البنا خلافات كثيرة، وأنّ السندي اغتال زميله السيد فايز عن طريق علبة حلوى مفخخة، مشيراً إلى تفاقم دوره داخل التنظيم وعدم القدرة على السيطرة عليه.

يكشف مؤرخو الجماعة تميز علاقة البنا بفاروق كانت مظاهرها في زيارات متتالية وطوابير الكشافة التي كانت تهتف بحياة الملك

في شهادته حول مقتل البنا، نفى القيادي السابق في النظام الخاص، محمد نجيب، لموقع "العربية"، في 21 شباط (فبراير) 2008 اتهام الملك فاروق وحكومته باغتيال حسن البنا، قائلاً: "الحقيقة المؤكدة أنّ الملك فاروق بريء من هذا الاتهام، وبريء من دم البنا، ولم يشارك ولم يسعَ في قتله".

وسرد محسن محمد في كتابه (من قتل البنا؟) خلفيات العملية فقال: إنّ التحقيقات أثبتت أنّ شخصاً مجهولاً يرتدى جلباباً وطربوشاً أبلغ محمد الليثي، رئيس قسم الشباب في جمعية الشبان المسلمين برقم السيارة التي استقلها الجناة الذين قتلوا حسن البنا، وكان هو 9979، وقام الليثي بإبلاغ هذا الرقم لصحفي في جريدة "المصري" فنشره على الفور، وتبين بعد ذلك أنّ هذا الرقم هو رقم سيارة الأميرالاي محمود عبد المجيد، وكيل وزارة الداخلية للأمن الجنائي، غير أنّ عدداً ممن شهدوا الواقعة أشاروا إلى أنّ هذا "الشخص المجهول" الذى اتهم وكيل وزارة الداخلية بقتل مؤسس الجماعة، هو أحد الأفراد المعاونين للفريق الذي نفذ العملية، وأراد أن يبعد الأنظار عن القتلة الحقيقيين، فذكر رقم سيارة لإلصاق التهمة به، وإبعادها عن عبد الرحمن السندي والنظام الخاص الذي نفذ الجريمة.

كما ينقل أنّ السادات كان يتهم فصيلاً من الجماعة باغتيال البنا، ففي أيام حكمه كانت تقام ندوات يحضرها مرشد الجماعة عمر التلمساني، ومنها لقاء في جامعة القاهرة، وجه فيه الرئيس سؤالاً إليه قائلاً له: "من قتل حسن البنا يا عمر؟" فوقع السؤال علي التلمسانى كالصاعقة ورد قائلاً: "هذا قدره يا ريس" فقال له السادات إن كنت يا عمر لا تدري فأنا أدري.. وأنا أعرف أنك يا عمر تدري.. فرد عليه التلمساني قائلاً للسادات.. "إذا ظلمني أحد سأشكوه إليك.. أما إن ظلمتني أنت سأشكو إلى الله؟ فرد عليه السادات قائلاً: أنا لم أظلم أحداً يا عمر فاسحب شكواك إلى الله لأني أخاف رب العالمين".

خليفة عطوة: البنا قابل فاروق وقال له إنّ الجماعة ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين وبعد هذا التصريح بأسبوع قُتل

بعد سنوات طوال وتحديداً في 23/4/2007، نقلت صحيفة الفجر المصرية بالعدد 98 عن أحمد سيف الإسلام حسن البنا، الابن الوحيد لمؤسس الجماعة مفاجأة ستنسف رواية الإخوان حول مقتل زعيمهم، حيث نفى قيام الملك فاروق بقتل والده، وقال: لقد حيكت مؤامرة دولية مدعومة من الداخل ضمن مخطط استهدف الإيقاع بالملك والنحاس والبنا، وإنه سيكشف خيوط تلك المؤامرة، في كتاب يعكف على إعداده!

قال خليفة مصطفى عطوة، أحد المتهمين في محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في الإسكندرية، إنّ "البنا" قابل الملك فاروق آنذاك وقال له- في وجود صحفيين ومسجل هذا الحديث- إنّ "الجماعة ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين؛ وبعد هذا التصريح بأسبوع تم قتل البنا".

وأضاف خليفة مصطفى عطوة، في حواره مع الإعلامي أحمد موسى في برنامج "على مسؤوليتي" المذاع على قناة " صدى البلد"، أنّ جماعة الإخوان قتلت حسن البنا، معقباً: الجماعة لا يوجد عزيز لهم.

في الختام، فبعد ثلاثة أشهر على إعلان رئيس الوزراء المصري محمود فهمى النقراشي حل جماعة الإخوان ومصادرة أموالها واعتقال معظم أعضائها، وإصدار البنا بيانه الشهير الذي استنكر فيه أعمال النظام الخاص، اغتيل مؤسس الجماعة يوم 12 شباط (فبراير) 1949 ولفظ البنا أنفاسه الأخيرة في مستشفى قصر العيني بالقاهرة، ولا يزال لغز الجناة محيراً حتى الآن.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية