
رغم الضربات الأمنية المتلاحقة التي كبّلت نشاط حركة "حسم"، الذراع المسلحة لجماعة الإخوان المسلمين، تعود الحركة إلى المشهد مجدداً عبر خطاب تهديدي يتزامن مع تصاعد الأزمات في الداخل المصري وتوترات المنطقة، ممّا يفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة حول مخاطر عودة العنف المسلح ضمن أجندة الإخوان، وأبعاد التهديد الجديد على الأمن المصري والإقليمي.
"حسم"... من الأذرع النوعية إلى العمل المسلح المباشر
تأسست حركة "حسم" في العام 2016 كامتداد لما عُرف بـ "اللجان النوعية" للإخوان المسلمين، التي نشطت بعد سقوط حكم الجماعة في مصر عام 2013. وجاءت الحركة كتصعيد نوعي لاستراتيجية العنف، مركّزة على تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف رموز الدولة ومؤسساتها، في محاولة لتقويض الاستقرار وإرباك الأجهزة الأمنية.
"عودة حركة 'حسم' إلى الواجهة تعيد شبح العنف السياسي إلى المشهد المصري، في ظل أزمات داخلية وتوترات إقليمية يستغلها الإخوان لتأجيج الفوضى."
طيلة سنوات نشاطها الأولى نفّذت الحركة عمليات نوعية أبرزها محاولة اغتيال النائب العام المساعد المستشار زكريا عبد العزيز، ومحاولة استهداف المفتي السابق علي جمعة، إضافة إلى تفجيرات متفرقة استهدفت رجال الأمن والمرافق الحيوية بالقاهرة الكبرى.
وتبنت حركة "حسم" خطاباً إعلامياً يروّج للعمل المسلح باعتباره "مقاومة"، في تناغم واضح مع خطاب قيادات الإخوان بالخارج، رغم محاولات الجماعة الرسمية التبرؤ من نشاطها المسلح.
سنوات التراجع... الضربات الأمنية تضعف الذراع المسلحة
مع تصاعد نشاطها، وضعت الأجهزة الأمنية المصرية حركة "حسم" على رأس قوائم الاستهداف الأمني، وأسفرت الحملات المكثفة بين 2018 و2020 عن تفكيك خلايا عدة، وضبط عناصر وقيادات بارزة، إضافة إلى ضبط كميات من المتفجرات والأسلحة كانت معدّة لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة.
"مواجهة العنف لا تقتصر على السلاح، بل تبدأ من الخطاب، وتمر بتعرية التحريض، وتنتهي بإغلاق بوابات الفوضى في الإقليم والداخل."
هذه الضربات دفعت الحركة إلى التراجع تدريجياً عن المشهد، خاصة بعد إدراجها على قوائم الإرهاب في مصر، وتبعتها الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا بخطوات مماثلة، وهو ما ضيّق عليها الخناق وجمّد مصادر تمويلها وتحركاتها الخارجية.
غير أنّ تحليلات أمنية متعددة أكدت أنّ تراجع الحركة لم يكن نهاية تهديدها، بل كان انتقالاً إلى العمل السرّي وإعادة بناء الهيكل التنظيمي، بدعم لوجستي وتحريضي من الخارج، وخاصة عبر منصات إعلامية تابعة للإخوان.
فيديو "العودة"... رسائل تهديد من تحت الرماد
في خطوة لافتة، بثّت حركة "حسم" مؤخراً "فيديو" جديداً حمل عنوان "العودة"، أعاد تسليط الضوء على خطورة التنظيم المسلح، وأثار جدلاً واسعاً في الأوساط الأمنية والإعلامية المصرية.
"الإنكار العلني من الجماعة لا يصمد أمام الأدلة الأمنية على الدعم اللوجستي، والإسناد الإعلامي، والتماهي الأيديولوجي."
الفيديو، الذي تداوله ناشطون ومنصات إعلامية محسوبة على جماعة الإخوان بالخارج، تضمّن مشاهد أرشيفية لعمليات إرهابية نفذتها الحركة خلال السنوات الماضية، مع التركيز على استهداف رجال الأمن والكمائن الشرطية، مصحوباً بخطاب تعبوي يدعو إلى "مواصلة المقاومة"، في إشارة واضحة إلى نية الحركة إعادة إحياء نشاطها الميداني.
ورغم أنّ الفيديو لم يُعلن عن توقيت محدد للتحرّك أو عمليات جديدة، إلا أنّ توقيت بثّه يحمل دلالات خطيرة، خاصة مع تصاعد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية داخل مصر، وهو ما تسعى الجماعة لاستغلاله لتأجيج الشارع وإرباك المشهد السياسي.
توقيت رمزي ورسائل انتقامية
وفي هذا السياق، أكد الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي والإرهاب، منير أديب، في تصريحات خاصة لـ (حفريات)، أن بثّ هذا الفيديو من قِبل حركة "حسم" يحمل أبعاداً رمزية واضحة مرتبطة بالزمان والمكان، تعكس نوايا الجماعة في التصعيد.
"لا يمكن قراءة عودة 'حسم' بمعزل عن مشروع أوسع للإخوان يسعى لإرباك الداخل والتسلل عبر الثغرات التي تفتحها الأزمات."
وأوضح أديب أنّ اختيار توقيت بث الفيديو تزامن مع ذكرى الثالث من تموز (يوليو)، التي تُعيد إلى الأذهان لحظة إعلان وزير الدفاع المصري آنذاك عبد الفتاح السيسي في 2013 مساراً جديداً لإدارة البلاد بعيداً عن حكم الإخوان، معتبراً أنّ هذه الذكرى تمثل جرحاً غائراً في مشروع الجماعة وكافة التنظيمات المرتبطة بها.
وأضاف الباحث: "ظهور الفيديو بهذا التوقيت يحمل رغبة واضحة في استثمار السياق الإقليمي المضطرب، ومحاولة إحياء مشاعر الغضب داخل قواعد الإخوان، بالتوازي مع التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الدولة المصرية والمنطقة".
"نجاحات الأمن المصري في تفكيك خلايا 'حسم' لا تلغي الحاجة إلى تحصين الجبهة الداخلية، وتجفيف منابع الدعم الإعلامي والمالي."
أمّا من حيث البُعد المكاني، فقد أشار أديب إلى أنّ التنظيم يسعى لتكرار تجارب الجماعات المسلحة في دول أخرى مثل سوريا، قائلاً: "هم يعتقدون أنّ إسقاط النظام السياسي في مصر ممكن بالسيناريوهات نفسها في بعض الدول العربية، عبر استنزاف الدولة واستهداف مؤسساتها الأمنية، مستغلين الأزمات الاقتصادية والاجتماعية".
وحذّر الباحث من خطورة الرسائل الثأرية التي تضمّنها الخطاب الأخير للحركة، مؤكداً أنّ الجماعة تستهدف الشعب المصري بالتحريض والعنف، كونه أيّد ثورة الثلاثين من حزيران (يونيو)، وأسقط مشروع الإخوان، كما تستهدف مؤسسات الدولة ضمن مشروعها القديم للانقضاض على النظام السياسي القائم.
الإخوان و"حسم"... علاقة الإنكار والدعم الخفي
رغم تكرار نفي جماعة الإخوان وجود علاقة مباشرة بحركة "حسم"، كشفت تقارير أمنية عديدة وشهادات منشقين عن الروابط العميقة بين الطرفين، سواء على مستوى التمويل والتدريب، أو التوجيه الفكري والإعلامي.
"ما بين استغلال أزمات الداخل وتوترات الإقليم، يبدو خطاب 'حسم' الجديد محاولة يائسة لإنعاش مشروع سياسي لفظه الشارع المصري."
أجهزة الأمن المصرية أكدت، في أكثر من مناسبة، أنّ "حسم" جزء من استراتيجية الإخوان الشاملة للضغط على الدولة، عبر العمل المسلح حين تفشل أدوات الحشد السياسي والإعلامي. وقد كشفت تحقيقات قضائية عن تورط قيادات إخوانية بارزة مقيمة في تركيا وقطر وماليزيا في التخطيط وتمويل العمليات التي نفذتها الحركة.
وفي الوقت ذاته تواصل منابر إعلامية تابعة للإخوان بالخارج الترويج لخطاب العنف والتبرير للأعمال المسلحة، ممّا يعزز القناعة بوجود تنسيق تنظيمي غير معلن بين "حسم" والجماعة الأم.
استغلال الأزمات... بيئة خصبة لمحاولات العودة
عودة حركة "حسم" إلى بثّ رسائل التهديد لا تنفصل عن محاولة الإخوان استثمار الأزمات التي تمر بها مصر، سواء الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو تداعيات الإقليم المضطرب.
"اختارت 'حسم' توقيت بث تهديدها بالتزامن مع ذكرى إسقاط الإخوان في 3 يوليو، لتغذية سردية الانتقام وإحياء مشروعهم المنهار."
ففي ظل تصاعد التوترات الإقليمية، من حرب غزة إلى الأوضاع في السودان وليبيا، تجد الجماعة في هذه الظروف بيئة خصبة لتحريك خلاياها النائمة، وتأجيج الغضب الشعبي، والدفع نحو إعادة سيناريو الفوضى الأمنية، ضمن ما تصفه "استراتيجية إرباك الداخل".
وبحسب مراقبين، فإنّ عودة الخطاب العنيف عبر "حسم" تمثل جزءاً من مشروع أوسع يسعى الإخوان لتفعيله، عبر التنسيق مع تنظيمات متطرفة في دول الجوار، واستغلال شبكات تهريب السلاح، بهدف إضعاف الدولة المصرية وفتح ثغرات أمنية.
مواجهة شاملة... ضرورة تحصين الجبهة الداخلية
أمام هذه المعطيات يبدو واضحاً أنّ المواجهة مع "حسم" وأذرع الإخوان المسلحة لا تقتصر على الجانب الأمني فحسب، بل تحتاج، وفق خبراء، إلى تجفيف منابع تمويل التنظيمات المرتبطة بالإخوان، وملاحقة المنصات الإعلامية التي تحرّض على العنف وتبرّره، ورفع وعي الشارع بخطورة الانجرار خلف دعوات الفوضى، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لرصد تحركات كوادر الجماعة في الخارج.
"رغم الإنكار الرسمي، تكشف التحقيقات عن علاقة عضوية بين 'حسم' وقيادات الإخوان المقيمة بالخارج، تمويلاً وتخطيطًا وتحريضًا."
وفي ظل التهديدات الجديدة التي عبّر عنها فيديو "حسم" تبرز الحاجة إلى يقظة أمنية شاملة، بالتوازي مع تحصين الداخل المصري سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، منعاً لتكرار سيناريوهات العنف التي خبرها المصريون خلال العقد الأخير، والتي ظلّت جماعة الإخوان محركها الرئيسي، سواء عبر العمل العلني أو الأذرع المسلحة المختبئة تحت ستار الإنكار.