“الذئاب المنفردة”.. كيف أصبحت سمة الإرهاب في أوروبا وما خطورتهم؟

 “الذئاب المنفردة”.. كيف أصبحت سمة الإرهاب في أوروبا وما خطورتهم؟

“الذئاب المنفردة”.. كيف أصبحت سمة الإرهاب في أوروبا وما خطورتهم؟


06/03/2025

أصبحت “الذئاب المنفردة” واحدة من أخطر وأصعب الظواهر التي تواجه الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في أوروبا، التي شهدت تحولًا واضحًا في طبيعة التهديدات الإرهابية، خلال السنوات الأخيرة. ويشير مصطلح “الذئاب المنفردة” إلى الأفراد الذين ينفذون عمليات إرهابية بشكل مستقل، دون أن يكون لهم اتصال مباشر بتنظيم إرهابي معين، بل يتبنون أيديولوجيات متطرفة ويستلهمون أفكارهم من الدعاية الإرهابية عبر الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي.

وترجع دراسة حديثة، للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، صعود هذه الظاهرة إلى عدة عوامل؛ من بينها تطور وسائل الاتصال، وتغيير استراتيجيات التنظيمات الإرهابية، وتعقيد إجراءات الهجرة، فضلًا عن التحديات التي تواجهها الحكومات الأوروبية في دمج الأقليات والتعامل مع قضايا التطرف.يعد الهجوم الإرهابي الذي نفذه أنيس العمري في برلين عام 2016 أحد أبرز الأمثلة على خطورة هذه الظاهرة، حيث نفذ الهجوم بمفرده مستخدمًا شاحنة دهس بها عشرات المدنيين. 

ومنذ ذلك الحين، تكررت هجمات مشابهة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا، ما دفع الأجهزة الأمنية إلى إعادة النظر في استراتيجياتها لمكافحة الإرهاب الفردي، وفقا للدراسة التي صدرت، بعنوان "كيف أصبحت الذئاب المنفردة سمة الإرهاب في أوروبا؟".

إحصائيات وأرقام حول الهجمات الفردية خلال عامي 2024 و2025

هذا وتشير البيانات المتاحة للدراسة إلى أن عدد الهجمات الإرهابية الفردية في أوروبا قد شهد ارتفاعًا ملحوظًا خلال عامي 2024 و2025. ووفقًا لتقارير أوروبية، فإن حوالي 70% من الهجمات الإرهابية التي وقعت في أوروبا خلال هذه الفترة كانت من تنفيذ أفراد تصرفوا بمفردهم، مقارنة بـ 55% خلال الفترة 2018-2020. 

تشير البيانات المتاحة للدراسة إلى أن عدد الهجمات الإرهابية الفردية في أوروبا قد شهد ارتفاعًا ملحوظًا خلال عامي 2024 و2025

ومن بين هذه الهجمات، كانت هناك عدة عمليات دهس وطعن وإطلاق نار نفذها أفراد تأثروا بالدعاية الجهادية عبر الإنترنت، أو كانت لديهم دوافع أيديولوجية يمينية متطرفة.

وقد نفذ شخص يحمل الجنسية الفرنسية هجومًا بالسلاح الأبيض في محطة قطارات بمدينة باريس، في يناير 2024، أسفر عن مقتل شخصين وإصابة آخرين. وفي مايو 224، استهدفت عملية دهس في برلين عددًا من المارة في منطقة مزدحمة، ما أدى إلى إصابة 12 شخصًا ومقتل 3 آخرين. أما في بداية عام 2025، فقد تم إحباط هجوم إرهابي في مدريد كان يستهدف مركزًا تجاريًا، حيث تبين أن المهاجم كان يتواصل مع مجموعات متطرفة عبر الإنترنت.

كما شهدت مدينة ميونيخ الألمانية، في 13 فبراير 2025، حادث دهس أسفر عن إصابة 28 شخصًا، بينهم أطفال. المشتبه به هو طالب لجوء أفغاني يبلغ من العمر 24 عامًا، قاد سيارته نحو حشد من المتظاهرين خلال إضراب نظّمته نقابة “فيردي” العمالية. الحادث أثار جدلاً سياسيًا في ألمانيا حول سياسات الهجرة والأمن، حيث تعهّد المستشار الألماني أولاف شولتس بترحيل المشتبه به بعد محاكمته.. ​

وحذّر بروس هوفمان، خبير الإرهاب وأستاذ في جامعة جورج تاون، من تصاعد إرهاب اليمين المتطرف، مشيرًا إلى أنه بلغ ذروته في أوائل الثمانينات، مع تزايد أنشطة الذئاب المنفردة خلال تلك الفترة.

وأوضح بوعز غانور، المدير التنفيذي للمعهد الدولي لمكافحة الإرهاب، أن مصطلح “الذئب الوحيد” يشير إلى فرد يتبنى أيديولوجية متطرفة ويقرر تنفيذ عمل إرهابي دون تلقي دعم عملي أو توجيه مباشر من منظمة إرهابية، مما يزيد من صعوبة تعقبه ومنعه. ​ 

يمثل تعقب الذئاب المنفردة تحديًا كبيرًا لأن معظم هؤلاء الأفراد لا يملكون سجلًا إجراميًا أو تاريخًا واضحًا من التطرف

ما الفرق بين الهجمات المنظمة والهجمات الفردية؟

الدراسة أشارت إلى أن الهجمات الإرهابية الفردية تختلف عن الهجمات المنظمة من حيث طبيعة التخطيط والتنفيذ. فعلى سبيل المثال، تعتمد التنظيمات الإرهابية الكبرى مثل داعش والقاعدة على شبكات واسعة من الأفراد والمجموعات التي تعمل بشكل منسق لتنفيذ عمليات معقدة، تتطلب تمويلًا كبيرًا وتنسيقًا لوجستيًا دقيقًا.

بالمقابل، تعتمد هجمات الذئاب المنفردة على عنصر المفاجأة، حيث يمكن للمهاجم التحرك بحرية دون أن يكون تحت مراقبة الأجهزة الأمنية، نظرًا لعدم ارتباطه المباشر بأي منظمة إرهابية.

ومن الناحية الأمنية، يمثل تعقب الذئاب المنفردة تحديًا كبيرًا، لأن معظم هؤلاء الأفراد لا يملكون سجلًا إجراميًا أو تاريخًا واضحًا من التطرف، مما يجعل اكتشافهم قبل تنفيذ العمليات أمرًا في غاية الصعوبة. كما أن أدوات الهجوم التي يستخدمونها غالبًا ما تكون متاحة بسهولة، مثل السكاكين أو السيارات، مما يقلل الحاجة إلى شراء أسلحة نارية أو متفجرات، وبالتالي لا يتم رصدهم من قبل أجهزة الاستخبارات.

ما أسباب تحول الإرهاب نحو نموذج الذئاب المنفردة؟

ومن أبرز أسباب تزايد الهجمات الفردية في أوروبا، بحسب ما أوردته الدراسة؛ هو الصعوبة البالغة في تعقب الأفراد المتطرفين مقارنة بالخلايا الإرهابية المنظمة. فبينما تعتمد التنظيمات الإرهابية التقليدية على شبكات اتصال يمكن للأجهزة الأمنية اختراقها وتتبعها، تعمل الذئاب المنفردة في عزلة تامة، ما يجعل اكتشافهم قبل تنفيذ هجماتهم أمرًا معقدًا للغاية. 

كما لا تتطلب الهجمات الفردية موارد مالية ضخمة أو تخطيطًا معقدًا، على عكس الهجمات الإرهابية التقليدية التي تستلزم تنسيقًا بين عدد من الأشخاص، وتمويلًا لشراء الأسلحة أو المواد المتفجرة. على سبيل المثال، يمكن لشخص واحد تنفيذ هجوم بواسطة سيارة مسروقة أو سكين مطبخ، دون الحاجة إلى أي تجهيزات مسبقة.

من الناحية الأمنية، يمثل تعقب الذئاب المنفردة تحديًا كبيرًا

هذا وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي منصة رئيسية للجماعات الإرهابية، حيث يتم استخدامها لنشر أفكار متطرفة وتحريض الأفراد على تنفيذ عمليات فردية. وتعتمد هذه الجماعات على استراتيجيات نفسية لجذب أشخاص يعانون من العزلة الاجتماعية أو الأزمات النفسية، مما يجعلهم فريسة سهلة للأيديولوجيات المتطرفة.

ما هي استراتيجيات التنظيمات الإرهابية في تحفيز الذئاب المنفردة؟

ووفق ما ورد بالدراسة، فإن تنظيمات مثل داعش والقاعدة تعمل على استهداف الأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية أو اجتماعية، حيث يتم إقناعهم بأن تنفيذ هجوم إرهابي هو “الخلاص” لهم، وأنه يمنحهم مكانة مرموقة داخل المجتمع الجهادي. 

وتنشر الجماعات الإرهابية كميات هائلة من المحتوى التحريضي عبر الإنترنت، تتضمن مقاطع فيديو، ورسائل مشفرة، وتعليمات حول كيفية تنفيذ الهجمات بأساليب بسيطة لكنها فعالة. وأحد أبرز الأمثلة على ذلك هو مجلة “روميّة” التابعة لداعش، التي كانت تقدم نصائح مباشرة حول كيفية تنفيذ هجمات فردية.

أمثلة على أفراد تأثروا، وما دوافعهم الشخصية؟

وأشارت الدراسة إلى مجموعة من الأمثلة عن أفراد تأثروا بالدعاية الإرهابية في أوروبا. من هذه الأمثلة ما شهدته العاصمة النمساوية فيينا في عام 2024، إذ تم تنفيذ هجوم دامي من طرف شخص يُعتقد أنه كان متأثرًا بأيديولوجية داعش. المهاجم، الذي كان يعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية، قام بمهاجمة سوق مزدحم بالسياح والسكان المحليين، مستخدمًا سكينًا لتنفيذ عملية طعن جماعي. وأسفر الهجوم عن مقتل وإصابة عدة أشخاص قبل أن تتدخل قوات الأمن وتتمكن من السيطرة عليه.

وقد أظهرت التحقيقات اللاحقة أن منفذ الهجوم كان قد تابع مواد تحريضية عبر الإنترنت، وحاول التواصل مع متطرفين عبر منصات مشفرة، مما يعكس خطورة الدعاية الإرهابية في استقطاب الأفراد المعزولين. وتبين أن أحد العوامل التي دفعته لتنفيذ الهجوم هو شعوره بالإقصاء الاجتماعي، إلى جانب تأثره برسائل تحريضية تدعو إلى استهداف المدنيين. يؤكد هذا الحادث وغيره من الحوادث المماثلة أن الإرهاب لم يعد يقتصر على التنظيمات الكبيرة فقط، بل أصبح الأفراد المنعزلون يشكلون تهديدًا حقيقيًا للأمن الأوروبي.

كما ورجحت الدراسة تظل هجمات الذئاب المنفردة تحديًا أمنيًا رئيسيًا في أوروبا خلال السنوات القادمة، خاصة مع استمرار استخدام الإنترنت كوسيلة للتجنيد والتحريض. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية