بعد حظر رموز وشعارات جماعة الإخوان وعدة تنظيمات موالية وتابعة لها، كثفت دول أوروبية خاصة النمسا خلال الأسابيع الماضية رقابتها على الاستثمارات والمؤسسات المالية التابعة للتنظيم المصنف في الكثير من العديد تنظيماً إرهابياً.
ووفق تقرير الاستخبارات الإسبانية الذي صدر مؤخراً، ونشره المركز الأوروبي للاستخبارات ومكافحة الإرهاب، فإنّ "تنظيم الإخوان يحاول بهدوء نقل الكثير من الأصول التي يملكها في أوروبا، وخصوصاً فرنسا، إلى إقليم كتالونيا، بعد ممارسة الحكومة الفرنسية ضغوطاً كبيرة على قادة التنظيم وعلى بعض الدول من أجل خفض مستوى الدعم المالي والاستثمارات في أنشطة التنظيم في أحياء باريس المهمّشة، وفق ما أورده موقع المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.
وأورد التقرير أنه تم رصد مؤسسات ومنظمات دولية ترسل أموالاً لكيانات تابعة للإخوان، من هذه المنظمات الدولية هيئة الإغاثة الإسلامية، التي بدأت مؤخراً في التكثيف من فعالياتها من أجل جمع التبرعات.
وأكدت الاستخبارات الإسبانية أنّ "جهات أخرى ترسل دعماً للإخوان في برشلونة"، لكنها رفضت الإفصاح عن هوية هذه الجهات أو وجهتها.
ومن أبرز الكيانات الاقتصادية للجماعة في أوروبا، التي تخضع، وفق مراقبين، لمراقبة أمنية ورصد دقيق، بنك التقوى الذي أسسه الإخواني يوسف ندا، وبنك أكيدا الدولي الذي أسسه التنظيم الدولي، وهو متورط في دعم العديد من الجماعات المتطرفة والأصولية، وكذلك مؤسسة أوروبا التي تأسست عام 1997، وشغل منصب مديرها التنفيذي أحمد الراوي عضو المكتب الدولي للجماعة.
واستدلت الدراسة بقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية توماس فيرجيلي: إنّ أعضاء جماعة الإخوان في أوروبا تربطهم إيديولوجيا واحدة، ويتشاركون في الأهداف نفسها مع تنظيم داعش والسلفيين.
تقرير الاستخبارات: تنظيم الإخوان يحاول بهدوء نقل الكثير من الأصول التي يملكها في أوروبا وخصوصاً في فرنسا والنمسا
ويرى مراقبون أنّ الخطوات الأوروبية المتلاحقة ضد الإخوان والتنظيمات الإرهابية ستضاعف أزمات التنظيم الحالية، خاصة أنه اعتمد على عدة دول كملاذ آمن لأنشطته واستثماراته، وكانت كلها داخل أوروبا، فضلاً عن كون الحظر الأوروبي يتزامن مع تضييق غير مسبوق على أنشطة الجماعة في تركيا، ما تسبب في شل حركة التنظيم وعدم تمكنه من ممارسة أي نشاط.
وقال الكاتب المختص في الإسلام السياسي شيار خليل في تصريح صحفي نقلته "سكاي نيوز": إنّ جماعة الإخوان خططت منذ عقود للسيطرة على عدة مفاصل في أوروبا وبين الجاليات العربية والمسلمة، وذلك عبر مراكز دينية وأخرى تعليمية لنشر التطرف بين المسلمين والعرب.
اقرأ أيضاً: قوانين أوروبية متلاحقة تحكم القبضة على هيئات تنظيم الإخوان
وأوضح خليل أنّ تلك النشاطات، وبسبب تساهل الحكومات الأوروبية معها، شهدت انتشاراً واسعاً وسلطت الضوء على أجنداتها المتطرفة، وبالتالي قامت حكومات عديدة بفرض رقابة أمنية عليها، بجانب إغلاق عدة مراكز وجمعيات في بريطانيا وأوروبا تعمل على نشر الفكر المتشدد والمتطرف، وتساهم في تمويل تنظيمات في سوريا ودول عربية أخرى.
ويقول الكاتب المختص بالإسلام السياسي: إنّ الهجوم الإرهابي الذي حدث مؤخراً في العاصمة النمساوية فيينا كان له الأثر الأكبر في دفع أوروبا لاتخاذ إجراءات شديدة وجديدة ضد المنظمات والجمعيات المتعلقة بالإسلام السياسي، والتي باتت تنتشر بشكل أخطبوطي في عدة دول منسقة عدة مشاريع متشددة مع بعضها بعضاً، ولا سيّما بعد تصريحات النمسا بأنها صادرت أكثر من 20 مليون يورو من أموال الجماعة التابعة للإخوان.
بدوره، قال أستاذ الاقتصاد السياسي كريم العمدة: إنّ الجماعة ستضطر لنقل جزء كبير من أموالها خارج أوروبا خلال الفترة المقبلة؛ لأنّ التعديلات الجديدة في القوانين ستسمح للمؤسسات الأمنية بتعقب تلك الاستثمارات وحظر نشاطها ومصادرتها في حال ثبوت تورطها بدعم الإرهاب، وهو أمر كان به كثير من التعقيدات في الوقت الماضي، وكانت الجماعة تتحايل على القوانين بتمرير هذه الاستثمارات.
توماس فيرجيلي: أعضاء جماعة الإخوان في أوروبا تربطهم إيديولوجيا واحدة، ويتشاركون في الأهداف نفسها مع تنظيم داعش والسلفيين
وأضاف العمدة في تصريح صحفي أنّ ماليزيا تمثل الملاذ الأهم والأقوى للاقتصاد الإخواني في ظل الإجراءات الأوروبية ضدهم، كذلك يستبعد فرضية أن يضطر التنظيم لنقل استثماراته من تركيا في ظل إجراءات الثانية ضدها بهدف التقارب مع الجانب المصري.
ويشير إلى بعض الحيل التي اعتمدت عليها الجماعة خلال الأعوام الماضية لإخفاء استثماراتها داخل أوروبا والدول العربية بعيداً عن ممارستها السياسية، لتبقى منفصلة وبعيدة عن المراقبة الأمنية، موضحاً أنّ أبرز هذه الحيل تدشين شراكات مع بعض المؤسسات الحكومية والخاصة داخل الدولة، وأنّ نشاطهم عادة ما يكون بعيداً عن أعين الحكومات، وتحت غطاء قانوني من مؤسسات ذات سمعة طيبة، عن طريق تلك الشراكات.
وذكر أستاذ الاقتصاد السياسي أنّ التنظيم سيواجه خسائر فادحة في حال شرعت أوروبا بإجراءات ضد الاقتصاد الإخواني المتنامي على أراضيها بشكل غير مسبوق خلال الأعوام الماضية.
واتفق الباحث المصري في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي منير أديب حول أنّ القانون النمساوي صحيح وصائب، ويؤكد أنّ دول أوروبا بدأت تفيق لمواجهة خطر الإخوان، مشيراً إلى أنّ هذا القرار وما سبقه من إجراءات من الدول الأوروبية قد يكون بداية المواجهة الحقيقية مع هذا التنظيم، وأوضح لـصحيفة "الاتحاد" أنّ الإجراءات الأوروبية سوف تنتهي بتفكيك تنظيم الإخوان وأفكاره.
واعتبر الباحث المصري في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد عطا أنّ النمسا وألمانيا من البلاد التي تعتبر نقاط ارتكاز في أوروبا لجماعة الإخوان.
خليل: مصادرة النمسا لأكثر من 20 مليون يورو من أموال الجماعة كان له الأثر في دفع أوروبا لاتخاذ إجراءات شديدة وجديدة ضد الإسلام السياسي
ووصف في تصريحات لـصحيفة "الاتحاد" القرار النمساوي حول الإخوان بأنه بمثابة صدمة كهربائية لتيار جماعة الإخوان في أوروبا، وذلك لأنّ هذا التيار لديه استثمارات ضخمة في ألمانيا تبلغ 1.8 مليار يورو، ولديه حالة من التمكين الاقتصادي والسياسي فيها.
ولفت عطا إلى أنّ النمسا تضم عدداً كبيراً من الجمعيات والمساجد التي تسيطر عليها جماعة الإخوان، وصدور هذه القرارات يعتبر تجميداً لعناصر الإخوان في دول المربع: ألمانيا، والنمسا، وفرنسا، وإنجلترا.
وأكد أنّ التجميد سوف يصيب جماعة الإخوان في هذه الدول وانتشارها الفكري والسياسي الذي استمر لفترة طويلة على مدار الأعوام الماضية، ومن المتوقع أن تهرب عناصرها من القارة إلى شرق آسيا.
اقرأ أيضاً: انشقاق "الإخوان المسلمين" أم انهيار التّنظيم
يشكل الاقتصاد أهمية استثنائية لدى جماعة الإخوان المسلمين، ليس لأنه يُعدّ أحد مرتكزات قوة الجماعة وأهم أدوات تنفيذ مشروعها الفكري والسياسي فقط، وإنما لأنه يتم توظيفه في بناء الذراع الاجتماعية المؤيدة للجماعة أيضاً من خلال المساعدات والمشروعات الخدمية التي تقيمها الجماعة لاستقطاب فئات المجتمع إليها، وخاصة الفقيرة والمهمشة، والاستقواء بها عند الضرورة، بل واستغلالها سياسياً في أوقات الانتخابات.
وقد ترافق الاهتمام الاقتصادي لدى جماعة الإخوان المسلمين منذ بدايات نشأتها الأولى، مع اهتماماتها الدعوية والسياسية؛ فصار العامل الاقتصادي ـ إلى جانب اختياراتها الدعوية وتوجهاتها السياسية ـ يشكل أحد الأبعاد الأساسية في صياغة رؤية الجماعة الإيديولوجية.
من جهة أخرى، يمكن وصف نظام الإخوان المسلمين الاقتصادي بكونه اقتصاداً يستثمر في الأنشطة الاستهلاكية سريعة الربح، والابتعاد عن الاستثمار في السلع الرأسمالية التي من شأنها بناء اقتصاد وطني قوي، وهو اقتصاد معولم ومنفتح على العالم، يسمح للجماعة الاستفادة من الثغرات الموجودة في بعض الملاذات الآمنة لتعزيز قدراتها الاقتصادية.
العمدة: ماليزيا تمثل الملاذ الأهم والأقوى للاقتصاد الإخواني في ظل الإجراءات الأوروبية ضدهم
وأمّا اهتمام الإخوان المسلمين بالغرب، فيعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وبالضبط غداة حادث المنشية عام 1954، وما تلاه من حظر قانوني للجماعة وتواتر الاعتقالات في صفوفها وتحفظ على أموالها وممتلكاتها، فقد شكّل هذا الحادث نقطة انطلاق قوية لإخوان مصر للتحرك نحو الخارج.
وبرعت الجماعة في تشكيل نخبة اقتصادية قادرة على استثمار المال والأعمال في تعزيز قوتها ونفوذها، ومن هنا ظهر من بين أعضائها أسماء شخصيات اقتصادية وازنة برز نجمها في عالم المال والأعمال على المستوى العالمي، منهم:
يوسف ندا، وهو رجل أعمال مصري حمل جنسيات دول عدة منها ليبيا وتونس وإيطاليا، وكان يشغل منصب المفوض لجماعة الإخوان المسلمين في الخارج، وفق ما أورده الكاتب محمد الدابولي، في كتابه "اقتصاد الإخوان... من "شركة البنّا" إلى "مجمعات الشاطر""، الذي نشر في 27 حزيران (يونيو) 2018.
اقرأ أيضاً: ضربة أوروبية لإرهاب "الإخوان"
ويقدّم ندا على أنه "وزير مالية الإخوان"، ويلقب بـ "البرنس" استناداً إلى علاقاته مع العديد من أجهزة المخابرات الأوروبية والشخصيات السياسية البارزة، التي منها الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة الذي منحه الجنسية التونسية، ليسهل عملية تكوين إمبراطورية اقتصادية تشمل شركات وبنوكاً ومؤسسات لاستثمار أموال الإخوان.
ومن أعمدة الاقتصاد الإخواني أيضاً إبراهيم الزيات، وهو مصري الأصل ويحمل الجنسية الألمانية، ويُعدّ أحد أعمدة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ينتمي إلى أسرة إخوانية بامتياز، فوالده هو القيادي الإخواني السابق فاروق الزيات إمام سابق لمسجد هامبورغ في ألمانيا، وشقيقه بلال هو أحد مؤسسي "منظمة الشباب الألماني المسلم"، وشقيقته منال هي زوجة أحد أنجال عضو مكتب إرشاد الجماعة، والمتحدث الرسمي باسمها في الخارج قبل استقالته الدكتور كمال الهلباوي، وهي التي تتولى الإشراف على عدد من المنظمات الإسلامية في الدول الأوروبية، وفق ما ذكر عبد الخالق فاروق في كتابه "كيف كوَّن تنظيم الإخوان المسلمين إمبراطوريته التنظيمية والمالية؟ التغلغل في أوروبا".
عطا: القرار النمساوي حول الإخوان وملاحقة استثماراتهم بمثابة صدمة كهربائية لتيار الجماعة في أوروبا
تولى إبراهيم الزيات قيادة عدد من الأنشطة الإسلامية في الغرب، مثل رئاسة كل من الجماعة الإسلامية في ألمانيا، والمركز الإسلامي في ميونخ، والمركز الإسلامي في مدينة كولون، ودار الوقف الإسلامي في بريطانيا، وتولى مهام إدارية مهمة في هيئة الإغاثة الإسلامية في بريطانيا، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، ويُحسب له تأسيس منتدى المنظمات الأوروبية للشباب والدارسين المسلمين الذي يتخذ من بروكسل مقراً له، وهو المنتدى الذي يقود حملة عدائية ضد نظام الحكم القائم في مصر حالياً، ويساند بشدة تنظيم الإخوان المسلمين منذ عزل محمد مرسي عام 2013.
وعلى الرغم من نجاح إبراهيم الزيات في ربط صلات قوية مع عدد من المنظمات البحثية والفكرية في أوروبا، مثل المعهد الأوروبي للعلوم الاجتماعية، والبرلمان الألماني (البوندستاج)، والبرلمان الأوروبي، فإنّ شبهات كثيرة حامت حوله عقب أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وظهرت شبهات قوية بشأن تورطه في عمليات اختلاس وغسيل أموال في ألمانيا.
بالإضافة إلى الدكتور عصام الحداد، الذي تولى منصب مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية على عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، وهو واحد من أهم الشخصيات في تمويل الإخوان في لندن، وهو الذي أدار حملته الرئاسية، ويعرف الجميع دوره الاقتصادي البارز داخل مصر وخارجها، حيث يعتبر الحداد همزة وصل بين رجال أعمال الإخوان وزملائهم الأجانب.
وكان عصام الحداد مسؤولاً عن الإشراف على التنسيق بين 64 جمعية عبر العالم، وهذه المهمة كانت تتطلب منه عدم الظهور على السطح، وأنه تحمل هذه المسؤولية من منطلق خبرته "في التنسيق بين فروع الجمعيات والجماعة في الخارج"، وأسعفه في ذلك إجادته للغة الإنجليزية، وفق ما نقل عبد الرحمن شلبي ومحمد علي زيدان، في كتاب "الإخوان تدير إمبراطورية مالية خفية رأسمالها 100 مليون إسترليني في بريطانيا وسويسرا".
وتتوفر الجماعة في أوروبا على عدد من الجمعيات ذات الصبغة الثقافية أو الدينية، غير أنها تتصرف واقعياً كأداة فعالة لجمع وتصريف أموال الجماعة، منها: مؤسسة الإغاثة الإسلامية التي تتخذ من لندن مركزاً رئيسياً، واتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا الذي تأسس في بروكسل بداية تسعينيات القرن الماضي من أجل "لمّ الشمل والتنسيق بين جماعات الإخوان المسلمين، في أكثر من 20 دولة، والمجلس الأوروبي للفتوى والبحوث الذي تأسس عام 1997 بدعوة من "اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا"، ومقره بالعاصمة الأيرلندية دبلن، وتناط به مهام "الإفتاء في القضايا المتعلقة بالأقليات المسلمة في أوروبا، والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية الذي يتولى مهمة تدريب الأئمة في 3 جامعات موزعة على فرنسا وويلز، فضلاً عن مجموعة من الكيانات الاقتصادية التي تقوم على توصيل الأموال الآتية من مناطق مختلفة إلى المنظمات والحركات التابعة للإخوان، وذلك للتوسع في عمليات بناء المساجد في جميع الأنحاء الأوروبية"، حسبما ذكر كتاب "واقع الإخوان المسلمين في أوروبا" لمؤلفه هيثم مزاحم.
وفي هذا السياق أيضاً، يأتي "نجاح الإخوان المسلمين في أوروبا في تأسيس المنتدى الدولي للبرلمانيين الإسلاميين، الذي يعمل لمساندة الجماعة في المواقف المختلفة"، بحسب ناثان براون (Nathan Brown) الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية.
وتسعى دول الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن، وعن طريق الاتحاد نفسه، لإصدار قوانين جديدة تفرض رقابة شديدة على تحركات هذه الجماعات، بجانب فرض عقوبات وحظر على شخصيات عديدة لها علاقات أو ارتباطات بتنظيمات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط.