كيف تأثر خامنئي بأفكار سيد قطب؟

 ترجم له كتابين... كيف تأثر خامنئي بأفكار سيد قطب؟

كيف تأثر خامنئي بأفكار سيد قطب؟


11/11/2024

يتحمّس الشباب الثوري عادةً للكتّاب والمؤلفين الثوريين الذين ينظرون للتغيير حتى وإن كان بوساطة العنف؛ العنف الذي يعدّونه أمراً إيجابياً لإحداث التغيير الثوري المنشود. وما يعانيه المنتمون للخط الثوري أنّهم يسقطون بفخ الإيديولوجية، وإن تقادم الزمان عليهم، بحيث تكون الأدلجة هي السياج الذي يمنعهم من التفكير خارجه. وهذا شأن كل الأنظمة الثورية الديكتاتورية التي نشأت على أفكار الأصوليات المتشددة، ويتقدمها النظام الإسلامي في إيران.

يُعزى التشدد الفكري للمرشد الإيراني علي خامنئي إلى تكوينه الثقافي المعقد. هذا التكوين يعود إلى شبابه في أواسط ستينيات القرن الـ (20) الماضي. ويُعدّ خامنئي مثقفاً إسلامياً مؤدلجاً، تغذى فكرياً من الأصوليات الراديكالية بشقيها؛ الشيعي والسنّي. فقد تتلمذ على يد زعيمه الروحي المرشد السابق الخميني، واطلع على أفكار منظري جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وتطورت المطالعة إلى حدّ التأثر والتعاطي السياسي المتباين بين النظام الإيراني والجماعة الإخوانية التي باركت الثورة الخمينية عام 1979م، كما أعلنت الجماعة وقوفها إلى جانب إيران في حربها مع العراق عام 1980م.

وسبقت الحركات السياسية السنّية نظيرتها الشيعية بعدة أعوام، نتيجة رفض المرجعيات الشيعية برمّتها الدخول في السياسة طالما الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر غائباً عن الأنظار. القرار الشيعي ولّدَ فراغاً فكرياً على المستوى السياسي، ممّا جعل أبناء الطائفة يخوضون السياسة في إطار الأحزاب العلمانية الليبرالية واليسارية الشيوعية، بينما عمل المسلمون السنّة في السياسة عبر تنظيمات عدة، منها علمانية وإسلامية.   

دخول الشيعة في العمل السياسي قادهم إلى الاتصال بالأفكار المشابهة لتحركهم العقائدي

دخول الشيعة في العمل السياسي قادهم إلى الاتصال بالأفكار المشابهة لتحركهم العقائدي، لذا انفتح الإسلاميون الشيعة على الأفكار الوافدة إليهم من مصر وباكستان والجزائر والهند، ناهيك عن طرح بعض فقهائهم لنظرية ولاية الفقيه بوصفها حلّاً لمشكلة الشيعة مع السلطة في ظل عصر الغيبة للإمام الثاني عشر.

دخول الشيعة في العمل السياسي قادهم إلى الاتصال بالأفكار المشابهة لتحركهم العقائدي، لذا انفتح الإسلاميون الشيعة على الأفكار الوافدة إليهم من مصر وباكستان والجزائر والهند

وقد قاد الفضول الفكري للجيل الإسلامي الشيعي الذي تغذى على أفكار فقهائه المتمثلين بآية الله الخميني، وآية الله محمد باقر الصدر، وآخرين، إلى الاطلاع على المدونات الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير السلفي. وعلى الرغم من الصِدام الطائفي بينهما، إلّا أنّهما يلتقيان في مسألة الحكم، وتبنّي شعار موحد يرفعه الإخوانيون علانيةً، وهو "الإسلام هو الحل". وبوصفه أبرز الشباب الإسلامي المؤدلج في إيران، والعامل تحت مظلة أستاذه الخميني، تأثر علي خامنئي كثيراً بطروحات الإسلاميين السنّة، ولا سيّما أولئك المتشددين منهم. وقد قرأ لمؤسس الجماعة حسن البنا، الذي يصفه خامنئي بالشهيد، واطلع على أفكار أبي الأعلى المودودي، إلّا أنّ التأثر الكبير لخامنئي كان بطروحات وأفكار سيد قطب، وذلك في العقد السادس من القرن الـ (20) المنصرم.

في أواسط ذلك العقد تمكن خامنئي من ترجمة كتاب سيد قطب "المستقبل لهذا الدين"، وكانت الترجمة من العربية إلى الفارسية، وتحديداً عام 1966م، أي بعد إعدام سيد قطب الذي لم يرَ ترجمة كتابه إلى لغة أخرى. وحمل الكتاب المترجم عنوان "بيان ضد الحضارة الغربية". في المقدمة التي صاغها خامنئي أثنى على سيد قطب، ووصفه بـ "المفكر المجاهد"، وأنّ كتبه تشكل خطوة على طريق توضيح معالم الرسالة الإسلامية.

كتاب "في ظلال القرآن" لسيّد قطب

وفي عام 1969م عاد خامنئي وترجم جزءاً من كتاب "في ظلال القرآن" الذي تم نشره على نطاق واسع في إيران، وفي باكستان موطن منظّر الحاكمية أبي الأعلى المودودي.

وتأخذ فكرة الحاكمية لدى سيد قطب حيزاً مهمّاً من فكر علي خامنئي، على الرغم من الخلاف العقدي بينهما. وأدرجت نظريات وأفكار سيد قطب في مناهج مدارس الإعداد العقائدي للحرس الثوري الإيراني. وتعني الحاكمية، كما صوّرها المودودي وسيد قطب، رفض الحكم بغير ما أنزل الله، وحصر سلطة التشريع فيه.

تمكن خامنئي من ترجمة كتاب سيد قطب "المستقبل لهذا الدين"، وكانت الترجمة من العربية إلى الفارسية، وتحديداً عام 1966م، أي بعد إعدام سيد قطب الذي لم يرَ ترجمة كتابه إلى لغة أخرى

ويقول خامنئي موضحاً نظرته للحاكمية: "إنّ الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه التي أبدعها الإمام الخميني، وطرحها أمام العالم، هي تلك الحكومة الإسلامية التي تعني حاكمية الإسلام والدين والشريعة، وهذا المعنى يجب أن يُفهم جيداً". لكن ما يميز الحاكمية عند الخميني وخامنئي، عن نظيرتها لدى قطب أو المودودي، هو قبولها بحاكمية الشعب أيضاً. ويُعتبر الشعب في إيران مصدراً للسلطات، فهو الذي ينتخب رئيس الجمهورية، ونواب البرلمان، وأعضاء مجلس الخبراء، لكنّ حاكميته تبقى في مرتبة دنيا أمام حاكمية الله.

وتقول المادة (56) من دستور إيران: "السيادة المطلقة على العالم وعلى الإنسان لله"، أمّا الشعب، فيمارس حق السيادة الممنوح له من قبل الله، بما لا يختلف مع الشريعة".

مواضيع ذات صلة:

"في ظلال القرآن"... محاولة جديدة لتلميع صورة سيّد قطب

"في ظلال القرآن" لسيد قطب: هل اختبأ التكفير خلف سحر البيان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية