الإخوان المسلمون في روسيا الاتحادية.. بين العمل السري والأدوار الوظيفية

الإخوان المسلمون في روسيا الاتحادية.. بين العمل السري والأدوار الوظيفية

الإخوان المسلمون في روسيا الاتحادية.. بين العمل السري والأدوار الوظيفية


14/03/2024

أثناء التمرّد المسلّح في الشيشان، والذي انفجر في كانون الأول (ديسمبر) من العام 1994، لعبت جماعة الإخوان المسلمين دوراً رئيسياً في عمليات التمويل والدعم اللوجستي للمقاتلين الشيشان، في مواجهة آلة الحرب الروسيّة، وتمّ تنظيم ذلك تحت غطاء عمليات الإغاثة الإنسانية، التي تم تنفيذها تحت إشراف الجماعة الأم في مصر.

بالتوازي مع ذلك، صنع الخطاب الإخواني عدة تشكيلات رمزية، مجّدت من شأن المقاتلين الشيشانيين، وعلى رأسهم شامل باساييف، الذي أدرجته موسكو على قوائم الإرهابيين، باعتباره المطلوب رقم واحد، حياً أو ميتاً، لكنّ الدعاية الإخوانية جعلت من باساييف، الذي تورّط في حوادث عنف واختطاف ضد مدنيين، بطلاً شعبياً، الأمر الذي أرّق أجهزة الاستخبارات الروسية، التي حاولت انتهاج إستراتيجية جديدة للتعاطي مع الدور السلبي الذي يمكن للجماعة أن تلعبه في الجمهوريات الإسلامية في روسيا، ومن ثم فإنّها وعلى ما يبدو، قررت احتواء التنظيم في أراضيها، عبر جملة من الإجراءات ذات الطابع الوظيفي السري، بالتزامن مع حظر أنشطة الجماعة بشكل علني في روسيا.

يشرح ضابط المخابرات الأمريكي المتقاعد، روبرت باير، في كتابه "النوم مع الشيطان"، الكيفية التي يمكن من خلالها أن تتعاون الولايات المتحدة مع الإخوان المسلمين؛ بهدف استخدام الجماعة لانجاز عمليات قذرة في اليمن وأفغانستان وأماكن أخرى، ربما تنضم إليها الآن روسيا وأوكرانيا. وعلى الجانب الآخر، فضّل جنرالات المخابرات الروسية، ترك مساحة عمل أمام الإخوان في الاتحاد الروسي، مع وضع ضوابط صارمة، على رأسها استمرار الحظر القانوني، الذي بدأ منذ العام 2003، من أجل السيطرة على التنظيم وربما توجيهه.

لعبة الأدوار الوظيفية

وعليه، فإنّه وعلى الرغم من قرار حظر الإخوان المسلمين في الاتحاد الروسي، إلّا أنّ الفرع الروسي للتنظيم، واصل عمله وفقاً للمبادئ التقليدية للجماعة، فيما يتعلق بالرؤية العامة، والتحرك التنظيمي السري، وفق تفاهمات وظيفية مع السلطات الأمنية، الأمر الذي مكّن الإخوان من ممارسة أنشطتهم المختلفة مثل: جمع التبرعات، والانخراط في العمل المجتمعي، وتجنيد الأعضاء من المسلمين الروس.

أصبحت الجماعة في روسيا مطالبة بدعم تدخلات بوتين العسكرية، بينما حاول فرع التنظيم في كييف إظهار الولاء للدولة الوطنية

واستفاد الفرع الروسي من جماعة الإخوان المسلمين، المسمى اتحاد المنظمات الإسلاميّة في روسيا وبيلاروسيا، من التعاون مع مجلس مسلمي أوروبا، في مجالات التدريب والتأهيل التنظيمي للكوادر، وبحسب تقرير صادر بالإنجليزية عن مركز مينا للأبحاث، يعقد الجانبان اجتماعات دورية، كما تحرص جماعة الإخوان المسلمين الروسية، على المشاركة في المنتدى السنوي للمجلس الذي أسسه الداعية الإخواني يوسف القرضاوي.

مرشد الإخوان في روسيا

لا يمكن الحديث عن الإخوان المسلمين في روسيا، دون الإشارة إلى شخصية وسام البردويل، وهو فلسطيني انتقل إلى روسيا في بداية التسعينيات لدراسة الطب، وهو أحد أقارب صلاح البردويل، عضو المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية.

بدأ وسام نشاطه التنظيمي في العام 2006، حيث وضعته أجهزة المخابرات الروسية على راداراتها، برفقة صديقه الفلسطيني نضال عوض الله الحيّة، وأصبح الأخير فيما بعد نائباً لمفتي منطقة حوض الفولجا.

 ولا تُعرف على وجه الدقة، الكيفية التي سُمح من خلالها للبردويل بممارسة نشاطه التنظيمي، من جمع للتبرعات، ونشر للفكر الإخواني، بالتزامن مع صعود نجمه، حيث شغل منصب مفتي جمهورية كاريليا، لنحو 15 عاماً، قبل أن يصبح على رأس اتحاد المنظمات الإسلامية، بالتوازي مع منصبه كمستشار للعلاقات الدولية، لمفتي عموم روسيا الاتحادية، ما يكشف جانباً براغماتياً في علاقة الجهات الرسمية الروسية بالإخوان، كلاعب وظيفي يمكن الاستفادة منه.

لا يُعرف على وجه الدقة، الكيفية التي سُمح من خلالها للبردويل بممارسة نشاطه التنظيمي، من جمع التبرعات ونشر الفكر الإخواني

يرى متابعون أنّ الاستخبارات الروسية قررت عندما رصدت أنشطة البردويل، أن تتبع إستراتيجية الاحتواء؛ حيث سمحت له بإنشاء كيان تنظيمي في مقابل مساعدة موسكو على كسب دعم المسلمين الروس، وبالفعل نجح البردويل بمعاونة نضال الحية، في تأسيس اتحاد المنظمات الإسلامية، والذي أصبح يملك عدداً كبيراً من الجمعيات والمدارس والمراكز الثقافية، في روسيا وبيلاروسيا، مثل وكالة الأنباء الإسلامية الروسية، وجمعية المجلس الخيرية، ومجلس شورى المفتين بروسيا، والمركز الثقافي الإسلامي، وجمعية البعثة الاسلامية العالمية وغيرها.

وبمساعدة مجلس مسلمي أوروبا، تجاوز الاتحاد دوره الدعوي، ليؤسس قسماً تعليمياً، ضمّ مجموعة من المدارس الدينية، مثل: مدرسة الشيخ سعيد في ساراتوف، ومدرسة المدينة في موسكو، كما نشط قسم الأخوات التابع للاتحاد، في تجنيد النساء المسلمات، تحت غطاء تأهيل المرأة المسلمة، ويشرف القسم حالياً على جمعية خيرية مسجلة باسم بيت الخير.

ومع الوقت دخل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذراع الدينية للإخوان في قطر، على خط دعم الكيان الإخواني في روسيا، وتعددت اللقاءات التي جمعت القيادي الإخواني، عبد الواحد نيازوف، النائب السابق بالدوما، بأحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي السابق، وعلي القره داغي الأمين العام للاتحاد.

وسام البردويل فلسطيني انتقل لروسيا بداية التسعينيات لدراسة الطب وهو أحد أقارب صلاح البردويل، عضو المكتب السياسي لحركة حماس

في غضون ذلك،  تمكن الاتحاد من محاكاة الجماعة الأم في مصر؛ حيث تمّ تأسيس هيئة تشريعية ورقابية تابعة له باسم مجلس الشورى، والذي أصبح من صلاحيته تسمية أعضاء المكتب التنفيذي، وإقرار ميزانية الاتحاد، وممارسة الدور الرقابي والتشريعي.

ينشط الاتحاد في مجال استضافة الدعاة الإخوان في روسيا، ففي شهر رمضان الماضي، نظمّ اتحاد الطلاب العرب في سان بطرسبرغ، الذي يهيمن عليه الإخوان، لقاءً للداعية الإخواني المثير للجدل، طارق السويدان.

دخل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذراع الدينية للإخوان في قطر، على خط دعم الكيان الإخواني في روسيا، وتعددت اللقاءات التي جمعت القيادي الإخواني، عبد الواحد نيازوف، النائب السابق بالدوما، بأحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي السابق

وعلى الرغم من أنّ وسام البردويل، لم يعد يشغل حالياً منصب رئيس الاتحاد، إلّا أنّه يُعد بمثابة مرشد الإخوان وزعيمهم الأول في روسيا الاتحادية، وقد انخرط في حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية، بداعي إساءة فرنسا للإسلام، وهو الأمر الذي رأته السلطات الأمنية الروسية متفقاً مع رغبتها في عقاب باريس، كما يطالب البردويل بشكل دائم بمقاطعة عدد من الحكومات العربية، وخاصّة مصر؛ بسبب موقفها من الإخوان المسلمين.

الحرب الروسية الأوكرانية تبعثر الأوراق

جاءت الحرب الروسية الأوكرانية، بالتزامن مع أفول نجم التنظيم في أوروبا، وسط ملاحقات خشنة، وحصار أمني خانق، وتساؤلات حول مصادر التمويل، وحركة الأوعية الادخارية الإخوانية، في فرنسا وألمانيا والنمسا وغيرها. وفي الوقت نفسه، كان وضع التنظيم وزعيمه في روسيا، وسام البردويل، جيداً، بينما تمكن الفرع المحلي للجماعة في أوكرانيا، والمتمثل في اتحاد الرائد من تحقيق نجاحات متعددة على صعيد التمدّد الاجتماعي، والتماهي مع السلطات الأوكرانية.

بعثرت الحرب الأوراق بحدة؛ حيث أصبحت الجماعة في روسيا مطالبة بدعم تدخلات بوتين العسكرية، بينما حاول فرع التنظيم في كييف إظهار الولاء للدولة الوطنية، ومغازلة دول الغرب، للخروج من دائرة العزلة الأوروبية، ومن ثمّ السعي تجاه تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية والإستراتيجية، سواء لاتحاد الرائد، أو للأذرع والشبكات التي تديرها الجماعة في أنحاء أوروبا.

نشطت الذراع الأوكرانية في مواجهة الغزو الروسي، من أجل تعزيز وجود الإخوان في أوروبا، بما يتماشى مع انحيازات صانعي السياسة الأوروبية

حاول اتحاد المنظمات الإسلامية في روسيا عدم إغضاب السلطات، وتماهي وسام البردويل مع الموقف الروسي، حيث أعلن عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، رفضه ما أسماه تضارب المعايير التي يتصرف بها الغرب تجاه دولة أوروبية مجاورة، في مقابل دول الشرق الأوسط، كما هاجم الرئيس الأوكراني زيلنسكي، بعد أن طلب الأخير دعم إسرائيل لبلاده، كما اعترض على العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا، واعتبر ذلك محاولة للاغتيال الاقتصادي.

في المقابل، نشطت الذراع الأوكرانية في مواجهة الغزو الروسي، من أجل تعزيز وجود الإخوان في أوروبا، بما يتماشى مع انحيازات صانعي السياسة الأوروبية، وتجلى ذلك في البيانات المختلفة الصادرة عن فروع اتحاد الرائد، والمتعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية، وتوظيف الغطاء الخيري والإنساني، من أجل تقوية الشراكات التكتيكية مع الأوروبيين.

مواضيع ذات صلة:

هل تصبح تتارستان نقطة انطلاق الإخوان نحو الهيمنة على جمهوريات روسيا الإسلامية؟

روسيا تفلت من مصيدة العقوبات الغربية... ما علاقة الصين والهند؟

كيسنجر "العجوز" مستشرفاً المستقبل: راعِ مصالح روسيا لتتجنّبَ الصين



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية