
منذ عام 2013 اعتمدت جماعة الإخوان المسلمين على استراتيجيات متنوعة لضرب استقرار الدولة المصرية، شملت العنف المادي، والتآمر الإعلامي، والتشويه الدبلوماسي، واستهداف الشباب. ومع ذلك نجحت الدولة المصرية في التصدي لهذه المخططات عبر جهود أمنية وسياسية متواصلة. ويبقى ملف الإخوان المسلمين تحدياً قائماً، يتطلب استمرار العمل على كشف مخططاتهم والتصدي لها، لضمان حماية الأمن القومي واستقرار المجتمع.
وقبل أيام أعلن وزير داخلية مصر اللواء محمود توفيق أنّ أجهزة وزارته رصدت مخططات إرهابية كانت ستنفذها جماعة الإخوان ورصدت لها مبالغ كبيرة، وقال خلال الاحتفال بعيد الشرطة يوم الأربعاء: إنّ الوزارة تمكنت من رصد وضبط عناصر لجان الإخوان الإعلامية والكيانات التجارية التي كانت تستخدمها كواجهات لتمرير الدعم المالي بلغت قيمتها السوقية (2.4) مليار جنيه، وقد أثارت التصريحات حالة من النقاش حول طبيعة المخططات الإخوانية التي استهدفت وما تزال تستهدف الدولة المصرية، ومصادر تمويلها ومن يقودها.
ما طبيعة المخططات؟
منذ سقوطها عن الحكم إثر ثورة 30 حزيران (يونيو) انتهجت جماعة الإخوان نهجاً عدائياً ضد الدولة المصرية، اعتمد على العمل المسلح من جهة والشائعات من جهة أخرى لضرب استقرار الدولة المصرية، وقد رصدت مليارات الدولارات، على حد تقديرات الخبراء، لتنفيذ هذا المخطط، ورغم فشله ما تزال آلة الإخوان تحاول استهداف الدولة المصرية عبر الأدوات ذاتها.
لطالما اعتمدت جماعة الإخوان المسلمين على الشائعات كأداة رئيسية لاستهداف مصر، مستغلة وسائل الإعلام التقليدية والجديدة لنشر معلومات مغلوطة تسعى إلى زعزعة ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. وتحرص الجماعة على تضخيم الأحداث البسيطة وتهويل الأزمات، مثل أزمات الأسعار والخدمات العامة، بهدف خلق حالة من الغضب الشعبي، كما تنشط حسابات ولجان إلكترونية تابعة للإخوان على مواقع التواصل الاجتماعي لترويج الشائعات بشكل ممنهج، وتضخيم القضايا المجتمعية لتشويه صورة الدولة المصرية أمام الرأي العام المحلي والدولي.
ومن أبرز الأمثلة على هذه المخططات كان خلال فترة الإصلاحات الاقتصادية، فقد عملت الجماعة على إثارة الشكوك حول جدوى هذه الإصلاحات من خلال نشر أكاذيب حول عجز الدولة عن تلبية احتياجات المواطنين الأساسية، كذلك استغلت الجماعة أحداثاً أمنية، مثل العمليات الإرهابية التي وقعت في سيناء، ومناطق أخرى، وبعضها نفذتها الجماعة عبر أذرعها المسلحة، لترويج مزاعم حول ضعف الأجهزة الأمنية وعدم قدرتها على حماية الدولة، وكان الهدف الأساسي من هذه الشائعات هو خلق حالة من الفوضى والإحباط، وضرب الروح المعنوية للشعب المصري، ممّا يمكّن الجماعة من تقديم نفسها كبديل للدولة الوطنية.
العمل المسلح ودعم الإرهاب
إلى جانب الحرب الإعلامية، لم تتخلّ جماعة الإخوان المسلمين عن خيار العمل المسلح كوسيلة رئيسية لاستهداف مصر وتحقيق أهدافها السياسية منذ الإطاحة بحكم الجماعة في عام 2013، وقد تبنت الجماعة استراتيجية جديدة تقوم على دعم التنظيمات الإرهابية التي تعمل داخل مصر، مثل تنظيم "حسم" و"لواء الثورة"، التي تورطت في العديد من العمليات الإرهابية التي استهدفت رجال الأمن والقضاء والبنية التحتية.
وقد أثبتت التقارير الأمنية أنّ الجماعة توفر الدعم المالي واللوجستي لهذه التنظيمات، سواء من خلال أموالها المتدفقة من الخارج، أو عبر شبكات التمويل السرية التي تديرها داخل مصر، كما اعتمدت الجماعة على استقطاب الشباب وإغرائهم بأفكار متطرفة، وتدريبهم على تنفيذ عمليات اغتيال وتفجيرات تستهدف شخصيات ومؤسسات الدولة.
اتبعت الدولة المصرية استراتيجية شاملة ومتعددة المحاور للتصدي لأنشطة جماعة الإخوان المسلمين التخريبية منذ عام 2013، شملت مواجهة التنظيم على المستويات الأمنية والسياسية والإعلامية.
علاوة على ذلك ترتبط جماعة الإخوان بشبكات دولية توفر لها غطاءً سياسياً ودعماً لوجستياً، خاصة في تركيا وقطر، حيث تجد الجماعة ملاذاً آمناً للتخطيط لأنشطتها الإرهابية، ومن خلال هذا الدعم الخارجي تسعى جماعة الإخوان إلى إضعاف الدولة المصرية وإرباك مؤسساتها الأمنية، بهدف تحقيق أجندتها الرامية لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وإعادة الجماعة إلى السلطة مهما كان الثمن.
من يموّل الإخوان؟
دائماً ما يُثار سؤال التمويل باعتباره أحد أهم علامات الاستفهام حول جماعة الإخوان، وبالحديث عن المليارات التي تخصصها الجماعة لضرب الداخل المصري، لا بدّ من استعراض جانب التمويل وأهم المراكز التي تعتمد عليها الجماعة.
بحسب مراقبين، تُعدّ شبكات الأعمال والاستثمارات الدولية واحدة من أهم مصادر تمويل جماعة الإخوان المسلمين، وتمتلك الجماعة شركات ومؤسسات تجارية تعمل في مجالات متنوعة، مثل العقارات، والتجارة، والتعليم، والخدمات الصحية، والاتصالات. وتنتشر هذه الاستثمارات في دول عديدة، أبرزها تركيا، وقطر، وماليزيا، وبعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا وألمانيا. وتعتمد الجماعة على هذه الشبكات لتوفير موارد مالية ضخمة تدعم أنشطتها السياسية والإعلامية.
كما تستغل الجماعة المؤسسات التعليمية والخيرية التي تديرها كواجهة لجمع الأموال من التبرعات، وعلى سبيل المثال فإنّ عدداً من المراكز الإسلامية والمدارس في الخارج تعمل تحت إدارة شخصيات مقربة من الجماعة، وتستخدم أرباحها لدعم الأنشطة التنظيمية، ومن خلال هذه المؤسسات تسعى الجماعة لتضليل الجهات الرقابية، حيث تُظهر هذه الكيانات كمبادرات غير ربحية تخدم المجتمعات المحلية، لكنّها في الواقع تُعتبر قنوات لتمويل أنشطتها في الداخل والخارج.
وتُعدّ التبرعات من الأعمدة الأساسية التي يعتمد عليها الإخوان لجمع الأموال، وتتلقى الجماعة تبرعات من أفراد ومؤسسات تدعم أجندتها السياسية. وتلعب المجتمعات الإسلامية في أوروبا وأمريكا الشمالية دوراً مهمّاً في هذا السياق، إذ تعمل الجماعة على استغلال مشاعر المسلمين في المهجر وإقناعهم بدعم ما تسمّيه "مشاريع الدعوة الإسلامية"، والتي في الواقع تُخصص أموالها لدعم أنشطتها السياسية والإرهابية.
إضافة إلى ذلك، تتلقى الجماعة دعماُ مالياً مباشراً من دول حليفة لها، ويتم توفير المساعدات المالية واللوجستية من خلال حسابات مصرفية أو عمليات نقل أموال سرية، وغالباً ما تُستخدم هذه الأموال لدعم الإعلام التابع للجماعة، مثل قنوات التلفزيون والمواقع الإخبارية التي تروّج لإيديولوجيتها، بالإضافة إلى تمويل أنشطتها الإرهابية في مناطق مختلفة، ويمثل هذا الدعم الخارجي إحدى أهم الوسائل التي تساعد جماعة الإخوان على الاستمرار في تنفيذ أجندتها، رغم التضييق المفروض عليها في العديد من الدول.
كيف تصدت مصر لأنشطة الجماعة؟
اتبعت الدولة المصرية استراتيجية شاملة ومتعددة المحاور للتصدي لأنشطة جماعة الإخوان المسلمين التخريبية منذ عام 2013، شملت مواجهة التنظيم على المستويات الأمنية والسياسية والإعلامية. أمنياً، قامت الأجهزة الأمنية بتفكيك خلايا إرهابية مرتبطة بالجماعة، وضبطت العديد من العناصر المتورطة في تنفيذ عمليات إرهابية أو التخطيط لها، بالإضافة إلى إحكام السيطرة على مصادر التمويل الداخلي والخارجي للجماعة من خلال ملاحقة شبكاتها الاقتصادية، وأصدرت الدولة قوانين وتشريعات جديدة لتجريم الإرهاب وتمويله، ممّا ساهم في تقويض قدرات الجماعة على التحرك بحرية داخل البلاد.
سياسياً وإعلامياً، ركزت الدولة على فضح مخططات الجماعة أمام الرأي العام المحلي والدولي من خلال تسليط الضوء على ارتباطها بتنظيمات إرهابية وسعيها لزعزعة استقرار الدولة. كما عملت المؤسسات الإعلامية المصرية على نشر الوعي بين المواطنين حول خطورة الشائعات التي تروجها الجماعة لتقويض ثقة الشعب في مؤسسات الدولة. وعلى الصعيد المجتمعي سعت الدولة إلى تجفيف منابع التجنيد للجماعة عبر دعم برامج التوعية الدينية الصحيحة التي تروج لمفاهيم الإسلام الوسطي المعتدل، بالتعاون مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، ممّا أسهم في الحد من تأثير الفكر الإخواني المتطرف داخل المجتمع المصري.