
تعرّض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لانتقادات شديدة بعد ظهوره مع مؤثر إخواني قبل أيام.
الرئيس الفرنسي دفعه حرصه الدائم على الظهور في وسائل الإعلام غير المتوقعة؛ لتعزيز شعبيته المتراجعة، عبر تطبيق (تيك توك) مع شخص حول مسألة وصفها مراقبون بأنّها "إدارية تافهة"، دون أن يدرك أنّ الشخص الذي كان يتحدث معه هو مؤثر إخواني سيّئ السمعة.
وبحسب هيلين دو لوزون، مراسلة موقع (European Conservative) في باريس، بدأ كل شيء قبل بضعة أيام بمقطع فيديو نشره رجل على (تيك توك)، يشكو من تغريمه بدفع رسوم على أحد الطرق السريعة لاستخدامه هاتفه للدفع في محطة تحصيل أمام الكاميرا، وروى تجربته قبل بضعة أيام بالقرب من مدينة تورز، بعد أن دفع رسومه للتوّ بهاتفه، حيث علم أنّه قد تم تغريمه (90) يورو وتم حذف (3) نقاط من رخصة قيادته؛ لأنّه انتهك قانون الطرق السريعة الذي يحظر حمل الهاتف في يده عند أكشاك الرسوم أو عند الإشارات الحمراء.
وسرعان ما انتشر الفيديو، الذي تمّت مشاهدته مئات الآلاف من المرات، على نطاق واسع حتى وصل في النهاية إلى مسامع ماكرون، الذي خصّص وقتاً للرد عليه بالنبرة نفسها ، على (تيك توك)، في مقطع فيديو قصير تمّ التقاطه في وضع الــ "سيلفي". وقال رئيس الدولة بنبرة هادئة: "أعتقد أنّه بحلول العام 2025 يجب أن تكون قادراً على دفع الرسوم باستخدام هاتفك. لقد سلمت الملف إلى وزير الداخلية، وسنعمل على مراجعته بشكل جماعي. شكراً لك على التنبيه".
بدوره، أكد وزير الداخلية برونو ريتيللو أنّه تلقى الأمر، وينوي الرد بشكل إيجابي على طلب الرئيس.
لعبة صغيرة تورط الرئيس
هذه ليست المرة الأولى التي يلعب فيها الرئيس هذه اللعبة الصغيرة، المتمثلة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز صورته بين الشباب، وبدرجات متفاوتة من النجاح، أصبح الرئيس الفرنسي مواظباً على ذلك دون مراجعة مستشاريه، وربما كان الأمر سيمرّ هذه المرة مرور الكرام، لو لم يكتشف المراقبون الملف الشخصي للمؤثر الذي خاطبه الرئيس ماكرون. فبعيداً عن كونه مجرد شاب، فإنّ مستخدم (تيك توك) هو في الواقع مؤثر إخواني من النوع الذي يحاول وزير الداخلية برونو ريتيلو تعقبه وطرده هو وأمثاله من البلاد، بحسب هيلين دو لوزون.
من جهته، كشف بول سوجي، الصحافي في صحيفة (لوفيجارو) الفرنسية، أنّ المؤثر المعروف على (تيك توك) باسم S4iintt))، لديه ما لا يقلّ عن (250) ألف متابع، يعدهم دوماً بتطبيق الشريعة، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية على نهج الإخوان المسلمين.
وفي مقاطع الفيديو التي ينشرها هذا المؤثر يؤكد أنّه يريد "ضرب الرؤوس"، عندما يرى نساء يرتدين ملابس غير إسلامية. وبالنسبة إلى هذا المستخدم على (تيك توك)، الذي يهدر الرئيس الوقت في الحديث معه بسبب هوسه بالتواصل، فإنّ فرنسا "دولة معادية للإسلام". وهو يروّج للنقاب، ويذهب إلى حد الدفاع عن ارتداء الحجاب من قبل الفتيات الصغيرات من سن السابعة.
وبحسب المتابعين، فإنّ كل مقاطع الفيديو المتكررة التي يبثها هذا المؤثر تحمل كل السمات المميزة للواعظ الإخواني المتطرف، فهو يهاجم المسلمين الذين يستمعون إلى الموسيقى؛ لأنّها في رأيه حرام، وتجعلهم مذنبين، وتحملهم وزر مليارات الخطايا. وفي مقطع فيديو آخر يمتدح مزايا تعدد الزوجات، مع التحذير من أنّ إعالة عدة زوجات قد يكون مكلفاً في بعض الأحيان.
خلل في وحدة الاتصال الرئاسية
وصف مراقبون هواية الرئيس بالفاضحة، وما أقدم عليه بالخلل الأمني الكبير، الأمر الذي أصاب وحدة الاتصال التابعة للرئاسة بالارتباك؛ لأنّه لم ير أحد ضمن حاشية ماكرون أنّه بات من المناسب كبح حماسه، أو ثنيه عن نشر مقطع الفيديو القصير الخاص به، أو معرفة المزيد عن رجل يصف ماكرون في مقطع فيديو آخر له على (تيك توك) بأنّه: "قزم متزوج من معلمته الفرنسية، ويدير بلداً بحجم رقاقات البطاطس".
تعرّض الرئيس وطاقمه بالطبع للإحراج الكامل. وباتت التساؤلات الملحة الآن: بعد أن تورط ماكرون مع هذا الرجل، كيف يمكنه التراجع دون أن يفقد ماء وجهه؟ وما المصداقية التي يمكن أن يتمتع بها وزير داخليته الذي تورط أيضاً في هذا الكمين المثير للشفقة؟
وبحسب مراسلة موقع European Conservative))، التزم الجميع الصمت حيال الأزمة، بينما يتصاعد السخط على الرئيس، فقد نددت صحيفة (لوفيجارو) بهذه الورطة الكبيرة، كما هاجم المعلقون من معسكر اليمين غفلة الرئيس ورجاله، بينما التزمت صحافة اليسار الصمت، ربما حذراً من الظهور في معسكر يبتعد عن توجهات اليسار في قضية رسوم المرور ومدفوعات الهاتف، وربما ما تزال الإدارة الفرنسية تبحث عن مخرج وسط تصاعد السخرية من الرئيس على مواقع التواصل الاجتماعي.